نقيب الأطباء يعلق على مقترح منح تصريح مزاولة مهنة الطب للأجانب    "اليوم" يستعرض معايير انضمام شباب السياسيين لتنسيقية الأحزاب    مدارس بديلة للثانوية العامة لطلاب الإعدادية 2024 .. 35 مدرسة تقبل من 140 درجة    لطلاب الثانوية العامة.. شروط الالتحاق بالكلية العسكرية التكنولوجية ونظام الدراسة    نقيب الجزارين يكشف عن أسعار اللحوم قبل عيد الأضحى    قرار جديد من «CIB» بشأن أسعار الفائدة على الشهادات.. اعرف التفاصيل    تفاصيل أكبر صفقة ل"المجتمعات العمرانية" بالجنيه المصرى فى عدد اليوم السابع غدا    «ديابلوس»: أضرار جسيمة بسفينة تجارية بعد هجوم زورق عليها في البحر الأحمر    موجة حارة تتسبب في إغلاق موقع أثري في اليونان وتعطل العملية التعليمية    فيفا يعلن جدول 103 مباريات فى كأس العالم 2026 وأماكن التدريب ب25 مدينة    الاجتماع التشاورى بشأن السودان: الحفاظ على المؤسسات العمود الفقرى لوحدة البلاد    تفاصيل جلسة جوميز مع لاعبى الزمالك قبل مواجهة سيراميكا    مران الزمالك، تفاصيل جلسة جوميز مع اللاعبين قبل مباراة سيراميكا    10 معلومات عن زوجة اللاعب محمد هاني.. ما علاقتها ب«الكابيتانو» حسام غالي؟    بقيادة رونالدو.. 5 نجوم يخوضون كأس أمم أوروبا لآخر مرة في يورو 2024    شديد الحرارة نهارًا، حالة الطقس غدًا الخميس 13- 6 -2024 بمحافظة البحيرة    ضبط المتهم بقتل عجوز شبرا الخيمة بعد ما تسلل ليلا لشقتها لسرقة ذهبها    إصابة 4 أشخاص فى حادث انقلاب توك توك بالدقهلية    الهروب من الحر إلى شواطئ مطروح قبل زحام العيد وارتفاع نسب الإشغال.. فيديو    قبل انطلاق موسم العيد.. 6 ملايين جنيه إجمالي إيرادات الأفلام في آخر 24 ساعة    سعد الصغير يطرح أحدث أغانيه بابا الشغلانة (فيديو)    الوطنية للإعلام: «الأرشفة» توثق التراث الثقافي الفني    هل فضل عشر ذي الحجة في النهار فقط؟.. أيام مباركة اغتنمها    نائب مدير فرع التأمين الصحي بالشرقية يتفقد عيادة ههيا    ابتعدوا عنه في عيد الأضحى.. 7 مخاطر لتناول هذا النوع من اللحوم    خالد الجندي للمصريين: اغتنموا فضل ثواب يوم عرفة بهذه الأمور (فيديو)    أوكرانيا تصد هجمات جوية روسية شديدة على كييف    وصول مبابي ألمانيا رفقة المنتخب الفرنسي استعدادًا لليورو    محافظ الغربية يستقبل الأنبا أغناطيوس أسقف المحلة للتهنئة بعيد الأضحى    اتحاد الكرة يرد على تصريحات رئيس إنبي    ضبط تشكيل عصابي انتحل صفة ضباط شرطة بأكتوبر    استجابة ل«هويدا الجبالي».. إدراج صحة الطفل والإعاقات في نقابة الأطباء    بلغت السن المحدد وخالية من العيوب.. الإفتاء توضح شروط أضحية العيد    بلينكن: نعمل مع شركائنا فى مصر وقطر للتوصل لاتفاق بشأن الصفقة الجديدة    محافظ المنيا يشدد على تكثيف المرور ومتابعة الوحدات الصحية    بالأسعار.. طرح سيارات XPENG الكهربائية لأول مرة رسميًا في مصر    مراسل القاهرة الإخبارية من معبر رفح: إسرائيل تواصل تعنتها وتمنع دخول المساعدات لغزة    جامعة سوهاج: مكافأة 1000 جنيه بمناسبة عيد الأضحى لجميع العاملين بالجامعة    هيئة الدواء تعلن تشكل غرفة عمليات لمتابعة وضبط سوق المستحضرات الطبية في عيد الأضحى    مواعيد تشغيل القطار الكهربائي الخفيف ART خلال إجازة عيد الأضحى 2024    أسماء جلال تتألق بفستان «سماوي قصير» في العرض الخاص ل«ولاد رزق 3»    الجلسة الثالثة من منتدى البنك الأول للتنمية تناقش جهود مصر لتصبح مركزا لوجيستيا عالميا    مساعد وزير الصحة لشئون الطب الوقائي يعقد اجتماعا موسعا بقيادات مطروح    عفو رئاسي عن بعض المحكوم عليهم بمناسبة عيد الأضحى 2024    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح المسوّق بالكامل لشركة «أرامكو» بقيمة 11 مليار دولار في سوق الأسهم السعودية    وزير الإسكان يوجه بدفع العمل في مشروعات تنمية المدن الجديدة    «الأوقاف» تحدد ضوابط صلاة عيد الأضحى وتشكل غرفة عمليات ولجنة بكل مديرية    رئيس جامعة أسيوط يفتتح صيدلية التأمين الصحي لمرضى أورام الأطفال    "مواجهة الأفكار الهدامة الدخيلة على المجتمع" ندوة بأكاديمية الشرطة    رئيس الحكومة يدعو كاتبات «صباح الخير» لزيارته الحلقة السابعة    اليونيسف: مقتل 6 أطفال فى الفاشر السودانية.. والآلاف محاصرون وسط القتال    "مقام إبراهيم"... آية بينة ومصلى للطائفين والعاكفين والركع السجود    «الخدمات البيطرية» توضح الشروط الواجب توافرها في الأضحية    النمسا تجري الانتخابات البرلمانية في 29 سبتمبر المقبل    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    «اتحاد الكرة»: «محدش باع» حازم إمام وهو حزين لهذا السبب    نجم الأهلي السابق: مجموعة منتخب مصر في تصفيات كأس العالم سهلة    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 12-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى ذكرى محمد عبد الوهاب
نشر في الأهرام اليومي يوم 19 - 03 - 2018

تحل فى هذه الأيام ذكرى عزيزة على المصريين (بل وعلى العرب عموما) هى ذكرى ميلاد محمد عبد الوهاب، الموسيقى المصرى الفذ والمطرب المحبوب الذى ملأ الدنيا وشغل الناس، بأغانيه وموسيقاه وأفلامه، لأكثر من ثلاثة أرباع قرن، من عشرينيات القرن العشرين إلى أوائل التسعينيات.
إنى أذكر كيف انقسمنا، ونحن صبية صغار فى السنوات الأولى من الدراسة الثانوية، بين المتحمسين للملحنين المتمسكين بالتراث الموسيقى العربى (مثل زكريا أحمد) و (المستغربين) من الملحنين الذين تأثروا بشدة بالموسيقى الغربية، بل وسمحوا لأنفسهم أحيانا بالاقتباس منها، وعلى رأسهم محمد عبد الوهاب. ولكن عبد الوهاب كان يميزه عن هذا الفريق الأخير بأنه أثبت فى مطلع حياته الفنية موهبته الفذة، حتى فى أعماله الملتزمة التزاما تاما بقواعد الموسيقى والغناء العربية، ومن ثم لم يكن اقتباسه من الموسيقى الغربية ناتجا عن قلة الحيلة أو نضوب الموهبة، وأنه كان قادرا على تطويع ما يقتبسه من موسيقى الغرب ليصبح جزءا مقبولا فى وسط النغم العربي.
هكذا بدأ عبد الوهاب، إذا أدخل فى مقطوعتة الموسيقية أو الغنائية نغمة من قطعة موسيقى غربية، وكأنه لا يفعل هذا إلا بعد أن يهضم الموسيقى المقتبسة هضما، ومن ثم تقبلها الأذن العربية برضا تام ودون أى شعور وبأن شيئا يقحم إقحاما مما يمكن أن تنفر منه النفس.
هكذا دخلت ألحان عبد الوهاب (أو معظمها على الأقل) الأذن والقلب العربيين دون أى عاتق. فكنا نبتهج لسماعنا عن ظهور أغنية جديدة له وكأنه خبر سياسى مهم وسار، ونظل ننتظره بشغف ثم نردده بعد سماعه حتى نحفظه عن ظهر قلب.
كان خبرا مهما جدا إذن، ذلك الذى انتشر فى منتصف الستينيات بأنه عبد الوهاب وأم كلثوم سيتعاونان فى عمل واحد، فيلحن عبد الوهاب أغنية لأم كلثوم، بعد أن استقر فى أذهاننا أن كلا منهما سعيد بالتربع على عرشه مستقلا عن الآخر. سمعنا وقتها شائعة (وأظن أنها صحيحة)، بأن السلطة السياسية فى ذلك الوقت (التى كانت تحكم البلاد بيد من حديد) هى التى قررت وضغطت على الفنانين العملاقين لكى يشتركا فى عمل واحد، ولم يكن بقدرتهما أن يرفضا مثل هذا الطلب. انتظرنا بشغف شديد أن نسمع بنتيجة هذا التعاون، وكانت النتيجة هى أغنية «أنت عمري» الزائعة الصيت والتى لم يكن المذياع ينتهى من إذاعتها فى إحدى المحطات حتى تبدأ إذاعتها من جديد فى محطة أخري، كانت نتيجة هذا التعاون موفقة جدا من الناحية الفنية (ولابد إنها كانت كذلك أيضا من ناحية العائد المادي)، فتوالى بعد ذلك ظهور أغنية بعد أخرى لأم كلثوم من تلحين عبد الوهاب، واستقبل الناس هذا بترحاب شديد يتفق مع حبهم لكل منهما.
من الطريف أن نلاحظ أن كلا من الفنانين الكبيرين لم يستطع أن يتجنب مراهنة السلطة السياسية، بدرجة أو بأخري، إذ كان رضا السلطة ضروريا، فيما يبدو، لاستمرار رضا وسائل الإعلام عنهما. ولكن العكس كان صحيحا أيضا، أى أن مراهنة السلطة للفنانين الكبيرين بدأ ضروريا أيضا للحصول على بعض الرضا من الناس، فعندما نصح الملك فاروق بأن التمتع بالشعبية يتطلب أن ينضم إلى الشعب بصورة أو أخرى فى الحفاوة بأم كلثوم، فوجئ الناس بحضور الملك إحدى حفلاتها ومنحها خلالها نيشان الكمال (الذى سمح بتلقيبها بصاحبة العصمة). ويبدو أن عبد الوهاب شعر أيضا بضرورة التقرب من السلطة فأضاف إلى أغنية «الفن» عبارة فى نهايتها تمجد الملك لرعايته للفنون. كان فى هذا بالطبع أوجه لا يستهان بها من فساد الذوق، ولكن يبدو أن حبنا لعبد الوهاب منعنا من تهديل الأمر، ربما مثلما كان شعور الناس نحو المتنبي، إذ لا أظن أنهم كانوا يبالون كثيرا بما يضفيه المتنبى من صفات غير حقيقية على سيف الدولة الحمدانى أمير حلب.
من الطريف أيضا ما كان يشعر به هؤلاء الفنانون العظام من ضرورة التعرض فى بعض أغانيهم لبعض الأمور السياسية الجارية، مما يبدو لنا غريبا جدا الآن. لعبد الوهاب مثلا أغنية تصف الخلافات الحزبية التى كانت على أشدها فى الأربعينيات من القرن الماضي، قبيل ثورة 1952. وكان الناس قد سئموا هذه الخلافات بشدة لأنها كانت تعبيرا عن أهداف شخصية وحب المنصف أكثر مما تعبر عن مطامح وطنية كان، مطلع الأغنية (إلام الخلف بينكم إلام، وهذه الضجة الكبرى علام)، وهو موضوع غريب أن يتغنى به فعن شهيد أو غير شهيد، ولكنى لا أذكر أننا شعرنا بالاستغراب له عند وقوعه (وهو ما قد يحتاج بدوره إلى تفسير).
كان العصر الذهبى لمحمد عبد الوهاب هو فترة ما بين الحربين العالميتين، فلما انتهت الحرب العالمية الثانية، بدأ وكأن التطور الاجتماعى فى مصر يتطلب موسيقى أسرع وغناء أكثر جماهيرية من موسيقى وغناء عبد الوهاب زادت أهمية الإيقاع السريع، ولكن قلت أهمية الكلمات المبالغة فى عاصفيتها، واحتفى الناس بالكلمات الأقل خضوعا للحبيب والأكثر جرأة فى مخاطبته. لم تعد كلمات «الذل» و «الحرمان» مطلوبة مثلما كانت من قبل، بل ظهرت أغان من نوع «أبو عيون جريئة»، تفترض أن الحب ممكن دون عذاب» بل وفى ظل اجتماع الحبيبين واستمتاع كل منهما بالآخر.
جاء عبد الحليم حافظ ليعبر عن هذا النوع الجديد من الحب، ومن ثم سرعان ما صعد نجم عبد الحليم على حساب نجم عبد الوهاب. ومع ذلك سيظل عبد الوهاب يمثل فترة غالية من تاريخ الطرب والتاريخ الاجتماعى فى مصر.
لمزيد من مقالات د. جلال أمين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.