لا يزال لبنان غارقا فى بحر الخلافات السياسية، التى انعكست بدورها على وضع اقتصادى صعب وقاس، بسبب كثرة المحاولات الفاشلة للخروج من مشكلاته السياسية والاقتصادية، وأصبح جل اللبنانيين على قناعة بأن خطة الإنقاذ تتمثل فى اثنتين: الأولي، مقررات «سيدر» وهو المؤتمر الذى عقد ببارس العام الماضى وتمت الموافقة فيه على منح لبنان 11 مليار دولار من أجل حل ازمته الاقتصادية ، والثانية اكتشافات الغاز التى تقدر ب 122 تريليون قدم مكعب، فى مياه البحر المتوسط وتقع ضمن الحدود البحرية للبنان وتعادل ضعف مساحته البرية، لكن صراعه مع إسرائيل حول 860 كيلو مترا من جهة، والتدخل الإيرانى ومناوشات حزب الله من جهة أخرى، يمنعان لبنان من الاستفادة من كنوزه البحرية. وأخيرا أدرك لبنان هذاالمأزق، وبدأ ينحى الخلافات جانبا، ويبحث جديا عن وسائل للاستفادة من اكتشافات الغاز، ومن أجل هذا شهدت بيروت على مدى ثلاثة أيام، مؤتمرا دوليا بعنوان «القمة الدولية الخامسة للنفط والغاز فى لبنان» ليعلن خلاله حفر أوّل بئر استكشاف قبل نهاية 2019، ويقر مجلس الوزراء فى اجتماعه الذى تزامن مع عقد المؤتمر الموافقة على دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن النفط، حيث نجح لبنان فى اجتذاب شركات عالمية ذات خبرة واسعة فى التطوير والتنقيب عن النفط والغاز، ووقع فى العام الماضى مع تجمع يضم شركة فرنسية وأخرى إيطالية وثالثة روسية اتفاقيتين لمنطقتى الامتياز، وهما من بين خمس مناطق طرحها لبنان فى أول جولة تراخيص، والجولة الثانية هذا العام. المؤتمر جاء ليطمئن المستثمرين الراغبين فى الدخول فى مناقصات الغاز، على عشرة حقول يمتلكها لبنان، ويتنازع مع إسرائيل على حقل منها، بينما باقى الحقول جاهز ةللتنقيب، حيث قالت ندى البستانى وزيرة الطاقة والمياه فى المؤتمر: «هذه ثالث سنة سيكون لبنان فيها على موعد مهم بمسيرته النفطية بالتزامن مع عقد هذا المؤتمر، واليوم أطمئنكم جميعاً بأن مسار استغلال لبنان لموارده الطبيعية مُستمر ولن يثنينا أى شيء عن العمل ونحن مستمرون»، مضيفة «إننا على موعد قبل نهاية العام الحالى لحفر أول بئر استكشاف، وفى هذا المؤتمر، نعلن أمامكم أول اكتشاف فى البحر اللبناني، إن اهتمام الشركات العالمية لا ينحصر فقط فى قطاع التنقيب البحري، لكنه أيضاً يصل لمشاريع استيراد الغاز الطبيعى المسال لتزويد معامل الكهرباء». و كان لافتا فى المؤتمر وجود أكثر من 500 مشارك من جميع أنحاء العالم، بما فى ذلك كبار المسئولين من القطاعين العام والخاص وممثلون لما يزيد على 200 من الشركات والمنظمات المحلية والدولية، كما أن حجم المشاركة الأجنبية فاق ال50% من العدد الإجمالي، مما يعطى الأمل فى تجاوز لبنان أزماته والدخول فعليا فى مرحلة التنقيب، ومن ثمّ إنتاج الغاز. وتناول المؤتمر العديد من القضايا المرتبطة بالتنقيب مثل التحول الرقمى فى قطاع النفط والغاز، والتطورات الجيولوجية والتكنولوجية المستحدثة فى القطاع وتأثيرها على صناعة النفط والغاز اللبنانية، وكذلك طرح مشروع الوحدات العائمة للغاز الطبيعى المسال كترتيب مؤقت لتعزيز الطاقة فى لبنان ومناقشة مجال النقل والتصنيع والتوزيع للغاز الطبيعى محلياً، إضافة إلى ورشتى عمل حول «تفادى النزاعات وحلّها فى قطاع النفط والغاز»، أما الثانية فتناولت تكنولوجيا تحويل الغاز إلى طاقة. وعلى هامش انعقاد المؤتمر تحدث ل»الأهرام» المهندس وليد نصر رئيس هيئة قطاع البترول فى لبنان ، قائلا: «إن الهدف من اكتشافات الغاز فى شرق المتوسط هو الاكتفاء الذاتى لكل دولة، وتصدير الفائض عبر أنابيب أو عبر إقامة مصانع تسييل غاز على غرار ما هو موجود فى مصر، حيث تمتلك مصر منشأتين لتسييل الغاز ومن ثم تصديره، وهنا تعتبر مصر مركز تسييل وتوزيع وتصدير»، مؤكدا أن قدوم الشركات العالمية للاستثمار فى حقول الغاز سواء كانت شركات وطنية أو عابرة للحدود، أصبح ملحوظا جدا، خاصة فى دورة التراخيص الثانية، كما حدث فى الدورة الأولى حين جاءت 46 شركة من أجل المناقصة، كما أن التأثيرات السياسية سواء الداخلية أو الإقليمية لا تؤثر على عمل هذه الشركات، فهى تعرف دائما الصراع الذى يدور، وتضع ذلك فى الحسبان، فحقوق الشركات كلها محفوظة، وحتى اليوم لا يوجد سوى عقد وحيد مع الشركات الكبرى، وهى شركات عملاقة وتعرف حقوقها، وهى لن توقع مع لبنان أو غيره إذا كان هناك خلل قانونى فى العقود أو ملحقاتها، فحين وقعت كان معها كل الضمانات القانونية التى تضمن حقها حاضرا ومستقبلا، وتضمن حرية الحركة والعمل حتى تنجز مهمتها البترولية بحسب ما ينص عليه العقد، وهى أدرى بمصالحها، ولو أدركت أن لبنان غير مؤهل لحماية مصالحها أو أنها معرضة للتهديد لما أقدمت على التوقيع والبدء فى الاستكشاف، ومن ثمّ الإنتاج.ورأى أيضا أن قضاء لبنان مشهود له بالشفافية، ويعتبر من أعمدة الحصانة فى لبنان، فكل الشروط القانونية والتحكيمية فى حالة حدوث أى خلاف كلها واضحة فى العقود الموقعة والمثبتة قانونيا، إن كان على مستوى القضاء اللبناني، أو على مستوى التحكيم فى بريطانيا أو فى المحاكم الدولية. أما مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اللبنانية لورى هايتيان، فترى أنه على لبنان التفكير والتخطيط لمرحلة ما بعد الإنتاج، خاصة أن الاكتشاف والإنتاج قد يدومان من خمس إلى عشر سنوات إذا لم يحدث أى تأخير داخلى سياسى أو أى تأخير من قبل الشركات المستثمرة. وتقول إن هناك أكثر من فائدة لاستخدام الغاز فى الداخل اللبناني، منها إنتاج الكهرباء، والتى ستساعد على الحد من التلوث، حيث سيزيد استعمال الغاز فى القطاع الصناعى مع تزويد كل المؤسسات الصناعية وخصوصًا تلك القريبة من البر اللبنانى بالغاز الذى سينتج، وهو ما سينتج عنه تخفيف الأعباء على هذه المؤسسات.