تتخذ الأمة الإسلامية شهر رمضان المبارك موسمًا للتنافس في استباق الخيرات والعمل الصالح؛ التماسًا لتنزلات الرحمة وحسن التوفيق للطاعات وقبولها بجزيل الأجر والثواب، تلك التي اختص الله تعالي بها هذا الشهر الفضيل من بين سائر شهور العام، فعن أبي مسعود الغفاري، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ذات يوم وقد أهل رمضان، فقال: «لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن يكون السنة كلها» (صحيح ابن خزيمة). لذا كان إدراك زمان هذا الشهر المبارك مقصودًا للصالحين وغاية كبري يرجون من الله تعالي تحقيقها وبلوغها بإخلاص النية لله تعالي والعزم علي اغتنام أوقاته بالاجتهاد في الأعمال الصالحات، وهم في صحَّة وعافية، وهم مقتدون في ذلك بأحوال النبي صلي الله عليه وسلم الذي كان كثيرًا ما يرجو ربه عزَّ وجلَّ في البقاء في هذه الأزمان الفاضلة خاصة إذا دخل عليه شهر رجب فيقول: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان -أي: في طاعتنا وعبادتنا- وبلِّغنا رمضان أي: إدراكه بتمامه، والتوفيق لصيامه وقيامه-»(المعجم الأوسط للطبراني). والمتأمل في مجموع الأدلة الشرعيَّة الواردة في أحكام هذا الشهر وفضائله يجد أنها تحث علي الإكثار من العمل الصالح، وضرورة التحلي بالأخلاق الحميدة في القول والفعل، والإحسان للنفس وللغير، وفعل المستطاع من أعمال البر والخير، بالإضافة إلي أداء فريضة الصوم وفق ما تستوجبه من المسلم في حال صومه من أحكام علي أولوياتها أن يمتنع عن تناول جميع المفطرات خلال نهاره بطريقة مخصوصة، وأن يمسك عن ارتكاب السلوكيات المذمومة؛ لأنه إذا لم يتخل عن ذلك فقد نقص أجر صيامه، حيث قال صلي الله عليه وسلم: «من لم يدع قولَ الزور والعملَ به والجهلَ، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» (صحيح البخاري)، وقال صلي الله عليه وسلم: «إن الصيام ليس من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك، فقل إني صائم» (صحيح ابن حبان). وقد رغَّب الشرع الشريف المسلم في عمل المستطاع من الصالحات سواء كانت أقوالًا أو أفعالا فرضا كانت أم نفلا نظير جزيل الأجر عليها ومضاعفة الثواب، وهذا في عموم الأزمنة فضلا عن خصوص الأزمنة المباركة كشهر رمضان؛ كما جاء في إحدي خطب النبي صلي الله عليه وسلم التي كشف فيها عن سمات هذا الشهر: «من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدي فريضة فيما سواه، ومن أدي فيه فريضة كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه» (صحيح ابن خزيمة). فهذه المعاني الراقية والنفحات الربانية المبثوثة في شهر رمضان وشعائره بمنزلة القيم العملية التي من شأنها بناء سمات شخصية المسلم التي تقوم علي إتقان العمل والمشاركة في العمران والتحلي بالأخلاق والفضائل، والاستفادة من الفرص المتاحة، وطلب الرزق والاكتساب، وهجر الأخلاق المذمومة وترك العجز وأسباب التكاسل وتعطيل الأسباب وتعويق وسائل التنمية والإنتاج؛ لأن ذلك من الخير المطلوب والمرغب في حصوله في أوقاته، حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» (سنن الترمذي). والخلاصة أن شهر رمضان يُعدُّ فرصة كبيرة لا تعوض، ولا يليق بالمسلم أن يفوت اغتنامها واستثمارها سواء في نفع نفسه أو من حوله بإخلاص النية والقصد لله تعالي والمداومة علي إتقان الأعمال وفعل الخيرات، فاللهم قد أظلَّنا شهر رمضان فسلِّمه لنا، وسلِّمنا إليه، وتسلَّمه منا متقبلا، وارزقنا فيه الجدَّ والاجتهاد والقوة والنشاط، وأعذنا فيه من الفَتْرة والكسل وأهِلَّه علينا باليُمن والإيمان، والسلامة والإسلام .. وكل عام وأهل مصر وأبناء الأمة العربية والإسلامية بكل خير وجد واجتهاد . لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية