يحلم كثير من رجال الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة فى أمريكا بالدخول إلى السوق الصينية الرحبة كخطوة إستراتيجية طموحة. وكان النموذج الرائد فى هذا المجال شركة «أمازون» التى امتلكت شركة «جويو دوت كوم» الصينية قبل خمسة عشر عاما، ثم أسست فى 2011 أمازون الصينية المعروفة باسم «أمازون دوت سى إن». اليوم أصبحت تجربة «أمازون» دليلا على صعوبة نجاح الشركات الأجنبية فى الصين. ففى البداية بلغ نصيب شركة «أمازون الصينية» 15 فى المائة من سوق التجارة الإلكترونية فى الصين، تراجع إلى سبعة من عشرة فى المائة فقط بحلول 2018. كانت شركة «أمازون دوت كوم»، ومقرها الرئيسى فى مدينة سياتل بولاية واشنطن، قد تأسست عام 1994 على يد جيف بيزوس. بدأت نشاطها ببيع الكتب، ثم أصبحت وسيطا لبيع كل شيء متربعة بذلك على عرش التجارة الإلكترونية فى الولاياتالمتحدة. تميزت الشركة أيضا بإنتاج الأجهزة الإلكترونية لاسيما جهاز القراءة الإلكترونى «كيندل»، كما تقدم خدمات تخزين البيانات الإلكترونية وإنتاج الكابلات. ورغم ما تحققه الشركة من نجاح هائل حول العالم، فقد أعلنت أخيرا أنه بحلول الثامن عشر من يوليو القادم سوف تُنهى خدماتها فى السوق الصينية كوسيط لبيع سلع منتجين آخرين، مع استمرارها فى بيع بعض المنتجات المستوردة للمستهلكين الصينيين، بالإضافة لاستمرار رئيسة الشركة «إيلين تشانج» فى العمل مع «أمازون الأم»، مع تغيير المهام التى ستوكل إليها. وتتعدد الأسباب التى تفسر إخفاق «أمازون» فى التعايش داخل السوق الصينية، من أهمها المنافسة الشرسة التى تواجهها من جانب شركات التجارة الإلكترونية الصينية، وعلى رأسها شركة «على بابا» التى تحتل المركز الأول، وتسيطر على نسبة 58.2 فى المائة من هذه السوق. قبل خمس سنوات حولت أمازون بؤرة اهتمامها من تجارة المنتجات الصينية المحلية إلى تجارة الأجهزة والخدمات الإلكترونية. لم تكن الشركة حينها تتوقع صدور قوانين الأمن الإلكترونى الصينية عام 2017، التى شكلت تحديا هائلا للشركات الأجنبية العاملة فى مجال التكنولوجيا. وتتيح هذه القوانين للحزب الشيوعى الصينى الاطلاع على بيانات الشركات الإلكترونية كما تمنحه الحق فى فرض رقابة على المواقع الإلكترونية لتلك الشركات فى الصين. يرى المحللون الاقتصاديون أيضا أن أمازون أخفقت فى التنبؤ بالتغيرات التى طرأت على السوق الصينية خلال السنوات العشر الماضية، فعندما بدأت أمازون الصينية نشاطها كان الصينيون متعطشين لشراء البضائع الأجنبية، حيث بلغت نسبة المستهلكين الصينيين الذين يفضلون الماركات التجارية الأجنبية على المحلية 85 فى المائة. وبحسب تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلا عن بيانات مركز أبحاث متخصص فى السوق الصينية، فإنه بحلول 2016، أعربت نسبة 60 فى المائة من الصينيين الذين استُطلعت آراؤهم عن تفضيلهم البضائع المنتجة محليا على البضائع المستوردة. لايعود تغير مزاج المستهلك الصينى لتزايد الإحساس بالعزة الوطنية بين الصينيين، ولكن أيضا لتحسن مستوى جودة البضائع المنتجة محليا خلال العقد الماضى.