كثيرا ما يواجه ضباط مباحث المخدرات مواقف إنسانية فارقة، فإمبراطورية المخدرات، مدمنين كانوا أم تجارا، مفعمة بالمواقف والشخصيات المغرقة فى الغرابة، لكن قضية هذا الفتى، تبدو واحدة من أعجب القضايا، ليس لأنه مريض بالقلب وعند ضبطه أخبر الضباط بأنه يضع جهازا لتنظيم ضربات القلب وأنه مصاب بسرطان فى الأمعاء وحالته مستعصية. يمكن أن تجد كثيرين من تجار المخدرات مرضى بأكثر الأمراض شراسة فيستمرون فى غيهم أو يفهمون رسالة القدر ويقلعون عن الحرام، لكن الشاب البالغ من العمر 22 سنة، كان يبيع الهيروين ليشبع شهوة انتقام تفجرت فى أعماقه منذ اكتشافه أنه واحد من مرضى السرطان، فقد كان قبل وقوع الفاجعة، يحاول أن يسلك عالم المخدرات التقليدى بالتجارة فى الحشيش والبانجو وأشباههما من تلك البضاعة التى تجد لها سوقا رائجة فى المنطقة التى يعيش فيها بمركز البدرشين بمحافظة الجيزة، لكنه قرر التحول للاتجار فى الهيروين لأنه أكثر المخدرات تدميرا للشباب. هكذا قرر لضباط المخدرات الذين نقلوه إلى المستشفى عقب القبض عليه للتأكد من ادعائه أنه مريض بالقلب وأن الجهاز الذى يلازمه هو جهاز لتنظيم ضربات القلب وهو يقرر لهم أنه ما أن تعود على مصيبة مرضه بالقلب، حتى فاجأه الأطباء بأنه يعانى أحد أشد أنواع السرطان فتكا. «أشعر بالغل يأكل صدرى كلما رأيت شابا يستمتع بحياته ويرى العمر أمامه فسيحا والحياة تنتظره ليحقق آماله», هكذا قرر للضباط وعيناه تشتعلان حنقا، فهو يعرف أن فئة الشباب من مدمنى الهيروين الذين يأتون لشرائه فى مجاهل الريف، ينتمون إلى أسر ثرية وهم يستمتعون بحياتهم بأموال أهلهم ويعيشون من أجل إشباع نزواتهم. استطاع أن يحول كثيرين من شباب الأسر الثرية فى القرى من إدمان المخدرات التقليدية إلى إدمان الهيروين فمدمنو هذا المخدر المدمر لا يكاد يكون لهم وجود فى القرى ولكن أفلح فى فتح مجال من خلال تيسير الحصول على الهيروين وتوصيله إلى المنازل، لأنه يعرف جيدا أن فرصة العلاج من إدمانه تكاد تكون معدومة وحياة مدمنه تتحول إلى جحيم يقارب جحيم مريض السرطان ولا تنتهى رحلة الهيروين إلا بالموت بجرعة زائدة أو الإفلاس والضياع إلى الأبد عندما يتحول مدمنه إلى شبح آدمى يتمنى الموت ليتخلص من آلامه. وجاءت قصة سقوط الشاب تاجر المخدرات المريض، بعد أن توافرت معلومات لدى ضباط الإدارة العامة لمباحث المخدرات بأنه يقوم بتوزيع الهيروين بواسطة سيارته الملاكى فى مناطق ريفية لا يكاد توجد بها سوق لهذا المخدر، فتم تتبعه بعد اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حتى تم ضبطه وعثر معه على 150 جراما من الهيروين وعند تفتيشه بدقة وجد أنه يضع جهازا لضبط ضربات القلب وقد لاحظ الضباط مظاهر الضعف وبدت عليه عقب ضبطه علامات الإرهاق وأصيب بإغماء، فأسرع به الضباط إلى المستشفى، حيث تأكدوا من حقيقة مرضه بالقلب وعقب إفاقته كشف للأطباء والضباط عن أنه ليس فقط مريضا بالقلب ولكنه مريض كذلك بالسرطان وتملكه اليأس من الشفاء بعد جهود مضنية، لكن ذلك لم يثنه عن الاستمرار فى نشاطه، بل زاده إصرارا على الانتقام وتملك منه الحنق عندما يرى أى شاب يستمتع بحياته، فعاهد نفسه على أن يدمر حياة أكبر عدد ممكن من الشباب الذين ينفقون ببذخ على نزواتهم بينما هو لا يكاد يجد ثمن العلاج، بل حتى تجارة المخدرات لم تعد توفر له ما يتطلبه علاجه من نفقات، فبالكاد يحصل على الأدوية التى تخفف من آلامه ولكنها أبدا لن تقضى على المرض أو حتى تجدد لديه الأمل فى الشفاء بعد أن أصابه القنوط. وعقب إخطاره بقصة تاجر المخدرات، أمر اللواء مجدى السمرى مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات باتخاذ الإجراءات القانونية نحوه، كمتهم يعانى أمراضا مستعصية وكذلك بإحالته إلى النيابة بتهمة حيازة الهيروين والاتجار فيه.