إن رحلة الإسراء والمعراج لم تكن فقط معجزة، بل كانت أيضًا تسليةً وتعزيةً للنبي [؛ فقد وقعت بعد وفاة السيدة خديجة ووفاة عمه أبي طالب، وكلاهما كان نصيرًا للنبي ومنافحًا عنه، فكانت رحلة الإسراء والمعراج خلال تلك الأيام الشديدة التي حلت برسول الله [ تكريمًا وتشريفًا وتسرية عن قلبه، فكأن الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه [: يا محمد لئن ضاقت عليك الأرض فلن تضيق عليك السماء. وفي هذا دليل على علو رتبة ومكانة المصطفى [، التي وصفها الله تعالى بقوله: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ» [الإسراء: 1]. وهي صفة العبودية التي شرفه الله سبحانه وتعالى بها في مقام الإسراء. ولم تقتصر رحلة الإسراء والمعراج فقط على بيان منزلة النبي [، بل كانت فيها إشارات عظيمة، منها التأكيد على قُدسيَّة المسجد الأقصى في العقيدة الإسلاميَّة منذ أن كان القبلة الأولى للمسلمينَ، فقد صلى إليه المسلمون في بادئ الأمر نحو سبعة عشر شهرًا قبل أن يَتَحَوَّلوا إلى الكعبة، بعدما أنزل الله سبحانه وتعالى: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» [البقرة: 144]. ثم توثقت مكانة المسجد الأقصى في نفوس المسلمين بالإسراء والمعراج، قال تعالى: [سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ] [الإسراء: 1]. وبهذه الوثيقة الرَّبَّانيَّة قرر سبحانه مسئولية رعاية هذا البيت وحمايته من عبث العابثين، وانحراف المنحرفين، وصارت هذه الوثيقة آية تُتلى مُذَكِّرة المسلمين بمسئوليتهم تجاه الأقصى وما حوله؛ فقد أُسري برسول الله [ ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن المسجد الأقصى صعد إلى السَّماء فكان المعراج. وقد ربطتِ الرسالة المُحَمَّدية بين مكانة كلٍّ منَ المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينةالمنورة والمسجد الأقصى بالقُدس المشرفة، ففي الحديث: «لا تشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»[متفق عليه]، مما يؤكد مكانة المسجد الأقصى في الإسلام، ومسئولية المسلمين عنه حمايةً ورعايةً. وفي هذا السياق لا بد أن نؤكد أن فلسطين عربية خالصة، هذا ما يقوله التاريخ، فالمؤرخ الإغريقي هيرودوت أكد «أن فلسطين جزء من بلاد الشام». والمؤرخ الشهير هنري بريستيد يذكر بالنص «أن القدس هي حاضرة كنعانية». فقد تأسست المدينة على أيدي الكنعانيين وهم قبائل عربية؛ ولهذا أطلق على فلسطين اسم «بلاد كنعان». أما أصل ما يعتمد عليه اليهود من تسمية القدس ب (أورشاليم) فالأصل في هذه التسمية أن اليبوسيين العرب -الذين استوطنوا الأرض الفلسطينية منذ 4000عام ق م، واستوطنوا منطقة القدس عام 2500 ق م- هم من أطلق عليها هذا الاسم. فالقدس عربية قبل وجود اليهود، وكان اسمها: «أوروسالم»، و«أورشاليم»، أي: مدينة السلام، وسالم هو رمز السلام. وقد ثبت في نصوص التوراة أنَّ سيدنا إبراهيم عليه السلام التقى بملكها، كما جاء في العهد القديم في سفر التكوين، كما ثبت في «رسائل تل العمارنة» مراسلة بين ملك القدس و«أمنحُتب الرابع» تسمية المدينة المقدسة بنفس الاسم. ثم أقدم وثيقة محفوظة أوردت اسم «القدس» (أورسالم - أورشاليم) هي وثيقة مصرية ترجع إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد، حيث كان سنوسرت الثالث (1878 - 1843ق.م) يعتبر ملك «روشاليموم» أو «أوشاميم» عدوًّا له، على حين أن دخول يوشع بن نون ببني إسرائيل إلى مدينة القدس كان عام 1451 ق م، أي بعد تاريخ نص «سنوسرت الثالث» بأكثر من أربعة قرون. فالتأريخ لعروبتها لا يبدأ من الفتح العربي الإسلامي لها في عام 638م مثلما يذهب بعض المؤرخين، وبالمقابل فقد اعترف عالم الآثار الإسرائيلي «إسرائيل فلنكشتاين» من جامعة تل أبيب بعدم وجود أية صلة لليهود بالقدس. لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية