تخيّل مصر وقد حققت الآمال التى نسعى إليها جميعا، اقتصاد مزدهر، فرص عمل وفيرة، سائحون بالملايين. تخيّل مشروعات عملاقة تأتى بالثراء وقد انهزم جبروت الإرهاب وطغيان الفساد وأصبحت مصر مستقرة وآمنة. تخيّل مصر تخطو خطوات سريعة إلى مستقبل باهر. تخيّل أيضا قيادة ممثلة فى رئيس وحكومة ومجلس أمة يعملون جميعا بجدية فى سبيل مصر، صادقون مع أنفسهم والشعب، يكنِّنون لمصر ولاءً عظيما يترجم إلى شغف لهزم الكبوة التى حاصرت مصر لسنين عدة. تخيّل أيضا مصريين أمناء على بلادهم حريصين على استقرارها، غيورين عليها وفخورين بها. هل يوجد شيء يمكن أن يعيق هذه الصورة المشرقة التى نسعى إليها جميعا؟ نعم، فالتكاثر السكانى هو القنبلة الموقوتة التى تقف أمام إنجاز هذا الأمل. فى سنة 1960 كان تعداد مصر نحو 28 مليونا وفى سنة 2013 تضاعف ثلاثة أضعاف إلى 82 مليونا، واليوم 100 مليون نسمة تقريبا يقيمون على أرض مصر. كذلك فإن 75 فى المائة من المصريين تحت 25 سنة، جميعهم يعيشون فى شريط ضيِّق من أراضيها وسوف يتكاثرون ويتضاعفون حيث إنه كل 15 ثانية يولد طفل فى مصر، أى 2.6 مليون طفل سنويا، لذلك سيصبح تعدادنا 128 مليونا فى سنة 2030. النمو السكانى سوف يلتهم كل الإنجازات والنمو. حتى إذا تغلّبنا على مشكلة سد النهضة، فقلة المياه سوف تصيبنا رضينا أم لم نرض بمعدل الاستهلاك الذى يتضاعف يوما بعد يوم. مع زيادة السكان أزمة الطاقة والكهرباء سوف تعود حتى مع المجهود الحالى فى توفير الطاقة. البنية التحتية التى يبذل مجهود فذ فى سبيل تحسينها سوف يطغى عليها ثقل الأعداد الجديدة التى سوف تستغلها. والأهم كيف يمكن تحسين منظومة التعليم ومنظومة الصحة، إذا أضفنا ملايين أخرى من البشر؟ وهل بإمكان طرق القاهرة أو المدن الأخرى استيعاب أناس جدد؟ وعندما نصبح 130 أو 150 مليونا كم من المدارس والمستشفيات والأساتذة والأطباء إضافية سوف نحتاج؟ وكيف نعالج المشكلة إذا كان الرد عند سؤال المصرى أنجب عددا كبيرا من الأطفال هو: هى جت على ّأنا؟, وهنا يكمن السؤال: ماذا نفعل حتى نحد من الانفجار السكانى ونقنع المصريين بحجم المشكلة؟ إن الحكومة اليوم تحاول جاهدة بث أهمية تحديد النسل وتوعية الشعب ومناشدته تحمل المسئولية، فأطلقت وزارة التضامن حملة اتنين كفاية التى ستستمر لمدة عامين وبميزانية 100 مليون جنيه. وتستهدف الحملة أكثر من مليون سيدة تحت سن الأربعين فى عشر محافظات تعانى التكاثر السكانى. وعن طريق هذه الحملة سوف تجهِّز العيادات وتوفِّر وسائل تنظيم الأسرة وترفع وعى السيدات. كما حددت وزارة التضامن الدعم النقدى للمحتاجين الذين أنجبوا طفلين فقط من أول يناير 2019. وقد أكد الرئيس السيسى فى عديد من المؤتمرات والمنتديات أنه لابد من تنظيم النسل وأن هذه المشكلة تحتاج إلى حوار مجتمعى وتوعية. كما وجّه كلامه إلى الشعب قائلا: ساعدونا فى النمو السكانى «بطفل أو اثنين بالكثير». وحقيقة ببناء مدن جديدة مثل العلمين الجديدة والإسماعيلية الجديدة والمنصورة الجديدة كمناطق عمرانية متكاملة سوف يقل التكدس فى المدن العتيقة. وعندما تتحرك المنشآت الحكومية إلى العاصمة الجديدة سوف يقل العبء على القاهرة. حقيقة أن الدولة تعمل بجدية للحد من الانفجار السكانى، لكن هل هذا يكفى وهل التوعية تصل إلى المصريين؟ يجب أن يصبح الانفجار السكانى هو الشغل الشاغل للدولة، واعتباره القنبلة الموقوتة التى سوف تلتهم جميع الإنجازات. لابد ألا نكتفى بمبادرة مصغرة أو حملة ضيقة بل لابد من بدء حمله ذات أبعاد طويلة الأجل وشراكة جميع أطياف المجتمع ودعم مالى مكثف تشنها وتتبناها الحكومة، وتتضمن جميع الوزارات والجمعيات والمؤسسات غير الحكومية والخيرية والمحليات والإعلام والأزهر والكنيسة، مع الانتباه للتعليم ووضع برامج ترشيدية وحملات إعلامية فعّالة. كما لابد من أن يبارك الرئيس الحملة ويدشنها ويعلن أهميتها، ثم يتابع القضية فى كل فرصة. يجب أيضا مباركة المؤسسات الدينية من الأزهر والكنيسة لتنظيم النسل، وإن كان ليس لتحديده. كجزء أساسى من مهمة الحملة الذى هو نشر موقف الإسلام والمسيحية من تنظيم النسل، فالإسلام والمسيحية ليسا ضد تنظيم النسل. وقد قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر عن تنظيم النسل: حلال حلال حلال، متسائلا: هل يرضى النبى محمد «صلى الله عليه وسلم» بأمة أطفالها فى الشوارع والعشوائيات ويسيطر عليها الفقر؟ كما يؤكد البابا توا ضروس حسب ما نقل موقع مدى مصر أن: الأسرة القبطية تنظِّم النسل جيدا، غالبا يكون لديها طفل أو اثنان أو ثلاثة أطفال على الأكثر. يجب ألا نتهاون فى أكبر مشكلاتنا، بل يجب مواجهة أزمة الانفجار السكانى على أنها أخطر مشكلاتنا. لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى