* د .طارق فهمى : أجزاء من تقرير تحقيق «اجرانات » الإسرائيلية عن هزيمة أكتوبر فى طى الكتمان حتى الآن * د.جمال شقرة :يقظة الجيش المصرى أحبطت مؤامرة «الإخوان» اقتطاع جزء من سيناء فى أثناء حكمهم د.طارق فهمى د.جمال شقرة لقد حبا الله عز وجل مصر بمنزلة عظيمة وذكرت فى القرآن الكريم خمس مرات وفى «19» موضعا آخر بلفظ غير صريح، كما ذكرت سيناء فى موضعين، وذكر الله عز وجل لسيناء فى القرآن الكريم فيه تعظيم وتشريف لها ومما يزيدها تشريفاً أكثر أن الله عز وجل كلم سيدنا موسى عليه السلام على هذه الأرض التى وصفها المولى عز وجل بالبقعة المباركة مما جعل لسيناء مكانة كبيرة فى الإسلام منذ فجر التاريخ، كما ذكرت مصر فى الكتب السماوية الثلاثة »التوراة،الإنجيل،القرآن»، هل كان كل ذلك صدفة؟ ستظل سيناء بوابة مصر الشرقية نقطة مضيئة فى التاريخ القديم والحديث والجسر الذى عبرت عليه حضارات عصور ما قبل التاريخ امتدادا إلى يومنا هذا ، فلقد لعبت سيناء أدواراً تاريخية هامة وستظل , ارتدت آثارها على مصر والمنطقة العربية برمتها ، وفى الذكرى ال36 لعودة سيناء وانسحاب إسرائيل بالكامل من سيناء فى 25 أبريل عام 1982، ودخول المفاوض المصرى فى معركة دبلوماسية وسياسية صعبة استمرت 7 سنوات فى مفاوضات إلى أن تم الانسحاب ورفع العلم المصرى على أرض طابا عام 1989 ، استكمالا لتحرير سيناء بالكامل . سيظل السؤال الصعب : لماذا تحتل سيناء هذه الأهمية الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية والدينية عبر التاريخ؟ ولماذا كانت دائما هدفا للأطماع الدولية والإقليمية؟ وكيف استطاعت مصر بشعبها وقواتها المسلحة حماية أراضيها والحفاظ على كل شبر من أرض الوطن مهما كلفها من تضحيات ولماذا كلما مرت ذكرى احتفالات وانتصارات مصر فى حرب أكتوبر واستعادة سيناء كاملة تزداد الحسرة والمرارة داخل المجتمع الإسرائيلى ومازالت مراكز الدراسات والمؤرخون الإسرائيلين حتى الآن يطالبون بمحاكمات تاريخية لقادتهم فى هذه الفترة . سلة غلال العالم فى البداية يقول الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس ومقرر لجنة الدراسات التاريخية بالمجلس الأعلى للثقافة : يجب أن ندرك أن الدوافع وراء الاهتمام بسيناء ليست دوافع دينية بالمقام الأول ولكنها ترتبط بالسياسة والاقتصاد، ولا ينكر أحد الأهمية الإستراتيجية لسيناء لذلك فقد دار عليها التاريخ عبر الزمن، القصة لم تبدأ بالمؤامرة عام 1967 ولكن الصراع بدأ بالسيطرة على القضية الرئيسية وهى فلسطين، وعندما نتكلم عن سيناء لا يجوز أن نفصلها عن الأهمية الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية للمنطقة العربية بالكامل سواء بالجزء الواقع فى آسيا أو أفريقيا فهى تقع فى قلب القارات القديمة ويعد موقعها استراتيجيا وله أهمية جيوسياسية وجيو جغرافية لذلك فالأحداث التى تقع فى بلاد الشام تؤثر علينا فى مصر، ومن هذه الزاوية تعد سيناء هى الحد الفاصل الذى يمنع الغزوات التى تأتى من الشرق. وأوضح شقرة أن أهمية سيناء الإستراتيجية زادت عبر المرحلتين الرأسمالية التجارية والرأسمالية الصناعية، ففى المرحلة الأولى كانت سيناء معبرا للتجارة العالمية خاصة بعد حفر قناة السويس، وفى المرحلة الثانية كانت سوقا للمنتجات الأوروبية، وتعززت هذه الأهمية مع تكرار الغزوات التى استهدفت مصر خاصة سيناء . فمصر التى وصفت بأنها «سلة غلال العالم» زمن الإمبرطورية الرومانية ودرة التاج العثمانى، ودرة التاج البريطانى، ورأس الأفعى فى زمن الحروب الصليبية ومصر التى وصفها نابليون بونابرت بأنها «أهم دولة فى الدنيا وبوابة احتلالها سيناء» أرض الفيروز كما يطلق عليها، ولذلك نجد أهمية سيناء الإستراتيجية ازدادت مع التهديدات التى تعرضت لها مصر عبر التاريخ . وتابع الدكتور جمال شقرة، سيناء فى التاريخ المعاصر احتلت مركزاً مهما واستراتيجيا فى الصراع على الشرق الأوسط خاصة بعد زرع الكيان الصهيونى فى ارض فلسطين العربية، ولم تكتف بالاحتلال وإنما تطلعت إلى السيطرة على المنطقة بالكامل لذلك دار الصراع الذى أخذ عدة جولات أولها عام 1948 ولأسباب عديدة هزم العرب، ولكن يقظة مصر منعت إسرائيل من المرور من مضيق تيران واستحال عليها التوغل فى سيناء فكانت الجولة الثانية، واتجهت إسرائيل إلى فرنسا وانجلترا وكان العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، واستهدف شبه جزيرة سيناء ونجحت مصر فى إفشال مخطط العدوان الثلاثى وانسحبت فرنسا وانجلترا ولكن تلكأت إسرائيل، وكانت سيناء فى مخيلة العدو الإسرائيلى، لذلك كانت المؤامرة الكبرى عام 1967 ونقول «مؤامرة» لأن مصر أخذت على غرة وسقطت سيناء، ولكن مصر لم تستسلم وخاضت حرب الاستنزاف 7 سنوات ونجح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى استنزاف إسرائيل عسكريا والاستعداد لحرب 1973 وبعد رحيله بدأ الرئيس أنور السادات استكمال إعداد القوات المسلحة للحرب، وحقق انتصار أكتوبر العظيم عام 1973، واستكمل استرداد الأرض باتفاقية كامب ديفيد واسترد أرض سيناء، ولكن تلكأت إسرائيل فى رد كيلو متر واحد بسيناء والذى عرف ب«أزمة طابا« ولجأت مصر للتحكيم الدولى وحكم لصالحها واستعادت مصر كل شبر فى سيناء . ولفت أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس الانتباه إلى أن استهداف سيناء عبر التاريخ الحديث سبق استيطان إسرائيل لفلسطين، فالدولة العثمانية حاولت عام 1892 اقتطاع سيناء من مصر، ولكن مصر أخذت عهدا ألا تفرط فى سيناء، وساعدتها وقتها دولة الاحتلال البريطانى خوفا على مصالحها التجارية وعلى قناة السويس آنذاك فى استعادة سيناء، وكررت الدولة العثمانية المحاولة مرة أخرى عام 1906 ونجحت الحكومة المصرية بالتعاون مع بريطانيا فى إفشال المحاولة وإبقاء سيناء فى أحضان مصر، وظلت سيناء هدفا عبر التاريخ للأطماع، ولولا يقظة الجيش المصرى بعد ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو التى أحبطت مخططات ومؤامرة الإخوان أثناء حكمهم اقتطاع جزء من سيناء، وانطلاق الحرب الشاملة 2018 ضد الإرهاب دليل دامغ على الأهمية الإستراتيجية لسيناء بوابة مصر الشرقية. سيناء «درة التاج» فى الوقت ذاته، يرى الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ورئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط أن إسرائيل نظرت إلى الانسحاب من سيناء بالكامل فى 25 ابريل 1982 من زاويتين، الزاوية الأولى التوقيت حيث مارست المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ضغوطا شديدة على الرئيس الأسبق حسنى مبارك بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات لإعادة صياغة اتفاق جديد مشترك خارج ما تم إقراره فى كامب ديفيد، إلا أنه قوبل برفض حاسم من الرئيس مبارك وإصرار تام على المضى فى اتفاقية كامب ديفيد كما هى دون أى تعديل ونجح فى تنفيذ الانسحاب الإسرائيلى من الاراضى المصرية بسيناء. الزاوية الثانية ما يثار حتى الآن من 14 قيادة عسكرية إسرائيلية وخبراء فى مراكز بحثية أرخوا لتاريخ الانسحاب الإسرائيلى من سيناء وأشادوا بالخبرات العسكرية والدبلوماسية المصرية المتميزة فى التفاوض وفى إتمام عملية الانسحاب الإسرائيلى من الأراضى المصرية بسيناء بعد حرب أكتوبر 1973، وأيضا ما تم كتابته فى الصحافة والإعلام الإسرائيلى حول نجاح الرئيس الراحل أنور السادات فى إبرام اتفاقية كامب ديفيد على حساب الأمن القومى الإسرائيلى بل واتهام مناحم بيجين وقادة إسرائيل الذين شاركوا فى الاتفاقية بالفشل والإضرار بأمن اسرئيل العسكرى والقومى ، وأشاد القادة العسكريون الإسرائيليون بالفريق أول كمال حسن على أحد المفاوضين فى معركة »طابا« والذى خاض مفاوضات صعبة مع الجانب الإسرائيلى لوضع خطة الانسحاب من سيناء. وأشار الدكتور طارق فهمى إلى ما ذكره الراحل الدكتور أسامة الباز، المستشار السياسى الأسبق للرئيس السادات فى مذكراته ونقل عن مصادر إسرائيلية عديدة أن فريق المفاوضين المصريين نجحوا فى تحقيق الانتصار الثانى بعد حرب أكتوبر فى إجبار إسرائيل على الانسحاب والخروج من سيناء دون أن يجنى الفريق الإسرائيلى أى ثمار . الخروج المهين وأضاف رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط أن الأمر انتهى برئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن بالدخول إلى مصحة بحالة نفسية سيئة نتيجة اللوم عليه فى توقيع اتفاقية السلام والخروج من سيناء دون تحقيق أى مكاسب، وأوضح أن معظم الدراسات الإسرائيلية أشارت إلى أن إسرائيل خسرت بالخروج الكبير من سيناء وما زالت أصوات يمينية متطرفة تطالب بمحاكمة تاريخية لقادة الإسرائيليين الذين وقعوا وشاركوا فى اتفاقية كامب ديفيد بل وتطالب بعض الحركات المتطرفة فى إسرائيل بنشر وثائق الانسحاب من سيناء «درة التاج» حلم الدولة اليهودية المفضل وأيضا خرجت عشرات الروايات والقصص التى تحكى عن انكسار إسرائيل والخروج المهين من سيناء وهو الذى تبعه انكسار وشرخ فى المجتمع الإسرائيلى من الداخل فكان الخروج من سيناء أول انسحاب واقعيا وحقيقيا على الأرض تبعه الانسحاب من غزة ثم من جنوبلبنان وذلك ما يدفع أن إسرائيل ستخرج من الأراضى الفلسطينيةالمحتلة لوجود سوابق تجعل الشخصية والمجتمع الإسرائيلى يتقبل ذلك. وأكد الدكتور طارق فهمى ان معركة طابا كانت شهادة على قدرة المصريين على مواجهة العدو الإسرائيلى، سواء فى الحرب أو فى المفاوضات، فقد كان أداء فريق التفاوض المصرى الذى ضم خبراء من جميع الاتجاهات السياسية على أعلى مستوى، وأدار معركة وطنية بامتياز، وقدّم كل الوثائق على أحقية مصر فى السيادة على طابا، حتى رضخ العدو الإسرائيلى فى النهاية، رغم محاولات المراوغة المعهودة بتسليم طابا ومنشآتها إلى مصر، حتى بلغت الملحمة ذروتها برفع العلم المصرى على طابا يوم 19 مارس 1989. ولفت رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط الانتباه إلى أنه طوال هذه السنوات ظهرت روايات عديدة فى إسرائيل، رافقها تبادل اتهامات وتحقيقات ، ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا ، من أهمها التحقيق الذى أجرته لجنة اجرانات المكلفة بالتحقيق فى الهزيمة العسكرية الإسرائيلية فى حرب أكتوبر 1973 والذى صدر التقرير الأول لها عن أسباب الهزيمة والاستعدادات للحرب وكيف استطاع الجيش المصرى خداع المخابرات الإسرائيلية وامتلك عنصر المفاجأة ، و فى العاشر من يوليو 1974 نشرت اللجنة تقريرها الثاني، وفى 30 يناير 1975 نشرت تقريرا أكثر شمولاً تضمن تقييمها لاستعدادات الجيش لحرب أكتوبر 1973 ، والإجراءات التى اتخذتها قيادته من أجل وقف العدو المصرى والسوري، وظلت أجزاء من التقرير الكامل للجنة التحقيق «اجرانات » عن هزيمة أكتوبر فى طى الكتمان إلى أن نشر بعضها اعتبارا من عام 2006 ونشر جزء عام 2014 منذ شهور ومازالت أجزاء أخرى محجوبة حتى الآن. وأشار فهمي إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق آريل شارون وأحد كبار قادة إسرائيل فى حرب أكتوبر خلال مناظرة أجرتها شبكة التليفزيون البريطانى بى بى سى فى مايو 1975 كانت شهادة للتاريخ، وذات دلالة حينما يعترف العدو قبل الصديق بالنجاح المذهل لانتصار العسكرية المصرية فى حرب أكتوبر وإبهار العالم سواء عسكريا أو دبلوماسيا عندما أجاب على تساؤل : ما هى المفاجأة التى حققها المصريون فى تلك الحرب من وجهة نظرك ووجهة نظر الجانب الاسرائيلى؟.. قال : فى رأيى الشخصى مفاجأة حرب يوم الغفران كانت فى شىء جديد تماماً علينا.. وهو الجندى المصرى.. إننى لن أنسى قتال الجنود المصريين فى الفرقة 16 مشاة فى منطقة المزرعة الصينية شرق القناة.. لقد استخدمت القوات الإسرائيلية جميع وسائل النيران المتاحة لها .. لقد حولنا المنطقة إلى جحيم .. ربما لم يكن هناك متر من الأرض فى تلك المنطقة لم تسقط فيه قذيفة .. ورغم ذلك لم يرتد جندى منهم إلى الخلف..لقد تصورت فى وقت من الأوقات أن المصريين قد ربطوا الجنود بسلاسل إلى الأرض ولكن كانت المفاجأة عندما نجحت دبابة أو دبابتان فى اختراق ذلك الخط .. كنت تجد ذلك الجندى يستدير لها كى يدمرها بإحدى القذائف المضادة للدبابات. واختتم الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية، كلامه بأن الإعلام الإسرائيلى لديه حالة من الرعب عقب إطلاق عملية سيناء الشاملة 2018، مشيدا بالتكاتف الشعبى الكبير حول القوات المسلحة من أجل القضاء على الإرهاب الغاشم واقتلاعه من جذوره، مؤكدًا أن أبناء مصر من الجيش والشرطة يدفعون ثمن الحرب على الإرهاب. مثمنا جهود الرئيس عبدالفتاح السيسي فى دعم المشروعات التنموية فى سيناء، إضافة إلى جهوده فى تطهيرها من الإرهاب ، وتأكيده على أن مصر ستقضى على الإرهاب بمفردها نيابة عن العالم بأكمله .