اختار مهرجان كان السينمائى المنعقد هذه الايام ان يفجر قنبلة سينمائية مدوية فى اول ايامه، بفيلم البؤساء وهو اول عمل روائى طويل من اخراج لادج لى. والبؤساء كما هو معروف هو عنوان رواية اديب فرنسا الأشهر فيكتور هوجو. تبدأ الاحداث بلقطات حيوية تقدم تفاعل الجماهير الفرنسية من كل الاصول مع مباراة ختام بطولة كأس العالم لكل القدم التى اقيمت العام الماضى وفازت بها فرنسا. ويركز المخرج على مراهق صغير اسمه عيسى يلف نفسه بعلم فرنسا منتشيا بالفوز. ذلك الصبى سيكون مقدرا له ان يكون وراء تفجر أحداث ضخمة داخل الفيلم مثل التى تسبب فيها صبيان مثل زياد بينا وبونا تراروى اللذين قتلا عام 2005 وفجرا وراءهما سلسلة ضخمة من الشغب والتدمير فى الاحياء الباريسية الفقيرة المسماة الضواحى. المثير ان جزءا من هذه الاحداث تم فى حى مونفيرماى او الحى 93 بضواحى باريس، وهو نفس الحى الذى جرت به رواية هوجو، وربما لذلك اختارها لادج لى مسرحا لأحداث فيلمه الجميل. تنطلق الاحداث مع وصول ضابط طيب اسمه ستيفان للانضمام لوحدة مكافحة الجريمة مع زميليه كريس: عنصرى لكن متمكن من عمله وجوادا ضابط اسود بمستعمرات فرنسا السابقة فى المحيط الهندى. يرمينا سيناريو الفيلم فى قلب حى مونفيرماى بكل قوة، حيث الفقر والبطالة والإدمان والتشدد الدينى التى تملأ الحى الذى يضم الملونين وأبناء المهاجرين والكثير من المسلمين. ودون مواربة وبكل شجاعة، يقدم الفيلم كيف وصلت جماعة الاخوان الارهابية الى هذا الحى، وما تفعله مع الصبية والمراهقين بمنحهم وجبات وهدايا لاستقطابهم لدروسها وضمهم اليها فيما بعد. ولا ينسى الفيلم الاشارة الى يعض العناصر العائدة من الحرب فى سوريا والتى كانت تمارس القتل هناك بلا هوادة وعادوا الى فرنسا بعدما حلقوا ذقونهم وتظاهروا بأنهم اناس عاديون لإخفاء شخصياتهم الإرهابية فى ادانة واضحة من المخرج للسلطات الاوروبية التى تركت هؤلاء يعودون اليها دون محاكمتهم. سرعان ما نتعرف على عمدة الحى وهو رجل اسود عنيف يعامله الضابط الاسود بكل احتقار لما يعرفه عنه من حاضر سيئ وماض اسوأ. يدخل الاحداث مجموعة عرقية ثالثة هى الغجر جاءت للعمدة الاسود تهدده بحرق الحى اذا لم يعثر خلال 24 ساعة على اسد صغير تمت سرقته من السيرك الخاص به بواسطة مراهق اسود. سرعان ما يعرف رجال الشرطة ان السارق هو المراهق عيسى الذى بدأ به الفيلم ويعتز بكونه فرنسيا الى اقصى حد. يعثر فريق الشرطة على عيسى لكن بقية المراهقين يواجهونهم بعنف ويمنعونهم من أخذ عيسى ويشتبكون معهم فيطلق الضابط الاسود طلقة طائشة على عيسى، فيصيبه ويفقده الوعى. يفاجأ الشرطى المتعصب بان هناك كاميرا درون طائرة كانت تصورهم فيجن جنونه خوفا من انتشار الفيديو الذى يظهر لجوءهم للعنف وضرب النار على الصبى، مما يعنى محاكمتهم وربما فصلهم. يعثر الضباط سريعا على الصبى الذى يملك الكاميرا الطائرة ويطاردونه للحصول على كارت الذاكرة المسجل عليه الواقعة. يهرب الصبى منهم ويلجأ الى افريقى صاحب مطعم بالحى اصبح متدينا الآن بعدما كان شقيا وبلطجيا من قبل. هذا الرجل يثق فى الضابط الطيب الذى يعده بأن يكون المراهق عيسى بأمان. يتم اعادة الاسد الصغير لزعيم الغجر، واعادة عيسى لمنزله بعد ان يشترط عليه الضابط العنصرى ألا يقول ان الشرطة هى التى اصابته. فى صبيحة اليوم التالى، يعود فريق الشرطة الى الحى لممارسة عمله من جديد حتى يتم ايقاعهم فى فخ واستدراجهم الى احد المبانى لإرهابهم وضربهم ومحاصرتهم حتى الموت من قبل كل المراهقين والصبية بالحى. ويغلق الفيلم على مشهد والصبى عيسى على وشك اضرام النار فى رجال الشرطة والشرطى الطيب ستيفان يصوب نحوه مسدسه بدون ان نعرف ماذا حدث بعد ذلك. ويضع المخرج جملة من رواية البؤساء لهوجو قائلا فيها: ليس هناك زرع سيئ ولا رجال سيئون. هناك مربون سيئون. لادج لى يقول لنا بكل قوة ان النظام الاجتماعى الحالى بفرنسا يجعل من الكل بؤساء، اقليات وشرطة. وهى نفس رسالة هوجو تقريبا. يفتح امامنا الفيلم مجموعة ضخمة من التساؤلات عن حال اوروبا اليوم فى ظل التفاوت الاجتماعى، ومصير ابناء المهاجرين فى الاحياء الفقيرة هناك، ويلقى بظلاله على الواقع الحالى بفرنسا وتحديدا احداث السترات الصفراء التى اظهرت المدفون تحت الرماد من احاسيس الظلم الاجتماعى. تلك الاحداث وفيلم كهذا يعلنان لنا وفاة الرأسمالية بشكلها الحالى بالغرب. ويظهران ايضا ان الطوفان الذى قد يدمر البلاد بكاملها قريب وبروفاته مستمرة لعل احد المجتمعات تنتبه قبل فوات الاوان. لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف دره