فى العالم الغربى رأيت سيدة مسنة تكاد لا تستطيع الوقوف، تكنس بئر السلم وبسطة الدور حتى الشارع أمام منزلها، أما فى بلادنا فالمشاع المتمثل فى مدخل العمارة أو المصعد أو المنور لا يمثل شيئا مهما أو ملموسا لمعظم سكان المكان، مع العلم أنهم يبذلون مجهودا جبارا لإبقاء داخل منازلهم نظيفا. الأجنبى يمسك غلاف الحلوى أو منديل الورق فى يده حتى يصل إلى صندوق القمامة البعيد ليلقيها هناك، وفى بلادنا الرجل الأنيق يرمى عقب سيجارته من سيارته الفخمة فى وسط الشارع، غير مبالٍ أن أولاده آنذاك يتفهمون أن رمى كيس الشيبسى من نافذة العربة شيء مقبول وعادى. عند انتقاد هؤلاء يقولون: هى جت عليّ أنا؟ ما الكل بيعمل كده. رأيت فى البلاد الأخرى البعض لا ينجبون أطفالا عدة خوفا على العالم من التكدس أو خوفا من استقدام أطفال إلى عالم مضطرب أو خوفا من عدم توفر الحياة الكريمة لهم وحارس عمارتنا أنجب خمسة أطفال، وعندما سُئل عن قدرته الشخصية وقدرة البلد على احتواء هذا الكم من الأطفال قال «بييجو برزقهم، هى جت عليّ أنا»؟ فى بلاد العالم يلتزم السائق بحارته ولا يستعمل الموبايل عند القيادة ويركز على الطريق، أما نحن فلا نبالى بالطريق أو حارات السير. يلبس الأجنبى حزام المقعد تلقائيا، وفى بلادنا سائق التاكسى يقول: مش لبسه ده بيخنقنى، هى جت عليّ أنا؟. نحن لا نعير التلوث البيئى أى اهتمام بينما الأجنبى يعتبر الجمال من أهم الأشياء. لا نعير النظافة خارج منازلنا أى اهتمام والأجنبى يعيرها كل الاهتمام. تمتلئ شواطئنا بأكياس البلاستيك، بينما العالم يحاول باستماتة التقليل من استعمال البلاستيك. لماذا يتدهور حال مكاتبنا الحكومية ووسائل نقلنا العام ومبانينا وشوارعنا فور الانتهاء من إنشائها أو ترميمها؟ بينما يلتزم المصرى بقوانين البلاد الأخرى ويكون بمثابة الضيف المثالى أينما ذهب، مع أنه لا يكون للقانون أى أهمية أو احترام فى بلده؟. هل هو الفقر وقلة الموارد أم اللامبالاة أو عدم التوعية أو عدم الاهتمام إلا بأنفسنا، أم كل ذلك مجتمعا؟ هل تعوّدنا أن نأخذ مصر كأمر مسلّم به: موجودة حتروح فين يعني؟. إن الفقر وعدم وجود الموارد المادية يلعبان دورا فى تلوث ما حولنا، ولكنهما ليسا بمثابة السبب الأهم حيث إن الفقير اليونانى والقبرصى والمكسيكى مكان إقامتهما صغير ومحدود ولكنهم يسعون إلى جعله نظيفا ومرتبا، والنوبى المصرى متوسط الحال يجمِّل منزله من الخارج وينظِّف من حوله. أما فى القاهرة فالبعض يكنس ويمسح أمام دكانه ثم يصب القاذورات فى الشارع، والبعض الآخر يرمى الزبالة من الشرفة. أنا لا أعتقد أن الغربى يحب بلده أكثر من حب المصرى لمصر بل العكس صحيح، ففى الأزمات يكِّن المصرى لمصر حبا جما، فكيف نحوِّل هذا الحب إلى أفعال يومية ودائمة؟ كيف نجعله يرى أفعاله منعكسة على وجه مصر؟ إننا نحتاج إلى بث مسئولية الفرد فى المجتمع فإن المسئولية الاجتماعية والمشاركة والانتماء هى أسباب نضوج الأوطان وخروجها من أزماتها. كذلك فمن واجبنا بث روح المشاركة والتكافل والمسئولية فى شبابنا وأطفالنا عن طريق ما نفعله. هناك مبادرات جميلة تتم من حولنا، ولابد أن نحيى هذه المبادرات حتى وإن كانت فردية لأنها تشجِّع على سلوكيات أفضل وتعوِّد على الأنظف والأجمل. شباب الثوره قرروا تنظيف ميدان التحرير وتجميله وتشجيع شباب آخرين لتنظيف شوارع القاهرة. طلبة كلية الفنون دهنوا سلالم المشاة حول الميادين بالألوان الزاهية فى لفتة جميلة منهم. أهل الزمالك من النساء والرجال نزلوا إلى شوارع منطقتهم وكلهم همة وحيوية وحملوا أدوات التنظيف ونظَّفوا المكان. والفريق المتطوع لتنظيف نهر النيل تمكن من ازالة اطنان من المخلفات، وأحياء عدة قام أهاليها بحملات تجميل وتنظيف مثل دهب والحى العاشر وحلوان والاقصر، ونتمنى أن تنتشر هذه الحملات وتتكرر مرات ومرات. لكن فى نظرى أهم الحملات هى التى تبدأ من المدرسة. بإمكان المدرسة بث روح التجميل فى الطلبة وترشيد سلوكياتهم حتى تصبح عرفا مألوفا. بإمكان المدرسة أن تتضامن مع الطلبة والأسر بمبادرات تشجِّع الجميع على النظافة. اللافتات الإرشادية عن النظافة والسلوكيات الحسنة ليست كافية إلا إذا تضامنت المدرسة ككل لبث هذا الأسلوب وإعطاء الطلبة والطالبات أدوارا ريادية فى تزيين وتجميل وتنظيف مدارسهم وإرساء مفهوم المسئولية لديهم وتعزيز انتمائهم للحى والمدينة والوطن. إن مبدأ هى جت عليّ أنا؟ مبدأ سقيم لابد أن يزول من أسلوب حياتنا. صحيح الطريق طويل حتى نتعوَّد أن نرى الجمال ونحترم القانون ونتبنى السلوكيات الجميلة ونتحمل المسئولية ولكننا لابد أن نبدأ من نقطة ما. لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى