على مدى واحد وتسعين عاما، صار حفل الأوسكار ظاهرة معقدة تجمع بين الفن والموضة والسياسة والحركات الاجتماعية. وكالأعوام السابقة، تميز حفل هذا العام بالكثير من التعليقات السياسية. ورغم أن أيا منها لم يأت على ذكر الرئيس دونالد ترامب بالاسم، فإنه كان المقصود. من ذلك، مثلا قول الكوميديانة «مايا رودولف» عن أوسكار هذا العام «لايوجد مقدم للحفل، ولا توجد قائمة خاصة بالفيلم الأكثر شعبية، ولن تتحمل المكسيك تكلفة بناء الحائط!» إشارة إلى الجدار الحدودى الذى يرغب ترامب فى بنائه، الذى سبق أعلن أنه سيرغم المكسيك على تحمل تكلفة بنائه. ومن بين الأفلام الفائزة، فيلم «روما» للمخرج المكسيكى «ألفونسو كوارون». يتناول الفيلم قضية خدم البيوت من خلال حكاية «كليو» التى تعمل لدى أسرة مكسيكية متوسطة فى سنوات السبعينيات. وفى معرض تقديمه جائزة أفضل فيلم أجنبى لمخرج الفيلم، تحدث الممثل الإسبانى «هافيير بارديم» بالأسبانية قائلا، «لن تقف الحدود ولا الحواجز فى وجه الإبداع والموهبة. ففى كل مكان وكل قارة ستكون هناك دائما حكايات تمس مشاعرنا. وهانحن الليلة نحتفل بالتميز فى الثقافات واللغات من كل الدول». تجسدت السياسة بوضوح فى كلمة المخرج الأمريكى الأسود «سبايك لي» عند تسلمه جائزة أفضل رواية أصلية عن فيلم «بلاك كيه كلانسمن»، ويتناول العنف ضد السود فى أمريكا. فقد تحدث عن أجداده العبيد الذين جيء بهم من إفريقيا قبل أربعمائة سنة وعملوا بالسخرة لبناء هذا الوطن مع الهنود سكان أمريكا الأصليين الذين تعرضوا للإبادة. وتحدث عن جدته التى استطاعت أن تحصل على درجة جامعية، وهو حدث استثنائي، وكيف أنها ظلت تدخر خمسين عاما لكى تستطيع أن ترسله إلى جامعة نيويورك المرموقة وسط الطلبة البيض الذين كانوا يسخرون منه. واختتم الكلمة بالتذكير بانتخابات الرئاسة القادمة 2020، داعيا إلى حشد الجهود والاختيار بين الحب والكراهية. وقد رد الرئيس ترامب على كلمة المخرج «لي» بتغريدة قال فيها كان الأفضل له ألا يتلعثم وأن يتحدث بتلقائية دون أن يقرأ كلمته وهو يهاجم رئيسه الذى حقق للأمريكيين السود أكثر من أى رئيس آخر. ولايقتصر الأمر على السياسة بمفهومها العام، بل إن جوائز الأوسكار فى حد ذاتها تجسيد لانحيازات سياسية وأجندات خاصة لأعضاء أكاديمية فنون وعلوم السينما الذين يصوتون سنويا لاختيار الفائزين بهذه الجوائز المرموقة. أفضل فيلم هذا العام «الكتاب الأخضر» خير نموذج. الفيلم مستلهم من قصة حقيقية، عندما قام عازف بيانو أسود بارع بجولة فنية فى الستينيات فى ولايات الجنوب الأمريكى التى كانت معقل العنصرية. وقد استعان فى جولته بسائق أبيض من أصل إيطالي. ومن خلال الرحلة وملابساتها يتخلى هذا السائق عن أفكاره العنصرية، ويبدو بطلا فى دفاعه عن سيده والخروج به سالما من أى موقف يمس كرامته. تعرض اختيار الفيلم لانتقاد الكثيرين باعتباره نمطيا حيث يظل الشخص الأبيض هو البطل الحقيقي، وحيث يبدو الفيلم بعيدا فى تفاصيله عن القصة الحقيقية المأخوذ عنها. وكما كان بطل فيلم «الكتاب الأخضر» عازف البيانو شاذا جنسيا، دارت أحداث فيلم «بوهيميان رابسودي» أيضا حول فنان مهاجر إيرانى شاذ. وقد حصل بطل الفيلم رامى مالك على جائزة أفضل ممثل عن هذا الدور. ويرى كثيرون أن الإلحاح فى إبراز الشواذ كشخصيات محبوبة فى الأفلام السنيمائية وسيلة لدفع اجندة اجتماعية أقل تعصبا وأكثر قبولا للشذوذ. وهكذا صار الأوسكار وسيظل مهرجانا فنيا تلعب فيه السياسة دورا رئيسيا.