لعقود عديدة أدى الإهمال لتفاقم العيوب المزمنة فى مجتمعنا ولم يعطِ المسئولون هذه العيوب الاهتمام الكافي، معتقدين أنها عميقة الجذور غير قابلة للتحسن. للأسف نظام التعليم المتدهور ومنظومة العلاج الذى عفى عليها الزمن والفساد بمنشآت الدولة والعشوائيات وعيوب أخرى عديدة كانت جزءا من النسيج المصري. وأدرك المصريون هذه العيوب الفجة ولكنهم اعتبروها حقيقة مؤلمة لا مفر منها. اليوم اختلفت القصة تماما. يجاهد المسئولون للتغلب على تلك العيوب ومنطلق اللامبالاة يتلاشى شيئا فشيئا. الفساد بالطبع هو الشاغل الأول فتوالت الحملات سواء على التبذير والاستيلاء على الأموال العامة أو الرشوة وأحيل إلى المحاكمة محافظون ووزراء ورؤساء مصالح كانوا فى أوجه المناصب وهو إثبات أن لا أحد فوق القانون. وكان يُنظر للعشوائيات على أنها معادلة صعبة لا يمكن التعامل معها. لكن مع خطورة الإقامة فى بعض المناطق كان لابد من إجراء سريع. اليوم ينقل جميع قاطنى العشوائيات الخطرة إلى مساكن جديدة. فمثلا توافر لقاطنى الدويقة ومنشية ناصر والعسال وعزبة العرب آلاف الشقق فى مناطق سكنية جديدة، مثل الأسمرات، تليق بآدمية الإنسان بكفالة صندوق تحيا مصر. ويستمر نقل سكان قلعة الكبش والموارى واسطبل عنتر وعشرات الضواحى العشوائية فى القاهرة ومدن أخرى إلى إسكان جديد. مع ازدياد عدد الطلاب وعدم توافر مصادر التجديد والتقنية الحديثة إضافة إلى عدم المبالاة تحولت المنظومة التعليمية إلى كارثة حقيقية. تُرك المنهج التعليمى الأساسى للدروس الخصوصية أما الأساسيات الأخلاقية كالتمييز بين الخطأ والصواب وتقدير الممتلكات العامة والوعى الاجتماعى وآداب الحديث والاستماع وأهمية الفن والموسيقى والرياضة فذهبت مع الريح. إن إصلاح المنظومة التعليمية لعمل ضخم، وقد تبناه المسئولون باستفاضة. منهج جديد سيطبق هذا العام الدراسى بحيث ينتقل من الحفظ الجاف دون فهم إلى التركيز على مهارات التفكير التحليلى ويضع نهاية للدروس الخصوصية مع تحسين ظروف العمل للمدرس ومواصلة تدريبه والأهم هو إلغاء الثانوية العامة مصدر رعب أولياء الامور والطلبة والطالبات على السواء. لننتظر نتائج مبشرة ولكن المبادرة فى حد ذاتها تثبت أن عهد اللامبالاة قد ولى وأن لا حدود للأحلام التى وجب تحولها إلى حقيقة. كذلك المنظومة العلاجية كانت فى حالة يرثى لها. مستشفيات تعمل فوق طاقتها ومرضى يتعافون بالقدرة لأن المستشفيات غير مجهزة وغير صحية ويهيمن عليها تمريض غير لائق. هذا بينما يدفع المريض مئات الجنيهات عند الطبيب الخاص والآلاف المؤلفة فى المستشفيات الخاصة. ما تم إزاء مليونى إنسان مصرى كانوا يعانون فيروس سى هو بمثابة معجزة، فقد شفى معظمهم بالمجان بعد أن فقد هؤلاء الأمل فى النجاة وحاليا الحملات تطالب الجميع بالكشف المبكر للتأكد أنه فعلا قد تم القضاء على هذا الوباء. كذلك فى محاولة مستميتة لإنقاذ المنظومة العلاجية فى مصر وصل أخيرا وبعد عقود كثيرة إلى طى التنفيذ نظام التأمين الصحى الذى يهدف إلى استيعاب جميع المصريين تحت مظلة تأمينية واحدة بتكلفة 120 بليون جنيه. بالتأكيد لن يتحسن العلاج فى مصر بين يوم وليلة ولكن النهاية الحتمية ستكون أفضل بكثير مما هو الحال اليوم. ركزت مبادرة أخرى على خلق فرص عمل للشباب الذين يمضون أوقاتهم فى الجلوس على القهاوى أو حتى فى أعمال ثانوية لا تغذى طموحهم أو تكفى احتياجاتهم. فى 2013 وصل معدل البطالة إلى 13و4 فى المائة واليوم قد تدنى هذا المعدل إلى 10 فى المائة وهذا بمثابة 3 ملايين وظيفة جديدة. فى نفس الوقت نفسه فهذه الوظائف حقيقية وليست وظائف شكلية يجلس شاغلها فى مكتب حكومى دون عمل، إنما وظائف خلقت فى مشروعات ضخمة متعددة ومختلفة فى جميع محافظات مصر. لا جدال أن المصريين يهدرون الجزء الأكبر من يومهم فى زحمة الطرق ولكن اليوم من خلال المشروعات القومية تم إنشاء 5 آلاف كيلومتر طرق جديدة. الطريق الدائرى الإقليمى الحديث سيصبح شريان وصل جديد بين القاهرة الكبرى وباقى المحافظات بطول 390 كيلومترا ويشمل 50 جسرا و64 نفقا. سوف تبقى القاهرة مزدحمة لا جدال، ولكن مما لا شك فيه هناك مجهود جاد ومكثف لتخفيف الازدحام. يبقى الكثير الذى يجب مجابهته أيضا مثل تحديث الخطاب الدينى وتحديد النسل والتخلص من القمامة المكدسة فى الشوارع ولكن لن ننكر أن مجهوداً فذاً يبذل فى محاور عديدة كانت متجاهلة تماما فى السابق. احتمال كبير أننا لا نستطيع تصحيح كل شيء، ولكن تعديل وتحسين ما كان يُنظر إليه على أنه أمر مفروغ منه هو منطلق صحى يعبر عن طموحات كنا لا نحلم أنها تُنفذ. لمزيد من مقالات ◀ د. عزة رضوان صدقى