كيف تصف عام 2017 فى كلمة واحدة؟ المطلب صعب جدا. فهذا العام كان حافلاً بالأحداث والتطورات، مليئاً بحركات الاحتجاج الشبابية والنسوية، مفعماً بكشف فضائح تحرش صادمة وممنهجة، وبالتالى من الصعب جداً وصفه فى كلمة واحدة. العام الماضى مثلاً، 2016 عام انتخاب دونالد ترامب رئيساً لأمريكا والخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى (بريكست) كان حافلاً بالتطورات غير المتوقعة، لكن غالبية قواميس العالم اتفقت على أن كلمة 2016 يجب أن تكون «ما بعد الحقيقة»(Post-Truth)، للتعبير عن الدور الهائل والمخيف الذى لعبته الأكاذيب فى تحريك العالم خلال ذلك العام. لكن هذا العام وبسبب أحداثه الحافلة، اختارت كبريات قواميس العام كلمات مختلفة لوصف 2017. فقاموس «كولينز» اختار كلمة «أخبار وهمية» (Fake News) ككلمة العام. أما موقع «ديكشنيرى دوت كوم» وجد كلمة أخرى تعبر عن روح 2017 أكثر من أى كلمة أخرى وهى «تواطؤ». (Complicit) أما قاموس اكسفورد فاختار كلمة «زلزال الشباب» (Youthquake) كلمة العام. بينما وجد قاموس «وبستر» أن كلمة العام يجب أن تكون «الحركة النسوية»(Feminism). الكلمات الأربع، إضافة إلى كلمات أخرى وردت فى القائمة القصيرة لكلمة العام، يربطها برغم اختلافها، خيط واحد وهو أنها كلها تعبر عن عام حافل بالتغييرات الاجتماعية والثقافية والسياسية التى لعبت فيها النساء والشباب بالذات دوراً بارزاً. «الأخبار الوهمية»، ربما أكثر الاختيارات منطقية لهذا العام. ويقول القائمون على معجم «كولينز» إن تعبير «الأخبار الوهمية» زاد استخدامه بنسبة 365% هذا العام مقارنة بعام 2016. أما الشخص الأكثر استخداماً لهذا التعبير على مستوى العالم فهو دونالد ترامب. فخلال الشهر الجارى مثلاً، استخدم ترامب «الأخبار الوهمية» على حسابه على «تويتر» وفى تصريحاته العامة أكثر مما استخدم أى تعبير آخر، خاصة كلما كان يتحدث عن التحقيقات التى يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية (أف بى آي) حول علاقة حملته الانتخابية بالمسئولين الروس. ويوضح قاموس «كولينز» أن تعبير «الأخبار الوهمية» بدأ يستخدم فى التسعينيات على شاشات التليفزيونات الأمريكية لوصف «معلومات كاذبة، غالباً مثيرة، تحت ستار الأخبار». و»الأخبار الوهمية» ليس مجرد تعبير شاع وانتشر هذا العام، إنه أيضا «ثقافة مضادة» تتبلور، لها سلبياتها وايجاباتها، فيما يتعلق بعلاقة المجتمع بوسائل الإعلام. فحالياً هناك قطاع كبير من الأمريكيين، خاصة فى الولايات الجنوبية، لا تصدق كلمة واحدة مما تبثه وسائل الإعلام الكبرى باعتبار انها «أدوات كذب» كما يردد ترامب. ومع أن هذا التوجه قد يساعد فى التفكير النقدى المستقل، إلا أنه يجعل الكثيرين أسرى وسائل محدودة وقليلة جداً تشكل رأيهم. أيضا من التعبيرات التى وضعها قاموس «كولينز» فى قائمته بأهم 10 كلمات فى 2017، تعبير «غرفة الصدي» (Echo chamber) (وأفضل ترجمة عربية لها التهليل) وهو تعبير يشير إلى مناخ استقطاب متزايد على مواقع التواصل الاجتماعي، مفاده أن الأشخاص يتجهون للتعبير عن أرائهم وسط مجموعات تتطابق معهم فى التفكير، وبالتالى يكون رد الفعل على أرائهم هو «اعجاب» أو «ترديد» نفس الأفكار والتهليل لها. هذا الاتجاه شهد زيادة لافتة على مدار السنوات الخمس الماضية وهو يعكس استقطاباً متزايداً فى المجتمع، فكل جماعة تريد سماع ما هى مؤمنة به فعلاً ولا تحبذ التعرض لأراء مختلفة كثيراً عما تؤمن به، وهو ما عزز ظاهرة «غرفة الصدي». فى عام 2017، لعبت النساء دوراً بارزاً فى صناعة الأحداث، وبالتالى فى صياغة اللغة. فمن ممارسات التحرش الممنهجة ضد النساء فى أكبر المؤسسات والشركات الغربية (هوليود، البرلمان البريطاني، امازون، شركة اوبر للسيارات، الجيش الأمريكي)، خرج هاش تاج «أنا أيضاً» للتعبير عما يشبه الوباء المسكوت عنه فى العالم. ولا غرابة أن تكون كلمة العام بالنسبة لقاموس «وبستر» هى «النسوية» التى زاد البحث عليها بمعدل 70% على الموقع الالكترونى للقاموس منذ مطلع العام الجاري، خلال تنصيب ترامب عندما خرجت مئات المظاهرات فى أمريكا فى «مسيرات النساء» احتجاجاً عليه. ومنذ ذلك الحين لم يخف الاهتمام بالكلمة. ويقول قاموس «وبستر» إن الاهتمام بالكلمة تجاوز السياسى إلى الثقافى والاجتماعي، خاصة بعد أرقام عالمية أظهرت أن دخول النساء عالمياً تقل عن دخول نظرائهم من الرجال بنحو 17%، وان الفجوة بين الجنسين ما زالت كبيرة فى التمثيل السياسى والمناصب المهمة. أما موقع «ديكشنيرى دوت كوم» فلم يجد كلمة أفضل من «التواطؤ» للتعبير عن العام الجاري. فهذه الكلمة زاد استخدامها 300% هذا العام، وهى تعني: الصمت إزاء ممارسات الشخصيات القوية التى ترتكب تجاوزات. وهذه الكلمة الصغيرة وحدها تلخص عام من التحرش واستغلال النفوذ عبر ضفتى الأطلنطي. ففى أمريكا استطاع المنتج الأمريكى النافذ هارفى وينستين على مدار أكثر من ثلاثة عقود الإفلات من المحاسبة والعقاب على تورطه فى المئات من حوادث التحرش، خوفاً من سطوته فى واحدة من أصعب الصناعات فى العالم وهى صناعة السينما. نفس الظاهرة عاشتها بريطانيا بعد كشف تورط العشرات من السياسيين والمشاهير والرياضيين فى ممارسات مماثلة لم يتحدث عنها أحد لعقود بسببب «التواطؤ». أما كلمة العام بحسب قاموس اكسفورد فهى «زلزال الشباب» وتعنى «تحولات ثقافية وسياسية واجتماعية نابعة من أفعال وتأثير الشباب». فخلال عام 2017، ارتفع استخدام هذا التعبير فى الخطاب العام بنحو 40% مقارنة بالعام الماضي، وذلك نتيجة الأحداث فى بريطانيا وأسبانيا ونيوزيلاندا، حيث أدت تحركات الشباب، تلك الشريحة العمرية التى لطالما أتُهمت بالسلبية السياسية، إلى تغييرات كبيرة. ففى بريطانيا مثلاً، استطاعت حركة شبابية لم يسمع عنها الكثيرون وهى «مومنتيوم» (أى الزخم) إحداث تغيير جذرى فى المشهد السياسى البريطاني. فهذه الحركة الشبابية التى تأسست فى أكتوبر 2015 وتميل لأقصى اليسار استطاعت عبر شبكتها الواسعة من الناشطين والمتطوعين جذب مئات الآلاف من الناخبين الشباب الذين لم يصوتوا من قبل فى أى انتخابات، للتصويت فى الانتخابات العامة البريطانية فى يونيو الماضي، ما أدى إلى زيادة عدد مقاعد حزب العمال البريطانى بزعامة جيرمى كوربن فى البرلمان ب30 مقعداً. وبرغم أن قاموس اكسفورد يميل عادة إلى اختيار كلمة العام من كلمات جديدة لم تدخل القاموس وتكون تعبيراً عن روح ومزاج العام، إلا أن كلمة «زلزال الشباب» ليست كلمة جديدة فى القاموس. بل فى الواقع كلمة قديمة صيغت منذ الستينيات على يد رئيسة تحرير مجلة «فوج» الأمريكية ديانا فيريلاند لتصف الثورة الثقافية التى قادها الشباب فى بريطانيا فى الستينيات، عبر الموسيقى والملابس والفن. أيضا من كلمات 2017 «انتيفا» (Antifa) وهى اختصار لكلمة «ضد الفاشية»، تلك الحركة الاحتجاجية التى ظهرت فى الكثير من الدول الغربية هذا العام، خاصة فى أمريكا، احتجاجاً على التيارات اليمينية المتطرفة والفاشية وأنصار «سمو الجنس الأبيض». وبحسب قاموس «كولينز» تزايد استخدام تعبير «انتيفا» عام 2017، بنحو 7000% ويرتبط بهذه الكلمة تعبير جديد دخل القاموس هذا العام أيضا وهو «الهشاشة البيضاء» (White fragility) والتى تشير إلى الانزعاج والحساسية من جانب البيض عندما يواجهون بمعلومات عن عدم المساواة أو التمييز العنصرى ضد السود. أيضا ظهرت كلمة «اختطاف الأخبار» (Newsjacking) ضمن قائمة ال10 كلمات الأكثر تأثيراً 2017 وهى تشير لسلوك يقوم على الاستفادة من الأخبار من أجل الإعلان عن منتج أو علامة تجارية أو تحقيق مكسب شخصي. وبينما يشهد عام 2017 أيامه الأخيرة، فإنه من اللافت أن الكثير من الكلمات التى وردت فى قوائم كلمة العام «مشحونة سياسياً». فهذا العام ما زال يشهد تداعيات البريكست فى بريطانيا، وانتخاب ترامب فى أمريكا، والحركة الانفصالية فى إقليم كاتالونيا الأسباني، وصرخات النساء فى العالم ضد التحرش الجنسي، والحركات الاحتجاجية فى أمريكا ضد التمييز ضد السود،وهى كلها قضايا حركت المشاعر والنقاش العام فى 2017، وبالتالى ليس من الغريب أن تستمر السياسة فى صياغة اللغة اليومية والتعبيرات الجديدة.