ما الذى دعا الأمير المملوكى قراقوجا الحسنى إلى أن يبنى مسجدا فى درب الجماميز فى جانب بينما المئذنة فى جانب آخر؟! هل ضاق المكان أم أنه بنى المئذنة فى ساحة المسجد قبل أن تتحول الساحة إلى «حارة السادات» فيبدو المسجد فى جهة والمئذنة فى جهة يفصل بينهما الطريق؟! لكن سكان الدرب العتيق أراحوا أنفسهم فلم يشغلوا أنفسهم بأسئلة ولا إجابات، فأطلقوا على المسجد «جامع بلا مدنة» اختصارا لوصف ما فعله الأمير المملوكى الذى كانت فعلته سببا فى شهرة المسجد، فالمنظر يبدو مثيرا وأنت ترى قنطرة خشبية تصل بين سطح المسجد ومئذنته الملتصقة ببيوت الحارة وكأنه يحاول انتزاعها متشبثا بها ليثبت للعالم أنها تابعة له، فصار المشهد واحدا من غرائب العمارة القاهرية. لكن دون هذا المشهد، فمأساة المسجد تبدو فى انزوائه حزينا لتعرضه للانهيار شأن كثير من كنوزنا الأثرية، للفناء فقد تم إغلاقه بسبب مياه جوفية دهمته، بينما السقف معرض للسقوط فى أى لحظة. ومنذ إغلاقه «ولا حد سأل».. هكذا أنبأنا سكان درب الجماميز وكلما سألنا أحدهم عن معلومات عن المسجد حاضرا وتاريخا قال اسألوا الحاج حسن، ينما يبدو الحاج حسن جبر صاحب ورشة الخراطة المجاورة للمئذنة، يحمل هّما ثقيلا بسبب ما آل عليه حال الجامع بلا مدنة، لكنه وهو يسرد تاريخ المسجد وصاحبه يصر على أن بالمسجد ضريحا مجهولا لأحد أولياء الله الصالحين وأن تحت أرضه كنزا من العملات الذهبية والجواهر كما جاء فى «الرؤيا»وهو يخشى التنقيب العشوائى عن الكنز الدفين ويطالب بسرعة ترميم الجامع المعرض للخطر، قبل أن نفقد كنزا أثريا فوق الأرض ممثلا فى «جامع بلا مدنة» فيلقى مصير الكنز المطمور تحت الأرض!