هو الوحيد فى القرية كلها الذى كان لا يعرف ما يجرى فى بيته من خلف ظهره. يمشى فى الشوارع شامخًا بأنفه، وكرشه أمامه مترًا، وطرف عينه اليمنى يحط على فوهة بندقيته الميرى المعلقة فى كتفه، بينما يلمح طرف عينه اليسرى الجالسين على المصاطب، وعتبات البيوت الخفيضة، فيلقى عليهم السلام، دون أن يلتفت إليهم. لاحظ ذات يوم، أنه كلما مر بجماعة تهامسوا، وهم يرسلون إليه نظرات من أطراف خفية. بعضهم كانوا يكتمون ضحكاتهم، وبعضهم كانوا يهزون رءوسهم، موزعة عيونهم بين الشماتة والشفقة. ظن أن شيئًا غير معتاد قد جذب انتباههم، فما أن وصل إلى البيت حتى أزاح البندقية عن كتفه، ووضعها أمامه على حصير نظيف، وأمعن النظر فيها، فلم يجد بها ما يدعو هؤلاء إلى الهمس. خلع جلبابه، وراح يقلبه أمام عينيه، فربما يكون به مزق أو فتق أو قطع لم يره، لكنه لم يجد ما يدعو للضحك. خلع حذاءه وجوربه وطاقيته، وقلب عينيه فيها، لكنه وجد كل شيء على ما يرام. «لماذا يهمسون إذًن؟» ... سأل نفسه بصوت عال، وصل إلى ابنته الكبرى «علية» فجاءت تجرى على استحياء، وهى تحسب أنه يناديها. وقفت أمامه مطأطأة الرأس، وقالت بصوت خفيض: أُحضر لك الغداء . صرخ فيها: ارفعى صوتك. لكنها اعتادت أن تهمس، فهو الذى أخذها أخذًا شديدًا إلى الهمس والصمت والإشارة، منذ صغرها حين صفعها على وجهها بقسوة ذات يوم: صوت البنت لا يعلو. ومن يومها ولسانها يتحرك خفيفًا كى تخرج الحروف واهنة. وهكذا تفعل أختها الصغرى «رضية» التى نالت هى الأخرى صفعة أورثتها وجعًا مزمنًا فى الأذن اليمني. أما ابنه الوحيد، الذى كان سنه أصغر من ابنتيه، فلا يكف عن الجلبة، فى ذهابه وإيابه، مادًا عنقه إلى أعلى ليعوض قصر قامته بلا جدوي. لكن صوته كان يتهدج قليلًا أمام أبيه، فإن لم يكن فى البيت ينتهز الفرصة ليزجر أختيه. يجلس على الكرسى الخيزران، ويضع ساقه اليمنى فوق ركبته اليسري، وينطلق فى إصدار أوامره التى لا تنتهي. هما لا تردان له طلبا، فقد عودهما الأب منذ الصغر أن أخاهما رجل، وما يطلبه منهما يجب أن يُلبي. كانتا تنظران إليه فى البداية باستهانة، فقامته القصيرة ونحافته، وصوته المسرسع، وفارق السن بينه وبينهما لا تجعل وصف رجل أمرًا مقنعًا بالنسبة لهما. لكن بمرور الوقت فعلت ضغوط الأب عليهما ما لم يكن فى الحسبان. كان الأخ، واسمه «كامل»، ينادى بصوت كثغاء الماعز: رضية. فتأتى سريعًا، وتقف أمامه فى أدب، ينظر إليها حتى ناصيتها المكللة بشعر فاحم السواد غزير، ولا يتكلم، تاركًا إياها متخشبة أمامه كتمثال، حتى يقرر منفردًا أن تنصرف. تكرر هذا منذ اليوم الذى نادها آمرًا، وجاءت ووقفت كعادتها، فنظر إليها مليًّا وقال: عاوز أشرب. مضت صامتة إلى الزير الضخم الواقف فى ركن الصالة الطويلة المعتمة، وعادت لتمد إليه الكوب: تفضل. ترك يدها ممدودة، ونظر إليها ساخرًا: أغاضبة أنك أحضرت لى الماء؟ هزت رأسها نافية: لا. لا. لكننى متعبة. قهقه، وقال بصوت فيه غنج: الحب متعب فعلًا. تلفتت حولها مرعوبة، ودفعت يدها لتغلق فمه، لكنها ردتها إلى فمها قبل أن تصل إليه، وضغطت، فخرجت الحروف من بين أصابعها مخنوقة: اسكت .. الله يخليك .. أبوك يسمعك. وضع أصابعه على عينيه ليمسح الدموع التى ملأتهما فجأة، وقال: أنا لا أهددك، لكننى لست راضيًا عما تفعلين. إن قلت لأبيك سيقتلك، وقد يقتلنى لأننى عرفت منذ مدة، ولم أنطق. وإن لم أقل له أخاف أن يحدث ما هو أشد. اتسعت عيناها هلعًا وقالت له بصوت لا يكاد يخرج: ماذا تريد يا أخي؟ تنهد بحرقة وقال: تُنهى حكايتك مع ابن «أبو سليم». حسبت أن حكايتها لن تصل إلى أحد غير أختها «علية» حين فاتحتها بها والخوف يأكلها، لكن صوت شجارهما وصله، وها هو يهددها. اقتربت منه، وهمست فى أذنه: أعدك بأن تنتهى الأمور على خير. أبعدها بيده، وهو ينفخ: لا أثق فيك. صمتت برهة، وسألته: أليس مصيرى الزواج فى النهاية؟ داس على ضروسه وقال غاضبًا: الزواج وليست المسخرة مع هذا الكلب، كما أنه لا يصلح زوجًا لك أصلًا، أنسيت من نحن، ومن هو؟ اكتسى وجهها بمسحة غضب لأنه وصف من تحبه بالكلب، وقالت له بصوت تبلله الدموع: لا يصح أن نسب الناس. صرخ فى وجهها هذه المرة: أتحرصين عليه أكثر من أخيك؟ أرادت أن تجيبه بكل جرأة: نعم. لكنها بلعت لسانها، وتاهت فى دنيا أخري، غير التى تدور بين جدران هذا البيت، الذى صار لها ولأختها سجنًا. رأته هناك جالسًا تحت شجرة صفصاف فارعة الطول، تشاكس فروعها المدلاة ماء الترعة المنساب على مهل، وحمرة المغيب تحط على رأسه فاتحة الطريق لعتمة الليل التى ستستره حين يفتح ذراعيه ليأخذها، ثم يلفح وجهها بحرقة شوق يتركه على شفتيها المكتنزتين. كانت ترتعد كقطة يضربها الصقيع، وكان هو لا يكف عن إطلاق الحروف الساخنة التى تجعلها تتقافز من شدة الفرح. أدمنت هذه اللحظات السعيدة، وآمنت أنها تستحق منها المغامرة، حتى إنها قالت لنفسها ذات مرة، وهو يضغط على جسدها اللين بعد أن طوقه بساعديه: لا أقدر على الاستغناء عن المجئ إلى هنا. كانت تعتبر هذا اللقاء السريع الذى تنتظره كل أيام الأسبوع هو ما يعينها على البقاء حية فى بيت أبيها. حين كان الأب يصرخ فى وجهها كانت تبعد عينيها عن عينيه، وتشرد فيما يجرى لها هناك تحت الشجرة، فلا تسمع صراخه. وكان هو يحسبها قد أصيبت بالتبلد، فيستمر فى سبها، وحتى حين كان يصفعها، تضحك فى داخلها ساخرة منه، وهى تقول فى نفسها: متى يعلم أبى أن قوة الرجل فى حنانه وطيبته؟ وذات ليلة قالت لأختها «علية» وهى تحضن وسادتها الخشنة: الحياة بلا حب لا تطاق. وقتها لم تكن «علية» تدرى عن أى شيء تتحدث أختها الصغري. كانت تعرف أن «رضية» تنتهز ذهاب أبيها إلى نقطة الشرطة الكائنة فى قرية مجاورة قبيل غروب كل خميس، لمراجعة السلاح والذخيرة والحضور فى الدفاتر الميري، وتتسلل من البيت إلى الشارع، ماشية على أطراف أصابع قدميها، تتلفت حولها حتى تدخل بيت الجيران. عند هذا الحد كانت «علية» تعرف، أما ما بعد ذلك، فلم يصل إلى سمعها أو بصرها. كانت لا تكف عن تأنيب «رضية». تقف لها عند باب البيت، وهى عائدة تترقب، وتنظر إليها فى غضب، وتقول: آخرتك المشنقة. وأحيانًا كانت تقرص أذنها وتقول وهى تتنهد بحرقة: غيظى منك يأكلني، لكننى لا أقوى على إيذائك. وكانت «رضية» تقترب منها كل مرة، تسبقها ابتسامة عريضة وتقول: أنت أمي. لم تكن «علية» تكبر أختها سوى بخمس سنوات، لكنها قامت فى حياتها مقام الأم، التى أعادها أبوها إلى أهلها فى قرية بعيدة، بعد أن مسها الجنون. كانت تقف خلف النافذة، وخلفها قطع من الطوب والأحجار، جمعتها من فوق سطح البيت، وكلما مر أحد فى الشارع، قذفته بواحدة، حتى صار كل من يمر أمام البيت يرفع رأسه نحو النافذة فإن لمحها واقفة يعود أو يضع كفيه على رأسه، ويهرول قبل أن تراه. بعضهم كانوا يلصقون أجسادهم بجدار البيت المقابل، ويتتبعون، فى حذر، ظلها خلف شيش النافذة. كان الأب يدفع ابنه وبنتيه، وهم صغار، ليجمعوا كل الأحجار والطوب من فوق السطح، ويخفونها بعيدًا عنها، أو يلقونها على أسطح الجيران. فلما لم تجد ما تضرب به الناس، قفزت إلى الأسطح المجاورة، وجمعت ما تريد. وأحيانًا كانت تخلع قوالب الطوب وتضربها بقوة على الأرض فتتفتت إلى قطع صغيرة، تملأ منها حجرها، وتجرى إلى النافذة. تحملها الناس كثيرًا، لكنهم تعبوا فى النهاية، وضجوا بالشكوي، وهو لم يكن ينتظر شكاية من أحد، ففى يوم قذفته بحجر سقط على رأسه، وانفجر الدم غزيرًا، وبينما هو أخذ يصرخ فزعًا، كانت هى تضحك، وتخرج له لسانها. جرت إليه يومها بنتاه، وأخذتا تضمدان جرحه، وتهدآنه: غصب عنها. قالتها «علية» باستعطاف، فرماها بغضب من طرف عينه، وقال: عارها يلاحقنى فى كل مكان. طوحت «رضية» يدها فى الهواء، وقالت: أمى ست شريفة، وما فيها من الله. نظر الأب إلى يدها وهى عائدة إلى جانبها، وقال: تكلمى من غير ما ترفعى يدك. وحسبت أن جرحه قد أضعفه، وأنه قد صار فى حاجة إليها وأختها، كى تخففا عنه ألمه، وتصبراه على مصيبته فى أمهما، لكنه بنظرة واحدة أعادهما إلى ما اعتادا عليه، حيث تقفان أمامه، دون أن ترفعا عيونهما فى عينيه الطافحتين بقسوة متناهية، يبررها هو للذين يطلبون منه أن يرأف بهما: لا تنسوا أننى أب وأم، ولولا هذا لضاعت البنتان وأخوهما. واختلط الخوف بالقسوة فى نفسه فحبس بنتيه فى البيت تمامًا، لا تنظران من النافذة، ولا تفتحان الباب لغريب، والغرباء كل أهل القرية ما عدا هو وابنه وعم أولاده وزوجته وابنتهما الوحيدة، الذين يأتون فى زيارات متباعدة. أما إن صعدتا إلى السطح فعليهما أن تحرصا على ألا يراهما أى من الجيران. لهذا بنى سورًا حول السطح، يغطى رأس الواقفة منهما حتى لو اشرأبت بعنقها لترى الزراعات الممتدة هناك خلف البيوت، والجسر العالى الذى يصل الفلاحين إلى حقولهم. سور كامل ليس فيه سوى فتحة جانبية وحيدة صغيرة، تركها لتسهل الاتصال بسطح جاره العجوز، الذى يستعمله، بموافقته، فى تخزين تبن وحزم برسيم يابسة لبهائمه، وذرة شامية. كانتا تتسللان فى الضحي، حيث الشمس النوامة الأليفة، وبعد العصر لتتابعاها وهى تنزف فى بطء حتى تتدثر بالليل خلف النخيل الباسق. وطالما ذهبت عيونهما مع القطار الذى يبدو لهما من بعيد دودة تجرى فوق بساط أخضر. ويهتز قلباهما حين يزعق بصوت مجروح، مسرعًا نحو بلاد لا تعرفانها. وطالما حلمت كل منهما أن تركبه ذات يوم، وتترك البلاد تجرى أمام عينيها بلا توقف. أحيانًا كانت «علية» تقول ل «رضية»: أدفع عمرى كله، وأركبه مرة، لأرى الناس والبلاد. وتلتفت إليها لتجدها غارقة فى دموعها وهى تقول: يبدو أننا سندفن هنا، لن يرانا أحد، ولن نرى أحدًا. تجلسان تحت السور مختبئتين من العيون التى يمكن أن تمتد إليهما من البيوت المجاورة، ثم تمدان رأسيهما سريعًا، لتغرفا من الفضاء الفسيح المظلل بالغمام، وتعودان قبل سخونة الظهر، وعند الغبش، مسرورتين، بعد أن طردتا جزءًا من الكآبة التى ركدت فى نفسيهما طيلة الليلة الفائتة، وأول النهار. كانت هذه هى فسحتهما الوحيدة، لكن حين لمحتهما امرأة كانت تقف أمام خنان دجاجها، حرمهما من هذه الفسحة. يومها عاد إلى البيت غاضبًا، ضرب الباب بقدمه، فانفتح على عيون يملأها الخوف. خلع بندقيته من كتفه. وجلس على الدكة الخشبية الممدة تحت جدار مواجه للنافذة، وصرخ: علية .. رضية. ولفت انتباهه أن النافذة مواربة قليلًا، فنهض إليها وأغلقها، فهرب النور، وفرشت العتمة رداءها على رأسى البنتين اللتين كانتا تتقدمان فى خوف، حتى وقفتا أمامه ترتعشان. رماهما بشرر عينيه، وقال وهو يدوس على أسنانه التى أثرمها دخان الكيوف: هل صعدتما إلى السطح؟ تنهدت «علية» وقالت: كما نصعد كل يوم، نتشمس، ونضع القمح والماء للدجاج. أشاح بوجهه عنها، وأعاده إليها بعد أن ضخ فيه كل ما بوسعه من غضب، وقال: لا أقصد هذا. أنت تعرفين ما فعلتيه وأختك. لم نفعل شيئًا. بل رفعتما رأسيكما، ورآكما الجيران. أطرقت قليلًا، وعادت إليه: رأتنا امرأة على سطح بعيد، وأخفينا وجهينا عنها سريعًا. هز رأسه ساخرًا: سريعًا. وساد صمت، قطعه هو وقال: رأت كل شيء، ووصفتكما لزوجها، فوجدته يقول لى حين رآني: «عندك بنتان زى القمر يا فخري». كادت الفرحة أن تهزهما، لكنهما تمالكا نفسيهما، وأرادتا أن تجريا من أمامه، لتختليا فى غرفة رائقة عتمتها، تتبادلان فيها نظرات بهيجة، وتحط كل منهما يديها على صدرها، وأخرى فوق ركبتها، ثم تهبان واقفتين، وتسرعان إلى المرآة، لتحملقان فيها طويلًا. تبادلتا النظرات، وقالت له «رضية»: نعدك بألا يرانا أحد. زفر فى ألم، ثم وضع رأسه بين كفيه، ولاذ بالصمت، فوجدت كلتاهما فرصة كى تنسحبا فى هدوء، وتتركاه لما تاه فيه. كانتا تعرفانه جيدًا، فقد وجدتاه ذات ليلة يجلس بينهما مترنحًا من فرط الأسي، ويبوح بما كتمه عنهما سنوات طويلة: لا أريد أن أقتل واحدة منكما. وصلهما ما يقوله على أنه نوع من التهديد المستمر لهما. لكنهما تفاجئتا بقوله: أبى قتل أختى لأنها خرجت عن طوعه. قتلها؟!! سألتا فى صوت واحد، وتطلعتا إلى وجهه الذى أخذ يلمع وراء دموع تسللت من مقلتيه اللتين ملأهما نور لمبة بيضاء، هزها نسيم خفيف، كان يداعب سقف حجرة نومه، وكانت المرة الأولى والأخيرة التى رأتا فيها دموعه. لم يمر وقت طويل، حتى جاءت إجابته: عيَّره الناس بها، فخنقها بقسوة، حتى طلعت روحها بين يديه. ولمَ عيَّروه؟ سألت «رضية». صمت برهة، وقال: أخبروه بأنها تحب ابن الكَلَّاف، وتقابله سرًا. لاذتا بصمت مطبق، وكل منهما تنظر إلى الأخرى فى عجب، ثم سألته «علية»: وهل جدى نال جزاء ما فعل؟ هز رأسه يمينًا ويسارًا: لا. هذه جريمة؟ أبلغوا الناس أنها سقطت من فوق السطح، وأخرجوا لها تصريحًا فى ثوان من الوحدة الصحية، ودفنوها. وهل صدق الناس؟ لا أحد منهم يجرؤ على قول غير ما قيل لهم. وطبيب الوحدة الصحية؟ جدك كانت يده فى جيبه طيلة الوقت. لا أصدق. صدقي، وهذه ليست المرة الأولى التى يحصل فيها هذا. ثم رفع رأسه، ونظر إليهما طويلًا، وقال: أتعرفان «جرجس» الخياط؟ ابتسمت «رضية» ساخرة: رأيته وأنا صغيرة، حين كنت تسمح لى بالخروج إلى الشارع. تجاهل ما قالته، وذهب مباشرة إلى ما أراد أن يقوله: كان يكره امرأته، ولم تقتنع الكنيسة بالأسباب التى قدمها لها من أجل الطلاق، فغافلها ذات مرة، ووضع فوقها ماجور العجين، وجلس فوقه، ولم يقف حتى قطعت الأنفاس. لم يقل للناس غير ما قاله جدك، بل كان هذا قبل خنق عمتك بسنوات، وعرف أهل القرية الحقيقة، وصمتوا، فهو الخياط الوحيد فى البلد، وسجنه يعنى أن ندور بأقمشتنا على بلاد الناس. كل هذا يحل برأس «رضية» وهى مستكينة فى صدر فتاها تحت الصفصافة، يلفهما الغبش والصمت، فتفزع وتتراجع خطوة، لكنه يضمها، فتنسى عمتها المخنوقة، وامرأة جرجس المقتولة، لاسيما حين يمرر هو شفتيه برفق على عنقها، بعد أن ينزع عن رأسها الإيشارب الملون. وتقول لنفسها وهى راجعة تسبقها خطواتها: لم يفعل بى سوى الأحضان والقبلات. لكن هل بوسع أب يفزع حين يعلم أن أحدًا رأى بنتيه، أن يغفر لواحدة منهما خروجها، وعودتها فى الليل، وآثار قبلات على شفتيها وجيدها، وشعرها مبعثر، وصدرها لا يزال دافئًا بحضن فتى تعلم الغواية؟ البقية الجمعة القادمة