من مكان تجاوز عمره الألف عام وجاوزت أعمدته بتيجانها بديعة الزخرفة عنان العالم،من مكان ليس كأى مكان ،بل من منارة يهتدى بها مسلمو العالم إلى العلم والدين والحق والعدالة..أضاف الأزهر الشريف إلى سجل مواقفه الوضاءة على مر التاريخ مواقف عديدة فى عامنا هذا،كان لها صدى كبير، بل إن البعض رأى الازهر بطلا فى الاحداث الجسام التى مرت بالمسلمين، خاصة انه كان متهما بالتقصير..فما من حادث ارهابى إلا وكان «الازهر»متهما بالتقصير فى تجديد الخطاب الدينى .. لكن عددا من المواقف السياسية انطلقت من رحاب الازهر صنعت بطولة تؤكد أنه ما زال فاعلا قويا على الساحة العالمية قبل المصرية.. وفى السطور القادمة نتذكر ونذكركم ببعض المشاهد لإسهامات الازهر الشريف هذا العام . .............................................................................................. المشهد الأول فى رقعة بعيدة من بقاع العالم ..علت صرخات لبشر لا جريرة لهم سوى أنهم مسلمون.. صرخوا وصرخوا فاختفى صدى صرخاتهم بين موتى وجوعى وهاربين،ولم يبق عنهم إلا بعض الاخبار والصور التى تدل على همجية ووحشية فى التنكيل بهم فى تحد سافر لكل المواثيق الدولية وأنغام حقوق الانسان التى تعزف ضدنا فقط، لتموت الضمائر التى تعرف معانى العدل والحرية ،وطيرت وكالات الانباء العالمية صورا وأخبارا عن مسلمى ميانمار أو الروهينجا ..ليأتى من القاهرة صوت الازهر الشريف يساند وبقوة .. جاءت المساندة بشكل عملى فى بداية هذا العام،فاستضاف الازهر بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين الفرقاء المتصارعين لتقريب وجهات النظر فى «راخين»، فجمع على طاولة واحدة بالقاهرة عددًا من القيادات الشابة يمثلون الأديان والعرقيات فى ميانمار، ومنهم رهبان ورجال أديان، وذلك كخطوة أولى لوضع القضية على طريق السلام، إلَّا أن بعض القيادات الدينية فى ميانمار ضربت بهذه الجهود عرض الحائط، وسمحت لهم ضمائرهم أن يتحالفوا مع عناصر متطرفة مِن جيش الدولة المسلَّح، للقيام بعمليات إبادةٍ جماعيةٍ وتطهير عرقى ضد المواطنين المسلمين فى وحشية يندى لها جبين الإنسانية. واستمرت جهود الازهر لانقاذ ما يمكن إنقاذه ،ونذكركم هنا بكلمات حاسمة للامام الاكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر الذى قال «انطلاقًا من المسئولية الدينية والإنسانية للأزهر الشريف، والتزامه برسالته العالمية، لا يُمكنه أن يقف مكتوف الأيدى أمام هذه الانتهاكات اللاإنسانية، وسيقود الأزهر الشريف تحركات إنسانيةً على المستوى العربى والإسلامى والدولى، لوقف هذه المجازر التى يدفع ثمنها المواطنون المسلمون وحدهم فى ميانمار، ويطالب الأزهر الآن الهيئات والمنظَّمات الدولية وجمعياتِ حقوق الإنسان فى العالَم كُلِّه أن تقوم بواجبها فى اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق فى هذه الجرائم المنكرة، ولتعقُّب مرتكبيها وتقديمهم لمحكمة العدل الدولية لمحاكمتهم كمجرمى حرب جزاء ما ارتكبوه من فظائع وحشية،ويجب على الجميع أن يضع فى الاعتبار أن مثل هذه الجرائم هى من أقوى الأسباب التى تشجع على ارتكاب جرائم الإرهاب التى تعانى منها الإنسانية جمعاء». فى نوفمبر الماضى كان من المنتظر أن يزور شيخ الازهر على رأس وفد أزهرى رفيع المستوى مخيمات مسلمى ال «روهينجا» اللاجئين ببنجلاديش ليقف مع المقهورين منددا بالصمت الدولى والتخاذل الدولى عن نصرتهم،وتسليط الضوء على تلك المأساة الانسانية ،فضلا عن تجهيز مساعدات توزع على المسلمين لتخفيف وطأة البؤس والفقر ، لكن للاسف تأجلت الزيارة بسبب الحادث الارهابى الذى استهدف مسجد الروضة فى بئر العبد بشمال سيناء، وتم ارسال المعونات، وقبلها وفد أزهرى رفيع المستوى ، وما زالت جهود الازهر مستمرة فى هذا الشأن. المشهد الثانى فى بقعة أخرى، قريبة من قلوبنا قرب الجسد من الروح، ومقدسة قداسة مكةالمكرمة،فهى قبلة المسلمين الاولى ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم فى ليلة من أقدس الليالى،فى فلسطينالمحتلة ،حيث المسجد الاقصى الأسير،وقبيل إعلان الرئيس الامريكى رونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الامريكية الى القدس اتخذ الازهر قرارات فاعلة ومؤثرة ، أصدر مجلس حكماء المسلمين الذى يترأسه شيخ الازهر بيانا حذر فيه من تبعات القرار الأمريكى على الأمن والسلم العالمى و أعرب عن قلقه البالغ لما يُثار فى عدد من الدوائر السياسية ووسائل الإعلام الأمريكية حول اعتزام واشنطن نقل سفارتها إلى القدس ، مؤكدًا رفضه القاطع لذلك. كما دعا المجلس، منظمة التعاون الإسلامى، والجامعة العربية، وجميع قادة، ورموز العالم الإسلامى وكافة المؤسسات الدينية والمعنية إلى الدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، كما طالب المجتمع الدولى بالالتزام بكافة قرارات الأممالمتحدة ذات الصلة بمدينة القدس. وعقب صدور قرار ترامب يوم 6 ديسمبر الماضى كان الازهر اول جهة تصدر بيانا شديد اللهجة،دعا فيه إلى عقد مؤتمر عالمى عاجل حول القدس بمشاركة كبار العلماء فى العالم الإسلامى ورجال الدين المسيحى والمؤسسات الإقليمية والدولية المعنية، لبحث اتخاذ خطوات عملية تدعم صمود الفلسطينيين، وتبطل شرعية هذا القرار المرفوض الذى يمس حقهم الثابت فى أرضهم ومقدساتهم. وفضلا عن ذلك، أصدر قرارا بأن تكون خطبة الجمعة التالية للقرار فى الجامع الأزهر عن القدس الشريف وهويته العربية، وحث العرب جميعا على الوقوف صفا واحدا ضد كل الدعوات والمحاولات التى من شأنها تغيير هوية القدس العربية أو سلب حق أصيل من حقوق العرب. وشهد الازهر الشريف بالفعل بعد صلاة الجمعة مظاهرة حاشدة،و وجه الطيب نداء لأهالى القدس قائلاً: «لتكن انتفاضتكم الثالثة بقدر إيمانكم بقضيتكم ومحبتكم لوطنكم.. ونحن معكم ولن نخذلكم». ووصف شيخ الأزهر سياسة الكيل بمكيالين ودعم قوى الاحتلال الإسرائيلى الغاشم وسلب حقوق الشعوب وتراث الأمم وحضارتها بأنها سياسات غير حضارية ولن يكتب لها البقاء عاجلا أو آجلا، مؤكدا أن قضية عروبة القدس هى قضية العرب والمسلمين الأولى التى لن تموت أبدا وبدأ الأزهر الشريف فى تنفيذ قرارات الطيب ،حيث بدأ التحضير لمؤتمر عالمى لنصرة القدس ، من المقرر عقده فى يناير المقبل، ويعقد الأزهر حاليا اجتماعات مكثفة للتحضير للمؤتمر الهادف إلى التأكيد على «رفض القرارات الامريكية الباطلة بحق القدسالمحتلة، وبحث اتخاذ خطوات عملية لدعم الهوية العربية والفلسطينية للمدينة المقدسة. كما رفض د.احمد الطيب طلباً رسمياً من نائب الرئيس الأمريكى مايك بينس، للقائه يوم 20 ديسمبر الماضى، وكانت السفارة الأمريكيةبالقاهرة قد تقدمت بطلب رسمى لترتيب لقاء لنائب الرئيس الأمريكى مع شيخ الأزهر الشريف، خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكى للمنطقة، ووافق إمام الأزهر فى حينها على ذلك، إلا أنه بعد القرار رفض اللقاء، مؤكداً أن الأزهر لا يمكن أن يجلس مع «من يزيفون التاريخ ويسلبون حقوق الشعوب ويعتدون على مقدساتهم»، وفق بيان رسمى صدر عن الأزهر. وأضاف شيخ الأزهر فى كلمات حاسمة: «كيف لى أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون، ويجب على الرئيس الأمريكى التراجع فوراً عن هذا القرار الباطل شرعاً وقانوناً»، وحمل شيخ الأزهر الرئيس ترامب وإدارته المسئولية الكاملة عن «إشعال الكراهية فى قلوب المسلمين وكل محبى السلام فى العالم وإهدار كل القيم والمبادئ الديمقراطية ومبادئ العدل والسلام التى يحرص عليها الشعب الامريكى وكل الشعوب المحبة للسلام»..وبالطبع كان لهذه القرارات والكلمات الجريئة صدى طيبا فى قلوب المسلمين وكل القوى المحبة للسلام. المشهد الثالث نعود من حيث بدأنا .. من الأزهر الشريف ،حيث استقبلت المشيخة شخصية عالمية لها ثقل وكان لزيارتها أبعادا مهمة ،وخاصة أنها جاءت بعد قطيعة دامت 6 سنوات ليستقبل الازهر بابا الفاتيكان البابا فرانسيس فى زيارة تاريخية لمصر والازهر، حيث تعددت اللقاءات سابقا بين الوفود، لتكلل بلقاء بين البابا والإمام الأكبر شيخ الأزهر، تلبية لنداء الازهر وللمشاركة فى مؤتمره العالمى للسلام . وجاءت تلك الزيارة لتؤكد حرص الازهر على السعى للتعاون من خلال الدعوة لترسيخ فلسفة العيش المشترك واحياء منهج الحوار واحترام عقائد الاخرين لصالح المستضعفين دون فرز أو تصنيف والوقوف فى وجه سياسات الهيمنة ونظريات صراع الحضارات ونهاية التاريخ ودعوات الالحاد وغيرها. وفى كلمة الشيخ أمام البابا تساءل قائلا :«كيف أصبحَ السلام العالمى الآن مع كل هذه الإنجازات هو الفردوس المفقود؟ وكيف شهدَ عصر حقوق الإنسان من الأعمال الهم ما لم يشهده عصر من قبل ؟». وأجاب «اعتقد انها تجاهل الحضارةِ الحديثة للأديان الإلهية ، وقيمِها الخلقية الرَّاسِخة التى لا تتبدل بتبدل المصالح والأغراض، والنَّزوات والشَّهوات واعلاء قيمة الأُخوة والتَّعارُف والتَّراحم بين الناس، حتى لا يتحول العالَم إلى غابة من الوحوشِ الضارية يعيش بعضُها على لحوم بعض. وطالب الشيخ فى هذا اللقاء المهم بتنقِية صورة الأديان مما علق بها من مفاهيم مغلوطة، وتطبيقات مغشوشة وتدين كاذب يؤجج الصراع ويبث الكراهية ويبعث على العنف.. وألا نحاكم الأديان بجرائم قلة عابثة من المؤمنين بهذا الدين أو ذاك». ............................. المشاهد السابقة إذن ذكرتنا بدور الازهر العظيم وبالطبع ترد على من يدعون أن الازهر اصبح بلا دور حاليا كما يقول الدكتور أيمن فؤاد رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ،مؤكدا أن الأزهر انطلق من دوره القديم التاريخى حيث شارك بمواقفه الرائدة فى الحياة المصرية والعربية،حيث جاء التحول الكبير في دور الجامع الأزهر مع وصول الحملة الفرنسية إلي مصر، سنة 1798م،ثم أثر الازهر في الحياة العامة في مطلع القرن العشرين بطائفة من نوابغ المفكرين والصحفيين والأدباء الذين درسوا في مرحلة من حياتهم في الجامع الأزهر، وكان لهم أثر يذكر في توجيه الرأي العام وإيقاظ الشعور الوطني الذي تجلي خلال ثورة سنة 1919م. وكانت التطورات التي شهدها العالم في العقد الثاني من القرن العشرين نتيجة اندلاع الحرب العالمية الأولى خلال الفترة من عام 1914 حتى عام 1918م إيذانا ببدء عهد جديد لمصر والأزهر فى محيط العالم الإسلامي. وهنا دخل الأزهر في مرحلة جديدة من تاريخه نتج عنها أن أصبح يمثل بالتدريج المرجعية الدينية الأولي للعالم الإسلامي السنى، وأوكل إليه الملك فؤاد الأول في سنة 1925م تنظيم مؤتمر دولي عن الخلافة، وهي المرة الأولي التي يعهد فيها إلي الأزهر بالقيام بدور مساعد في السياسة الخارجية المصرية يدحض فيه فكرة الخلافة ويثبت أنها ليست من أصول الإسلام. وتعددت مواقف وأدوار الازهر انطلاقا من هذا المبدأ -أى كونه المرجعية الاولى للعالم الاسلامى السنى -من الصعب استعراضها ،كما يقول د,أيمن فؤاد فى هذه السطور الوجيزة لينطلق وصولا إلى 30 يونيه عام 2013 وحتى هذه اللحظات ،لذلك جاء دوره السابق مع القدس ومسلمى ال «روهينجا» وبابا الفاتيكان،أما تجديد الخطاب الدينى فهو مرتبط باعادة تقييم للمناهج ومنظومة جديدة متكاملة تستغرق وقتا وجهدا طويلا . وسيظل الازهر شعلة ومنارة يهتدى بها المظلومون فى العالم أجمع كل عام وليس هذا العام فقط.. بإذن الله.