منذ عدة سنوات وحتى قبيل ثورتى يناير ويونيو كنت متوجهة إلى منزلى فى تاكسي. أثار السائق فضولى عندما قال: فيه حاجة غريبة بتحصل، ده خامس واحد أشوفه يشترى كراتين مياه. وعند وصولى إلى المنزل، كانت شائعة أن المياه فى مصر قد لوُثت وأصبحت غير صالحه للشرب، قد وصلت لذروتها وكان لابد من ظهور وزير ما على التليفزيون لإنكار القصه وتهدئة الأعصاب. هناك احتمال أن تكون الشائعة افتُعلت من قبل شركة تعبئة مياه مثلا، فبالتأكيد ربحت شركات تعبئة المياه كثيرا فى هذا اليوم.. وهذا أسلوب متبع من بعض الشركات الدولية التى قد تلجأ الشائعات حتى ترتفع أسهمها أو تنخفض أسهم الشركات المنافسة أو حتى تحث المنافسين لتطوير منتجات أو التخلى عن بعض المنتجات. ولكن هناك من صدّق الشائعة واقتنع بشراء زجاجات مياه فورا وإلا فالعطش قادم لا محالة. تلفيق وبالتبعية تصديق الشائعات شيء متواجد فى كل العالم وبالذات فى الظروف العصيبة. فبعد إعصار كاترينا فى نيو أورلينز بالولايات المتحده سنة 2005 لم تكن المياه الشيء الوحيد الذى غمر المدينة بل هاجم سمك القرش منافذ المياه حول المدينة وزرع الإرهابيون قنابل عند حدودها وامتلأ الاستاد بجثث الأطفال. شائعات فى شائعات فى شائعات. فى مصر، وبعد تنحى الرئيس مبارك عن الحكم، قالت الشائعات إنه زهد الحياة وفارقها، ثم قررت أنه رفض الدواء ثم دخل فى غيبوبة حتى تُوفي. كل هذا فى ظرف أيام معدودة فقط. كذلك قالت الشائعات إن السيدة سوزان مبارك هربت إلى لندن ومعها 90 حقيبة مليئة بالأموال وقالت الشائعة المتداولة فى ذاك الوقت إنها باعت تحفًا وكنوزًا مصرية. أما الأموال التى سُرقت فكانت تنمو وتزداد بمعدل فلكى حتى أصبحت رقمًا غير مفهوم بالنسبة لمعظم المصريين، وكان يتساءل بعضهم آنذاك: يعنى إيه 70 مليارا بالضبط؟. أخذت الحروب ضد مصر أشكالا متعددة. بدأت بالهجوم على وحدات القوات المسلحة والكنائس بعدها انفجرت القنابل أمام مبانى الحكومة والشرطة وفى بعض الأماكن العامه ثم جاءت انفجارات أبراج الكهرباء ثم الحرائق التى أصابت منازل ومصانع فى وسط القاهرة وخارجها. الآن هناك أسلوب جديد لغرس الخوف فى نفوس المصريين بشائعات نقص المواد والمأكولات، أو اختلاق الكوارث ونشر الأكاذيب. الشائعات هى أسلوب آخر من الحرب وهى وسيلة فعّاله للتدمير. اليوم فى مصر قصص خزعبلية تارة وأكاذيب تارة أخرى تنهمر علينا لتصيبنا فى الصميم، وتضاعفت آثارها بسبب سهولة وسرعة وصول المعلومة عبر المواقع الاجتماعية والتليفونات الذكية، وسهولة تعديل الصور أو تلفيقها وطبعا سهولة إقناع الإنسان الطيب. سمعنا عن الأرز البلاستيك والبيض البلاستيك والعجيب أننا شهدنا المنتج البلاستيكى بالصوت والصورة. وسمعنا عن ضريبة استعمال الآيفون. وسمعنا عن إعداد الحكومة قاعدة بيانات متكاملة للمصريين فى الخارج لمعرفة رواتبهم تمهيدا لفرض الضرائب *عليهم. وسمعنا عن قانون بناء الكنائس الذى منع وضع الصلبان فوق الكنائس. وسمعنا عن موت الفنان فلان وزواج الفنان علان. شائعات فى شائعات فى شائعات. هناك احتمال أن الشائعة تبدأ بزلة لسان أو سوء فهم أو حتى نكتة فى غير محلها، ولكن فى معظم الأحيان يكون الهدف هو إحداث بلبلة وفوضى وضرب الاستقرار. وأسوأ الشائعات هى التى تأمل فى كسر المعنويات وزعزعة الثقة وبث الرعب وهى إذ تستغل المواطن البسيط فى تداولها وتعميمها سرعان ما تصل إلى الملايين. سرعة تعامل السلطات المصرية مع الشائعة والتفاعل معها يقلِّل من أثرها الخطير على المجتمع. بإمكان المسئولين غلق الطريق أمام الشائعات بالشفافية والدقة والاستباقية فى التعامل مع أى قصة مفتعلة. كذلك إذا خاف المجتمع فسيسهل على الشائعة التسلل داخله. بالتأكيد مصر فى أيدٍ أمينة، ورجالها ونساؤها يعملون من أجلها وهذا الشعور بالاطمئنان يقلِّل من القلق ومحاولة اختراق المعنويات. والأهم هو كيفية تعامل الفرد مع الشائعات. أولا علينا أن نسأل أنفسنا إذا كانت الشائعة منطقية أو غير منطقية قبل تداولها. كذلك لابد من التحقق من مصداقية المعلومة من المصادر الموثوق بها مثل الأهرام اليومى أو جوجل أو الإنترنت عامة. إذا لم تذكر القصة إلا فى مصدر واحد فهى شائعة وبالذات إذا كان المصدر مشكوكا فيه. كذلك فالشائعة تصبح حقيقة عندما تصدر من أكثر من مصدر، لذلك يجب التغلب على الشائعة من أولها بعدم إرسالها للآخرين. وكلمة بيقولوا كما هو فى المقولة: بيقولوا فيه عصابات بتخطف فى الستات، لابد من مقاومتها لأنها بمثابة إثبات أن القصة ماهى إلا شائعة. من المقولات المشهوره: اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس ثم تصدق أنت نفسك. شائعات.. شائعات.. شائعات خربت بيتنا الشائعات. أستاذة إعلام بكندا لمزيد من مقالات د. عزة رضوان صدقى