نشرة «المصري اليوم» من الإسكندرية: التحقيق مع 128 طالبا وطالبة بسبب الغش.. ولجان مفاجئة ب145 مركز شباب لرصد الانضباط    "موان" ينفذ عددًا من المبادرات في قطاع إدارة النفايات بموسم الحج    وزير الإعلام يزور جناح وزارة الداخلية في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى إعلام الحج مكة المكرمة    حماس والجهاد الإسلامي: مستعدون للتعامل بإيجابية مع اتفاق ينهي حرب غزة    تصفيات المونديال| ليبيا يخسر من الرأس الأخضر وجزر القمر يفوز على تشاد    يورو 2024| أكبر عدد أهداف في مباراة بتاريخ بطولة الأمم الأوروبية    دي بروين يوجه صدمة مدوية لجماهير الاتحاد    وسط تكتم .. وفاة 4 سجناء داخل قسم شرطة إمبابة في ظروف غامضة    استعدادًا لعيد الأضحى.. حملات مكثفة لمراقبة الأسواق وإنذار 7 مطاعم بالغلق في مطروح    أحمد عز يكشف سبب تقديم ثلاثة أجزاء من "ولاد رزق".. شاهد    عالم أزهرى يكشف لقناة الناس لماذا لا يصوم الحجاج يوم عرفة.. فيديو    أول رد من عريس الشرقية بعد فيديو ضرب عروسه في الفرح: «غصب عني»    كاتبة أردنية: كلمة الرئيس السيسي في قمة اليوم مكاشفة وكلها مدعومة بالحقائق والوثائق    «الأعلى للإعلام»: حجب المنصات غير المرخصة    رسالة جديدة من «الهجرة» للمصريين في دول النزاعات بشأن مبادرة استيراد السيارات    خالد الجندي يعدد 4 مغانم في يوم عرفة: مغفرة ذنوب عامين كاملين    يوافق أول أيام عيد الأضحى.. ما حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة؟    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الأضحية لا تجزئ عن الأسرة كلها في حالة واحدة    نقابة الصيادلة: الدواء المصري هو الأرخص على مستوى العالم.. لازم نخلص من عقدة الخواجة    وكيل «صحة الشرقية» يناقش خطة اعتماد مستشفى الصدر ضمن التأمين الصحي الشامل    «طه»: الاستثمار في العنصر البشري والتعاون الدولي ركيزتان لمواجهة الأزمات الصحية بفعالية    لطلاب الثانوية العامة.. أكلات تحتوي على الأوميجا 3 وتساعد على التركيز    مباشر الآن تويتر HD.. مشاهدة الشوط الأول مباراة السعودية والأردن في تصفيات كأس العالم    مفاجأة.. بيراميدز مهدد بعدم المشاركة في البطولات الإفريقية    مصدر بمكافحة المنشطات: إمكانية رفع الإيقاف عن رمضان صبحى لحين عقد جلسة استماع ثانية    «ناسا» تكشف عن المكان الأكثر حرارة على الأرض.. لن تصدق كم بلغت؟    عبدالقادر علام: التفرد والتميز ضمن معايير اختيار الأعمال فى المعرض العام 44    محافظ كفرالشيخ يتابع أعمال رصف طريق الحصفة بالرياض    5 أعمال ثوابها يعادل أجر الحج والعمرة.. تعرف عليها    بريطانيا: ارتفاع مفاجئ في معدل البطالة يصيب سوق الوظائف بالوهن مجددا    يورو 2024 - الإصابة تحرم ليفاندوفسكي من مواجهة هولندا    «بابا قالي رحمة اتجننت».. ابن سفاح التجمع يكشف تفاصيل خطيرة أمام جهات التحقيق    عيد الأضحى في المغرب.. عادات وتقاليد    حقوق إنسان الشيوخ تتفقد مركز الإدمان والتعاطى بإمبابة    بدائل الثانوية العامة.. شروط الالتحاق بمدرسة الضبعة النووية بعد الإعدادية (رابط مباشر للتقديم)    رئيس الضرائب: المصلحة تذلل العقبات أمام المستثمرين السنغافوريين    مصرع 39 شخصا في غرق مركب تقل مهاجرين قبالة سواحل اليمن    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    تطوير وصيانة وإنتاج خرائط.. وزير الري يكشف عن مجهودات توزيع المياه في مصر    بالصور- محافظ القليوبية يستقبل وفدا كنسيا لتقديم التهنئة بعيد الأضحى    حكومة جديدة..بخريطة طريق رئاسية    تطوير مستشفى مطروح العام بتكلفة مليار جنيه وإنشاء أخرى للصحة النفسية    المجلس الوطني الفلسطيني: عمليات القتل والإعدامات بالضفة الغربية امتداد للإبادة الجماعية بغزة    الأمين العام للناتو: لاتفيا تمثل قدوة لدول الحلفاء    مجد القاسم يطرح ألبوم "بشواتي" في عيد الأضحى    تأجيل محاكمة المتهم بإصابة شاب بشلل نصفى لتجاوزه السرعة ل30 يوليو المقبل    إيلون ماسك: سأحظر أجهزة آيفون في شركاتي    الأزهر الشريف يهدي 114 مجلدا لمكتبة مصر العامة بدمنهور    سحب عينات من القمح والدقيق بمطاحن الوادي الجديد للتأكد من صلاحيتها ومطابقة المواصفات    وزير النقل يوجه تعليمات لطوائف التشغيل بالمنطقة الجنوبية للسكك الحديدية    محمد أبو هاشم: العشر الأوائل من ذى الحجة أقسم الله بها في سورة الفجر (فيديو)    بن غفير: صباح صعب مع الإعلان عن مقتل 4 من أبنائنا برفح    الدولار يقترب من أعلى مستوياته في شهر أمام اليورو    طائرته اختفت كأنها سراب.. من هو نائب رئيس مالاوي؟    وفاة المؤلف الموسيقي أمير جادو بعد معاناة مع المرض    عصام السيد: وزير الثقافة في عهد الإخوان لم يكن يعرفه أحد    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. إبراهيم فايق يوجه رسالة ل حسام حسن    فلسطين.. شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على مخيم النصيرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سكوت.. أمريكا فى امتحان !

وكأن أمريكا (الحكومة والشعب) تأبى إلا أن تضع بطريقتها اللمسة الأمريكية فى تيار اليمين الشعبوى الذى يجتاح العالم منذ فترة. لا تخلو هذه اللمسة الأمريكية من تفرد سواء فى رؤية الإدارة الجديدة فى البيت الأبيض أم فى رد الفعل القضائى والشعبى الذى سرعان ما انتفض لمواجهة رئيس لم يمر على تقلده السلطة أكثر من عشرة أيام فقط. إنها أمريكا التى لا تكف عن إدهاش العالم وإبهاره ! تعيش الدولة العظمى الأولى منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً لحظةً مثيرةً وغير مسبوقة فى تاريخها المعاصر. وجه الإثارة لم يكن فقط فى انتخاب شخصية مثيرة للجدل مثل ترامب، فقد بات معروفاً ومفهوماً أسباب وعوامل نجاح الرجل الذى نجح فى إيقاظ المشاعر القومية لدى معظم الأمريكيين وملامسة الغرائز العنصرية الكامنة تحت جلد العديد من الفئات الشعبية الأقل تعليماً لا سيما فى ولايات الوسط ، وهى ظاهرة جديدة على أمريكا بعد زوال حقبة التفرقة العنصرية ضد السود بآلامها وجراحها.
أياً كانت الأسباب والعوامل التى أوصلت السيد ترامب إلى البيت الأبيض فإن المفاجأة الأولى أنه شرع على الفور وبأسرع مما يتصوّر أحد فى تنفيذ ما كنا نعتقد أنه مجرد تصريحات ووعود لحشد الأنصار وكسب الأصوات فى حملته الانتخابية ، ثم جاء اختياره لوزرائه ومعاونيه تأكيداً على أن الرجل صاحب مشروع ارتداد حقيقى ليس فقط على المبادئ والقيم التى صنعت تفرد أمريكا وعظمتها ، ولكن أيضاً على أسس وتقاليد دولة المؤسسات. صحيحٌ أن الإدارات الأمريكية السابقة على ترامب لم تكن من الملائكة لا سيما على صعيد السياسة الخارجية لكنها على الأقل لم ترتد على أسس وتقاليد دولة المؤسسات وعلى قيم التنوع والحرية والتسامح التى طالما تميّزت بها أمريكا. هذه القيم التى جعلت تعبير الحلم الأمريكى تعبيراً تنفرد به أمريكا عن دول أخرى لا تقل ثراء وفرصاً.
بدت ملامح الارتداد حتى من قبل أن يتقلد الرئيس رسمياً مهام منصبه الجديد فى العشرين من يناير الماضى حين سارع مطالباً سفراء أمريكا فى الخارج بمجرد فوزه فى الانتخابات بتقديم استقالاتهم. ثم تحدث الرئيس الجديد فى خطاب القسم مردداً عبارة أمريكا أولاً التى لا تضيف جديداً فى الواقع إلى السياسة الأمريكية ، ولم يكن محتاجاً لمثل هذه العبارة التى تشى بالشوفينية وعدم الرصانة لأن معظم رؤساء العالم وكل الدول تضع مصالحها الوطنية بالطبع قبل مصالح الآخرين. ويبدو أن العولمة التى يرفضها ترامب قد فعلت مفعولها ولأول مرة فى الاتجاه المعاكس إذ أصبح رئيس أقوى وأهم دولة فى العالم هو المتأثر بسلوك عربى شرق أوسطى وليس هو المؤثر فيه ! تجلّى ذلك فى إصرار الرئيس الجديد على تعيين صهره فى وظيفة كبير مستشارى البيت الأبيض فى سلوك جرىء وغير مألوف وفقاً للأعراف الأمريكية. اعتمد ترامب على فتوى قانونية تشبه فتاوى العالم الثالث استناداً إلى نص قانونى شارد يستثنى سيد البيت الأبيض فيما يقوم به من تعيينات من الخضوع لأحكام قانون العمل التى تحظر على المسئولين ممارسة المحاباة بتعيين الأقارب غير عابئ بالأعراف المرعيّة التى لا تقل فى قوتها أحياناً عن قوة النص المكتوب. سنحتاج إلى كتابات كثيرة من المتخصصين فى العلوم السياسية لتحليل مبررات وملابسات ارتداد الرئيس الجديد على مبادئ السياسة الأمريكية وسخريته من حلف الأطلنطى، ونظرياته الجديدة حول النفط مقابل الحماية فى الحالة الخليجية، أو المال مقابل الأمن فى الحالات الأخرى فى العالم مع أقرب حلفائه.
المقلق فى الارتداد الأمريكى أن رئيس الدولة التى تقود العالم الحر يستدعى من جوف الماضى أيديولوجية شوفينية تجاوزها العصر، وهو بالمناسبة لم يقل فى خطاب التنصيب «العالم الحر» بل استخدم تعبير «العالم المتحضّر» فى إشارة ضمنية معاكسة إلى الآخرين. وبصرف النظر عن مدى صحة إشارته الضمنية فى الواقع فقد بدت غير ملائمة فى خطاب رئاسي. بالطبع يبدو هذا الارتداد جزءاً من تيار عام يتنامى ويعلن عن نفسه فى صعود الأحزاب والحركات الشعبوية المتطرفة فى أكثر من بلد أوروبي. لكن وجه الخطورة أنه حين تتبنى الدولة الرمز لمجتمع التنوع والحرية والتسامح مثل هذه الطروحات العنصرية فهذا نذير شؤم ودعم غير مباشر لقوى الكراهية والتطرف من الجانبين. وجه الخطورة أيضاً أن تكون كراهية المسلمين والنفخ فى ظاهرة الإسلاموفوبيا فى قلب هذه الطروحات الجديدة. يقول الرئيس الأمريكى إن القيود المفروضة على هجرة الأجانب إلى أمريكا تستهدف الإرهابيين مع أن الجميع يدرك أنها لا تستهدف سوى المسلمين وحدهم. هؤلاء المسلمون أنفسهم هم (بالأرقام) الضحايا الأكثر عدداً لقوى الإرهاب، تلك هى المفارقة التى غابت عن الكثيرين !
أحدث تجليّات ارتداد الإدارة الأمريكية الجديدة كان صدور قرار رئاسى تنفيذى بحظر دخول أجانب من سبع دول إسلامية إلى أمريكا يحملون بطاقة الإقامة الأمريكية الخضراء the Green card وإعادتهم إلى البلدان التى قدموا منها. فى المشهد لقطة عابرة لا تخلو من دلالة وهى أن هذا القرار قد صدر بغير علم وزارتى الخارجية والأمن الداخلى ، وهو أمر غير مألوف فى دولة مؤسسات ذات تقاليد عريقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
فى مشهد الارتداد الأمريكى متسعٌ لصور أخرى لحسن الحظ، وهى صور المجتمع الأمريكي- مجتمع الأحرار - وهو ينتفض دفاعاً عن القيم والمثل الأمريكية مدعوماً بدولة المؤسسات التى انتفض قضاؤها بدوره فى مواجهة الخروج على مبادئ دولة القانون والحريات. كان مشهداً مثيراً ومهيباً ناطقاً بعظمة الشعب الأمريكى أن يصدر القرار الرئاسى التنفيذى يوم الجمعة 27 يناير، وفى مساء اليوم التالى مباشرة يصدر أحد القضاة الفيدراليين فى التاسعة إلا الربع حكماً بوقف تنفيذ القرار الرئاسى ، وفى التاسعة وعشر دقائق تقوم السلطات المعنيّة فى المطار بتنفيذ الحكم القضائى على الفور وتسمح للأجانب المحتجزين فى المطار بدخول الأراضى الأمريكية! يخرج الأجانب ليجدوا مظاهرة ترحيب أمريكية حاشدة فى انتظارهم. ثم تتوالى مظاهرات الشعب الأمريكى فى كل مكان ليس دفاعاً عن مواطنين أمريكيين بل دفاعاً عن أجانب.. عن بشر آمنوا بأمريكا دولةً للحلم والحرية وسيادة القانون.
لم تقتصر ردود الفعل الأمريكية على الغضب الشعبى أو التصويب القضائى بل شملت توقيع عدة مئات من العاملين فى الخارجية الأمريكية على رفض قرار تقييد الهجرة، وهو ما ردّ عليه البيت الأبيض بتخيير المعترضين بين الالتزام أو الرحيل. ثم تخطت ردود الفعل الغاضبة حدود دولة الحلم الأمريكى لتسود معظم أنحاء العالم فى ظل عولمة لم يعد ممكناً تجاهلها. كنا نعتقد أن العولمة هى مجرد سقوط الحواجز والقيود بين الدول فى التجارة والاقتصاد والأفكار والتكنولوجيا والاتصال فإذا بنا نكتشف أنها تمثل ثورة إنسانية بكل معنى الكلمة لتكشف العولمة عن وجهها الإنسانى وتتحول لما يمكن تسميته بالأنسنة. وبهذه العولمة الإنسانية الجديدة تجاوز غضب الشعب الأمريكى حدود المحيط. وهذا بذاته متغير جديد وجدير بالانتباه..
السؤال الآن هل تنتصر القيم الأمريكية وتقاليد دولة المؤسسات فى مواجهة ارتداد الإدارة الأمريكية الجديدة؟ لنرقب فى سكوت تحولات أمريكا وهى تجتاز امتحانها الكبير، ولننتظر.
لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.