هذه صورتنا المؤسفة فى الخارج، بغض النظر عن تعمد المبالغة فيها أو سوء النية فى استغلالها فى سياقات تفيد صانعى السياسة الأقوياء فى مطابخ السياسة الكونية. ومن شواهد التعامل معها كحقيقة واقعة، ما قاله قبل أيام قليلة جون بولتون، مستشار الأمن القومى الأمريكى، إن جريمة مقتل خاشقجى شنيعة ولكنها فى منطقة تشهد جرائم شنيعة على الدوام! وهكذا، انطلق من جريمة أدانتها بشدة كل الأطراف حتى من طالهم الاتهام باقترافها، ليقفز إلى تعميم على كل دول المنطقة! دعْ عنك العنصرية البادية، وانظر إلى أنه لم يميز بين الحكام والمحكومين، ولم يُشرْ إلى فوارق بين أفراد وجماعات يعتمدون العنف والإرهاب، وبين ضحاياهم الذين يشكلون شعوباً بكاملها، واستخلَص نتيجة عامة شديدة السلبية وصم بها الجميع، فى حين أن لترويجها نتائج خطيرة تهدد المنطقة كلها! وأما المفروض فهو أن يكون قد تراكمت لدينا خبرات تدرك عدم جدوى الرد على هذا الكلام بتفنيد مغالطاته ومستهدفاته، ولا بذكر مسئولية أمريكا عن هذه الشناعة، ولا أنها تأتى ما هو أشنع منها..إلخ، لأن مقتضيات السياسة تضع قبل كل هذا مسئولية التعامل بجدية مع تجليات هذا الكلام على الأرض، خاصة إذا كان مصدره واحداً يشارك فى اتخاذ قرارات تمسّ شئوننا. الملاحَظ أن جريمة مقتل خاشقجى، ومع كل الإدانة لها، إلا أنها أخذت، ولا تزال، اهتماماً لم تحظ به جريمة مماثلة، حتى بعد أكثر من شهرين على اقترافها، حتى أن الحكومات والبرلمانات الغربية والمنظمات الحقوقية والاتحادات الصحفية، خاصة فى أمريكا، وضعتها على قمة الأولويات، وقد وصل الأمر إلى انقلاب الموقف الأمريكى تجاه السعودية دون مبرر يتسق مع سوابق أمريكا فى المنطقة، كما أن وسائل الإعلام العالمية تخصص للقضية وتوابعها مساحات مطولة..إلخ! كل هذا يُشَكِّل نُذُراً لعملية أمريكية كبرى يُعَدّ لها، وليس بالضرورة أن تكون مثل جريمة غزو العراق التى كان بولتون من صقورها الكاسرة! وهو ما يُوجِب دراسة الاحتمالات القادمة، حتى تلك التى لا تربطها علاقة بحادثة خاشقجى التى صارت ستاراً لأشياء أخرى!. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب