منذ قدومهما من مسقط رأسيهما بإحدى قرى محافظة المنيا وهما يواصلان الليل بالنهار لتحقيق حلم بأن يكون لهما مستقبل فى صخب الحياة القاهرة.. كانت الحياة تسير بهما هادئة وهما يطاردان أشباح اليأس والإحباط بالإصرار على الأمل ما بين الغرفة المتواضعة التى استأجراها بشارع الغريانى بمنطقة الشرابية والمحل الذى يعملان فيه منذ الصباح الباكر. لم تدع لهما متاعب العمل الشاق فرصة للاختلاط بأى من أهالى المنطقة؛ ولا يفكران سوى فى كيفية الانتهاء من مهمتهما التى جاءا من أجلها فى رحلة السعى وراء الرزق الحلال فى أحياء القاهرة عاصمة الرزق الوفير والخير الكثير فى أحلام أبناء الريف والأقاليم.. لكنهما كتب لهما فى القاهرة نهاية مأساوية لم تخطر لهما على بال، فالذى انتهى ليس حلمهما لكن حياتهما نفسها فى جريمة غادرة تحت جنح الظلام. روايات سكان أهالى المنطقة أجمعت على حسن خلق الشابين اللذين استأجرا حجرة صغيرة منذ أكثر من 8 أشهر عقب قدومهما من الصعيد.. لكن يبدو أن القدر شاء أن يكتب لهما نهاية مأساوية بعد أن اخترق حياتهما الهادئة أحد شياطين الإنس.. يقاسمهما فى مأكلهما ويشاركهما فى مسكنهما ليحول حياتهما إلى قصة نهاية مأساوية انتهت بجريمة قتل بشعة تحدثت عنها الشرابية بأسرها عندما عثر على جثيهما. الساعة كانت تشير إلى تمام الرابعة عصرا.. عندما طلب أحد الجيران من صاحبة منزل، فحص الطابق الأرضى لمعرفة مصدر رائحة الغاز التى انتشرت فى كل مكان.. وهناك تم اكتشاف الجريمة البشعة التى كانت تختفى وراء جدران شقة الأصدقاء الثلاثة بالطابق الأرضي.. فقد دوت صراخ صاحبة المنزل عندما وقعت عيناها على جثة الشاب «أحمد» البالغ من العمر 18 سنة غارقة فى دمائها؛ وملقاة على الأرض ليكتشف الأهالى بعد دخولهما مسرح الجريمة أن الشقة التى أغرقتها رائحة الغاز المتسرب من أسطوانة بوتاجاز المطبخ بها جثة أخرى ملقاه أسفل سرير حجرة النوم وهى جثة الشاب «محمد». الضحيتان تساؤلات الأهالى فور اكتشافهم لجثتى الشابين لم تتوقف منذ إبلاغهم النجدة بالحادث.. من قتل الشابين بهذه الوحشية؟.. وما سر محاولة خنقهما بالغاز؟.. وكيف يكون هذان الشابان مطمعا للسرقة وظروفهما المادية بسيطة جدا؟.. وبدأت الاجتهادات والشكوك تتردد حول هذه الواقعة ما بين احتمالية نشوب مشاجرة بين الشابين أصاب أحدهما الآخر وأودت بحياتهما.. وما بين أن يكون «الثأر» كلمة السر فى حدوث هذه الجريمة، خاصة أن الشابين من إحدى محافظات الصعيد.. لكن يبدو أن الحقيقة التى كشفتها تحريات أجهزة الأمن باشراف اللواء علاء سليم مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام حول الواقعة لم ترد فى أذهان الجيران؛ ولم تتضمنها اجتهاداتهم. لكن غياب الصديق الثالث الذى كان يسكن مع الضحيتين فى الشقة كان خيطا مهما جدا؛ بدأ من خلاله فريق البحث الذى أمر به اللواء جمال عبد البارى مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن، التوصل إلى فك طلاسم الواقعة التى استمر «الجاني» فيها غائبا عن المشهد قرابة 72 ساعة، حيث كشفت التحريات باشراف اللواء محمود أبو عمرة مدير الإدارة العامة للمباحث الجنائية بقطاع الأمن العام واللواء محمود السبيلى مساعد مدير الإدارة العامة للمباحث الجنائية، أن «محمد» صديق المجنى عليهما الذى يسكن معهما منذ 3 أشهر هو الذى ارتكب الجريمة.. وهو الذى استباح دماء من أمدوا له أيديهما ورحبا به عندما طلب منهما مرافقتهما بالمسكن بعد أن فشل فى استئجار شقة صغير يقيم بها بالمنطقة. لكن يبدو أن هناك من رفقاء الشيطان من يرد الإحسان بالإساءة والمعروف بالمنكر، حيث كشفت التحقيقات التى أجرتها النيابة عقب القبض على المتهم أنه قام بسرقة مبلغ مالى من «أحمد» أحد الضحايا الذى انتظر عودته من عمله داخل الشقة وطالبه باسترداد المبلغ الذى كان يحتفظ به داخل حقيبة السفر؛ إلا أنه نفى المتهم واقعة السرقة فنشبت بينهما مشادة كلامية سرعان ماتطورت لمشاجرة استل على إثرها المتهم «محمد.ع» سكينا من المطبخ ووجه له طعنه نافذة فى الصدر أودت بحياته. وفور استشعاره قدوم الضحية الثانى «محمد.م» 16 سنة اختبئ خلف الباب ثم انتظر دخوله الشقة ووجه له عدة طعنات متفرقة فى الجسد حتى لا يكتشف أمره؛ ثم ألقى جثته أسفل السرير وقام بقطع خرطوم البوتاجاز بسلاح الجريمة لينتشر الغاز فى الشقة أملا فى نشوب حريق يطمس ملامح جريمته الشنعاء.. ثم فر هاربا إلا أن رجال الشرطة ألقوا القبض عليه.