جلس الزوج مندهشا وهو يرى زوجته لا تبخل بوقتها لتتفنن فى اختيار أكثر الأزياء أناقة حتى ترتديها قبل الذهاب إلى العمل، وتسأله عن رأيه فى الألوان التى تناسبها، ثم تبدأ بعدها فى تصفيف شعرها بعناية لتظهر بأفضل صورة.. وعندما قرر أن يسألها عن سبب هذا المشهد المتكرر كل صباح، خاصة أنه لايراها متأنقة بهذا الشكل إلا إذا كانت فى طريقها للعمل، أجابت بضيق واضح ساخرة من سؤاله الساذج: «إنت ناسى إن أنا مديرة.».! ويبدو أن هذه الإجابة لم تكن شافية للزوج وربما استفزته أكثر فبادرها قائلاً: «هما الموظفين أهم من زوجك»؟! وبمجرد أن انتهى من عبارته تلك ردت عليه ببرود: موقعى فى العمل يتطلب منى أن أحافظ على مظهرى حتى لا أكون محور ثرثرة الزميلات، بينما أنت زوجى فلا يوجد داع لهذه الشكليات الفارغة. انقطع الحوار عند هذه الجملة وصمت الزوج.. وظل يراوده التساؤل نفسه، أليس من حق بيتها عليها أن تبذل ولو نصف الجهد الذى تبذله فى الإهتمام بنفسها فى حالة ذهابها إلى العمل.. هذا المشهد الذى يتكرر بين العديد من الأزواج فرض علينا أن نطرحه على نماذج أخري. يقول مدحت الحسيني، محاسب ومتزوج حديثا إن زوجته جميلة ولم يكن يراها أيام الخطوبة إلا وهى فى تمام زينتها، كما أن صوتها كان لايرتفع فوق مستوى الهمس، واعتبر مدحت نفسه محظوظا بهذه الزوجة الرقيقة، إلا أنه بعد الزواج وانتهاء إجازة شهر العسل وبدأ كل منهما فى الذهاب إلى عمله وجد اهتمامها بنفسها يقل تدريجياً، والرقة تحولت إلى توحش لدرجة أنه يتجنب الدخول معها فى أى نقاش وتقضى طول الوقت فى تنظيف المنزل ثم تخلد إلى النوم بعدها، والغريب أنها تستيقظ فى الخامسة فجرا يوميا من أجل أن تأخذ راحتها فى الجلوس أمام المرآة قبل ذهابها للشغل. ويضحك سمير السيد مدرس رياضيات ساخرا وهو يحكى قائلا: إنه يعمل فى المدرسة نهارا ويعيش فى المدرسة ليلا أيضا قاصدا بذلك بيته وأضاف: «أشعر فى كثير من الأحيان أنى متزوج من الست الناظرة! حتى إننى أخشى أن أدخل فى أحد الأيام وأجد زوجتى تنظم طابورا لأولادي».. ويقول إنها لا تترك أى فرصة دون أن تستغلها فى «الشخط» و»الزعيق» بمجرد أن تدير المفتاح وتدخل من باب الشقة بعد رجوعها من العمل. ويتمنى باهى منير أن يرى زوجته أنثى فى المنزل، وأن «تفك التكشيرة» من على وجهها حتى ولو بضع ساعات فى اليوم ويقول إنه فى أحيان كثيرة يعذرها خاصة أنهما يعملان معا فى البنك نفسه وتدرجا فى المناصب حتى شغلا مواقع متميزة إلا أن ذلك يستنفد كل قواهما فتعود إلى المنزل مرهقة لا يوجد بداخلها طاقة لتغمر المنزل بالحب، ولم يفكر مطلقا فى أن يطلب منها ترك العمل حتى لا تعتقد أنه يكره نجاحها. رأى الزوجات لبنى عبد المجيد مسئولة علاقات عامة بإحدى الشركات الخاصة تقول إن عملها يتطلب الاهتمام الدائم بمظهرها وأن يتصف سلوكها باللباقة والموضوعية إلى جانب المجاملات، وأضافت أنه لا يوجد إنسان طبيعى يستطيع أن يعيش طوال اليوم بهذا الشكل، فبمجرد ذهابى للبيت أتخلص من كل ذلك وأكمل يومى دون أى مظاهر أو مكياج. وتعتقد لبنى أن ذلك من حقها وأن زوجها يجب أن يتحملها حتى تحقق ذاتها. ومن جانبها، تعترض ثريا الصفتى على ما تسميه «دلع رجالة» قائلة إن عملها مهندسة مدنية يتطلب منها الوجود وسط العمال طوال النهار فى مواقع الإنشاءات وهو ما يفرض عليها سلوكيات وأسلوبا محددا فى الحياة يتصف بالجدية والصرامة، ولا تستطيع أن تتخلص من ذلك عندما تعود إلى المنزل. مطلوب المرونة ووسط هذا الجدال بين رجال يريدون زوجاتهم مديرة وأميرة فى آن واحد، ونساء يؤكدن «إحنا مش بسبع أرواح». سألنا الدكتورة هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع بجامعة المنوفية، هل من الممكن أن يتحقق ذلك؟ أجابت قائلة: إن المشكلة ليست معقدة إلى هذا الحد والحل لايحتاج سوى بعض المرونة من الأزواج لأنهم ماداموا رضوا بعمل زوجاتهم وهناك تفاهم مسبق بخصوص هذا الشأن يجب على الرجل أن يقدر زوجته ويحترم إسهامها فى حياتهم, وأنها حتى ولو كانت خفيرة فى المنزل فذلك فى النهاية ينتج عن انهماكها فى رعاية شئونه. وتتساءل د. هدي: ما هو الضرر فى أن تظهر زوجته بمظهر لائق فى العمل خاصة أن ذلك قد يكون إشارة لسعادتها فى المنزل وأن اهتمام زوجها بها ينعكس إيجابياً باهتمامها بنفسها، ولكن فى الوقت نفسه لا يجوز أن تتعامل الزوجات مع الأمر وكأنها تستيقظ صباحاً لتتقمص شخصية أخرى غير شخصيتها سواء من حيث المظهر أو السلوكيات، وأضافت أنه فى هذه الحالة سوف تكون كيانا مزيفا ومن المستحيل أن يصدقه الآخرون.