كيف نبصر النور من داخل الظلام؟، وكيف نشعر بالراحة فى لحظة الألم؟، بل ومن يقدر على أن يودع الحياة مبتسما وهو يلتقط صورة سيلفى مع الموت؟! هى فكرة غريبة وصادمة بقدر ما هى صوفية وصادقة كتبتها وجسدتها الفنانة نشوى مصطفى على مسرح ميامى فى عرض مونودراما شديد الحيوية أخرجه الموهوب محمد علام صاحب تجربة العطر التى شارك فيها الصم والبكم على مسرح الطليعة قبل عدة أعوام. التفكير فى الموت شغل أغلب الناس لكن نادرا ما نجد عملا دراميا يتحدث عن مصير ساكنى القبور ليس بالمفهوم الدينى وحده وإنما كحالة تأمل فنى واستشراف للمجهول المعلوم لنا على وجه اليقين.. ولعل من أجمل التجارب السابقة التى دارت حول نفس الفكرة مسرحية يا مسافر وحدك تأليف وإخراج د. هانى مطاوع وبطولة الموهوب الفذ نور الشريف.. وعندما سألت صديقى وأستاذى الراحل هانى مطاوع عن هذه المسرحية قال لى إنها تجربة ذاتية، بمعنى أنه يقاوم من خلالها مخاوفه من الموت ويمازح تلك اللحظة المهيبة فى حياة كل إنسان.. ولعل نفس الدافع هو ما شجع نجمة الكوميديا المتألقة على دخول عالم الكتابة المسرحية من أصعب الأبواب وهو باب المونودراما أو عرض الممثل الواحد كنوع من العلاج الذاتى من الخوف والألم. وبهدف تسجيل شهادة إنسانية خاصة ومواقف محددة من قضايا اجتماعية ملحة، وربما أيضا كأسلوب جديد فى كتابة السير الذاتية مختزلة ومكثفة فى لحظات ومشاهد موحية، حيث نجد فى العرض صورة لوالد الفنانة وهى تسترجع مشهد مفارقته للحياة وإحدى يديه تتشبث بأصابعها ويده الأخرى تتوق للمغادرة والسعى إلى بلاد النور.. كما نجد لوحات متتابعة شديدة التدفق تصور أهم لحظات الحياة من وجهة نظر الكاتبة بعضها يثير الضحك والسخرية المرة من صراعات الحياة وتفاصيلها التافهة.. وبعضها الآخر يثير الشجن ويستدعى قصص الحب المهزومة.. والبعض الثالث يحملنا إلى عالم طفولى يمتزج فيه الواقع بالحكايات والأساطير. أجاد محمد علام توظيف الديكور الشديد البساطة والثراء لمحمد حشيش والذى نرى فيه اللحود جامدة ثم تقف فجأة على خيوط ترفعها من أعلى سقف المسرح «السوفيتا» لتجسد أدوار الشخصيات الصامتة التى تشارك البطلة فى تخيلاتها، بينما لم تكن الإضاءة على نفس القدر من النجاح ولا أدرى هل قصد أبو بكر الشريف أن تقف بطلة العرض فى بقعة باهتة من الضوء باعتبارها تجسد شخصية متوفاة أم أنه بالغ فى جذب النظر للوحة فى خلفية المسرح على حساب إضاءة الممثلة الوحيدة؟، أما نجمة العرض فلقد أثبتت بالدليل القاطع أنها ممثلة مسرح من طراز رفيع وأن مخرجى السينما الذين قيدوها من قبل فى أدوار خفيفة ومكررة قد ارتكبوا جريمة فنية فى حق موهبة كبيرة قادرة على تجسيد الكوميديا والتراجيديا بنفس الصدق والبساطة.