استضافت مكتبة الإسكندرية الكاتب الصحفى الفرنسى «روبير سوليه»، مصرى المولد والنشأة، كضيف شرف ومتحدث فى أول ندوة ثقافية ل «مجلس الطهطاوي». وحرص د. مصطفى الفقى مدير المكتبة على دعوة «روبير سوليه»، للمشاركة فى أول ندوة يفتتح بها المجلس أعماله لمناقشة مؤلفه الأخير الذى تناول فيه حياة العلّامة المصرى الإمام رفاعة الطهطاوى (1801-1874م)، وإسهاماته الغزيرة علماً وفكراً. (ألفى عمل فى أقل من 40 سنة)، فضلاً عن جهده غير المسبوق فى نقل أمهات الفكر الغربى إلى وعاء الفكر المصرى عبر حركة هائلة من التعريب والترجمة، كانت لها أبلغ الأثر فى إطلاق فكر التنوير والتحديث فى مصر القرن التاسع عشر. كما احتل مؤلف الطهطاوى الأشهر «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز» مساحة واسعة من النقاش، وهو المؤلف الذى ضمّنَه وصفاً تفصيلياً دقيقاً للمجتمع الفرنسى وقتذاك فى جوانب شتى إبّان فترة استقراره فى باريس (1826-1831م)، كإمام أزهريّ مرافق لأولى البعثات الدراسية التى أوفدها محمد على إلى باريس، والتى لم يلبث أن انضم الإمام الطهطاوى إلى عضويتها كدارس أسوة بسائر أعضاء البعثة. ويعد هذا المؤَلف علامة وضّاءة فى تطور الفكر المصرى الحديث، حيث كان بمثابة أول دعوة يوجهها عالم مصرى أزهرى إلى المجتمع المصرى وقتئذ للإطلالة على مسار الحياة اليومية فى «باريس» كنموذج للعالم الغربى الذى لم يكن مألوفا بالنسبة للشق الغالب من المصريين، بُغية الحث على انتقاء أهم خصائص التقدم والرقى الأكثر اتساقاً مع المحيط القيمى السائد فى مصر فى تلك الحقبة التاريخية، للنهوض بالمجتمع المصرى ودفعه نحو انطلاقة حضارية واعية على دروب التنوير والتحديث. وكان من الطبيعى أن يفضى التواصل المستمر بين الشيخ الطهطاوى وبين المجتمع الفرنسي، بمفكريه ومثقفيه، إلى صياغة أولى الوشائج الثقافية التى جمعت مصر وفرنسا فى حوار تنويرى خلاق تظل أصداؤه تتردد إلى يومنا هذا. كما يُعزى إلى الطهطاوى بناء أول صرح تعليمى للغات الأجنبية والترجمة فى مصر ، وهو مدرسة الألسن عام 1835، لتنشئة أجيال جديدة من الشباب المتعلم الضالع فى الآداب العربية والأجنبية، لاسيما الفرنسية، لترجمة الإبداعات الثقافية والفكرية فى نتاج الحضارتين العربية والغربية. وأعرب سوليه عن سعادته للمشاركة بإطلاق «مجلس الطهطاوي» مؤكدًا أنه يكن كل إعجاب وتقدير لشخصية رفاعة الطهطاوي، وهو ما يعبر عنه فى كتابه الأخير الذى يتناول عشرين شخصية من أهم الشخصيات المؤثرة فى مصر فى القرنين التاسع عشر والعشرين. وأضاف سوليه: إنه ولد فى مصر وعاش فيها حتى عامه السابع عشر ثم استقر فى فرنسا، وعاد إلى مصر بعد عشرين عامًا ليكتشفها من جديد، ومنذ تلك اللحظة لم استطع أن أنفصل عن هذا البلد، فلقد أصبحت مصر التى أمضيت فيها طفولتى مضمون كتاباتى سواء فى الإطار الروائى أو المقالات والكتابات التاريخية، بالتوازى مع مهنتى كصحفى فى جريدة «لوموند» التى أعمل بها منذ أربعين عامًا. وأثنى الكاتب شريف الشوباشى على اختيار شخصية رفاعة الطهطاوى لإضفاء اسمه على هذا المجلس، كونه مفجر عصر النهضة العربية الحديثة. وأكدت د. رشيدة الديواني؛ أستاذة الأدب الفرنسى بجامعة الإسكندرية، عبقرية رفاعة الطهطاوى التى تجلت فى إدخال أفكار فرنسا لمصر عن طريق الترجمة، وأسهمت ترجماته وكتاباته السياسية والعلمية والاقتصادية فى نهضة مصر. ومن جانبها أوضحت د.نادية عارف؛ أستاذة الأدب الفرنسى والترجمة بجامعة فاروس، أن بداية التداخل الثقافى بين فرنسا ومصر جاءت مع رفاعة الطهطاوي، فهو رائد حركة التنوير فى مصر. وستدور اللقاءات الفكرية ربع السنوية التى سيستضيفها «مجلس الطهطاوي» حول أهم المؤلفات التى تتمازج فيها الحضارتان العربية والغربية.