«..إذهب وحدك، أما النشيد فهو لنا، لنا نشيدك، فاذهب إلى حيث شئت مادمنا قد امتلكناك، وأنت صوتنا وأحد أسمائنا الأولي». بهذه الكلمات رثا الشاعر الفلسطينى الراحل الكبير «محمود درويش» صديقه «صلاح جاهين» وهذه العبارة كانت ضمن مقالة كتبها يوم رحيل جاهين، وأرسلها إلى الكاتب والفنان التشكيلى «محمد بغدادي» لتكون مقدمة لأحد كتبه عن جاهين. وتشاء الظروف أن يتأخر صدور الكتاب بضعة أشهر رحل خلالها الشاعر محمود درويش، لتكون هذه الكلمات الرائعة مقدمة كتاب «صلاح جاهين..أمير شعراء العامية» الذى صدر عن المجلس الأعلى للثقافة. يتكون الكتاب من سِتّة أجزاء استهلها بغدادى بإهداء إلى شهداء الشعر العربي، «محمود درويش وصلاح جاهين وصلاح عبد الصبور وفؤاد حداد وأمل دنقل وفؤاد قاعود». ثم تأتى مقدمة الكتاب للشاعر محمود درويش فى الجزء الأول ويصف فيها صلاح جاهين بأنه واحد من معالم مصر وقلب يسير على قدمين، و يحكى عن بداية تعارفهما وكيف تأثر بالشاعر الذى قال لنا ماعجزنا عن قوله بالفصحى على حد قوله. ويحكى بغدادى للقرّاء فى الجزء الثانى كيف تعرف على صلاح جاهين والظروف التى جمعت التلميذ وأستاذه فى حضور رؤساء مجلة صباح الخير السابقين «لويس جريس» و«رؤوف توفيق»، وعلى الرغم من الأسئلة القاسية التى طرحها على جاهين إلا أن بغدادى يقول: «فوجئت بأننى أمام شخصية إنسانية شفيفة الحزن، عميقة الأحزان وذات روح طيبة مسالمة»، ثم يحكى عن الظروف التى نشأت فيها فكرة إصدار مجلد يضم أعمال جاهين الكاريكاتيرية والذى صدر بعد رحيله بشهرين. ويأتى الجزءان الثالث والرابع ليتحدثا عن جاهين الشاعر وجاهين الرسام، فالثالث بعنوان «صلاح جاهين وعالمه الشعري» والرابع بعنوان «صلاح جاهين شاعر الكاريكاتير رسام بدرجة مقاتل». وفى الجزء الخاص بجاهين الشاعر يلقى نظرة على المشهد الشعرى فى مجمله، وكيف أن شعر العامية عانى الإهمال، وبالرغم من أن جاهين كان من أهم شعراء العامية والفصحى معاً إلا أنا لم يُكتب عن شعره غير مقالات قليلة، ثم تناول تجديد جاهين قصيدة العامية من وقت مبكر، ويحدثنا الكتاب عن بدايات العلاقة القوية بين صلاح جاهين والشاعر فؤاد حداد والذى وصفه جاهين بأنه «أشعر»، وفى المقابل يقول حداد عن جاهين بأنه «أشطر»، «لأنه يقص قماش الشعر بمقص خياط على المقاس» ثم تنقّل بغدادى بين عدة قصائد يوضح لنا فيها أن «صلاح جاهين» أول من كتب الشعر الحر، وأول من خلق قاموسا من مفردات لغوية وألفاظ عامية كانت مجرد كلمات مهملة وعادية، ووصف شعر جاهين المبتكر «ببراءات الاختراع الجاهينية»، عبر أربعة نماذج مهمة هى قصيدة «كلام إلى يوسف حلمي»، و«سيد درويش»، و«أغنية برمهات»، و«رباعيات جاهين الفلسفية». وكذا تناول «صلاح جاهين الرسام أو شاعر الكاريكاتير»، ويحكى كيف انتقل جاهين من كلية الحقوق إلى الفنون الجميلة، رغم اعتراض والده، وكيف تدخل الفنان «حسين بيكار» لإقناعه بموهبة ابنه، واستفاض حول اقتحام جاهين عالم الكاريكاتير بجرأة وأفكار جديدة، ثم تحدث عن جدارية جاهين الكاريكاتيرية الرائعة، وهى اللوحات المتواصلة فى أوبريت الليلة الكبيرة، وتحدث عن «جاهين الرسام بدرجة مقاتل»، وألقى الضوء على المعارك التى خاضها صلاح جاهين فى حياته. وفى آخر جزءين منحنا فرصة للتجول عبر مختارات من أشعار صلاح جاهين ورسومه المتجددة.