رئيس الوزراء يهنئ شيخ الأزهر بعيد الأضحى المبارك    طفرة تعليمية بمعايير عالمية    الحكومة الجديدة فى مهمة اقتصادية من الدرجة الأولى.. ماذا في انتظارها؟    رئيس جامعة المنيا يتفقد لجان امتحانات كلية الهندسة    سعر صرف الدينار الكويتي اليوم الأربعاء 12-6-2024 في البنوك    .. وتأمين المخزون من اللحوم    ..والصادرات المصرية تنتشر بالأسواق العالمية    تعرف على التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات اليوم بالسكة الحديد    تنمية شاملة بالقارة السمراء    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة العبور الجديدة    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام الطرح العام لشركة «ألف للتعليم القابضة» في سوق أبو ظبي    عاجل| مجموعة طلعت مصطفي تستحوذ على الوزن النسبي الأكبر في مؤشر الشريعة الإسلامية "EGX33"    في دقيقتين، إطلاق 100 صاروخ من لبنان تجاه شمال فلسطين المحتلة    امتحانات الثانوية العامة 2024.. هدوء بمحيط لجان امتحان الاقتصاد والإحصاء بأسيوط    حكومة هونج كونج تلغى جوازات سفر 6 نشطاء    الآليات الإسرائيلية تتوغل داخل حي الزيتون بمدينة غزة    وزير الدفاع الألماني يعتزم إعادة نظام تسجيل المؤهلين للخدمة العسكرية    كيف ستغير نتائج انتخابات الاتحاد الأوروبي الملامح السياسية للقارة العجوز؟    مانشستر سيتي يفسد خطة برشلونة بشأن كانسيلو    تريزيجية: "كل يوم الصبح اقرأ ورد قرآن.. وأصعب محطاتي وفاة والدي"    رئيس إنبي: لم نحصل على أموال إعادة بيع حمدي فتحي.. وسعر زياد كمال 60 مليون جنيه    أول رد فعل من ليلى عبدالله بعد أنباء ارتباطها ب جو جوناس    الثانوية العامة 2024، تكثيف أمني بلجان الشرقية بعد شائعات "الغش"    بعد قليل، بدء محاكمة عصام صاصا في واقعة دهس شاب    طالب بالثانوية العامة فى بورسعيد بالكوفية الفلسطيني: "بتفائل بها" (صور)    حجاج بيت الله الحرام يتوجهون إلى مشعر منى الجمعة لبدء مناسكهم    امتحانات الثانوية العامة 2024، بدء امتحان الاقتصاد    خطوبة شيرين عبد الوهاب تتصدر التريند.. ورد فعل غريب من حسام حبيب    بطل ولاد رزق 3.. ماذا قال أحمد عز عن الأفلام المتنافسة معه في موسم عيد الأضحى؟    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    دار الإفتاء: يجوز للحاج التوجه إلى عرفات فى الثامن من ذى الحجة يوم التروية    "مقام إبراهيم"... آيةٌ بينة ومُصَلًّى للطائفين والعاكفين والركع السجود    مصر خالية من أى أوبئة    احذري تعرض طفلك لأشعة الشمس أكثر من 20 دقيقة.. تهدد بسرطان الجلد    كيف يؤثر الكافيين على صحتك؟.. احذر ظهور هذه الأعراض على اللسان    وزير الصحة: تقديم كافة سبل الدعم إلى غينيا للتصدي لالتهاب الكبد الفيروسي C    موعد مباراة سبورتنج والترسانة في دورة الترقي للممتاز والقنوات الناقلة    أفضل الأدعية والأعمال المستحبة في يوم عرفة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    دون إصابات.. إخماد حريق عقار سكني بالعياط    تحويلات مرورية جديدة.. غلق كلي لكوبري تقاطع محور "محمد نجيب والعين السخنة"    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    «الزمالك بيبص ورا».. تعليق ناري من حازم إمام على أزمة لقب نادي القرن    رئيس الأساقفة جاستين بادي نشكر مصر بلد الحضارة والتاريخ على استضافتها    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    حبس شقيق كهربا 4 أيام لاتهامه بسب رضا البحراوي    عصام عبد الفتاح يحسم موقفه من رئاسة لجنة الحكام    رسميًا.. تنسيق الثانوية العامة 2024 في 5 محافظات    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    عاجل.. محمود تريزيجيه: لا تفرق معي النجومية ولا أهتم بعدم اهتمام الإعلام بي    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    يوسف الحسيني: القاهرة تبذل جهودا متواصلة لوقف العدوان على غزة    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طلعة المقطم كانت تضم القضاة والتجار وأرباب الطوائف والعامة
«استطلاع الهلال».. كرنفال البهجة فى ذِمَّة التاريخ
نشر في الأهرام اليومي يوم 04 - 06 - 2016

تعددت الروايات التاريخية حول أول من خرج لاستطلاع هلال رمضان من قضاة مصر، فذكر السيوطي إن القاضي «غوث بن سليمان» المتوفي في 168هجرية، كان أولهم، وقال آخرون أنه القاضي «عبد الله بن لهيعة» سنة 155هجرية (771 ميلادية).،
وقال عنه الكندي: «طلب الناس هلال شهر رمضان وابن لهيعة على القضاء، فلم يره أحد (الهلال)، وأتى رجلان وزعما أنهما رأيا الهلال فبعث بهما الأمير «موسى بن علي بن رباح» إلى «ابن لهيعة» فسأل عن عدالتهما فلم يعرفا واختلف الناس وشكوا، فلما كان العام المقبل خرج عبد الله ابن لهيعة في نفر من أهل المسجد عرفوا بالصلاح فطلبوا الهلال وكانوا يطلبونه بالجيزة, ثم تعدوا الجسر في زمن «هشام بن أبي بكر البكري» وطلبوا الهلال في جنان «بن أبي جبيش». واستن «ابن لهيعة» هذه العادة الطيبة للاحقيه، فاتبعها القضاة، وظلوا يخرجون سنويا إلى جامع محمود عند سفح المقطم لاستطلاع الهلال في شهري رجب وشعبان لضبط رؤية هلال رمضان.
ولاحقا تم إعداد «دِكَّة للقضاة» فوق المقطم لتكون في أعلى مكان بالقاهرة، ليستطلعوا الهلال من فوقها، إلى أن جاء الفاطميون، ولأنهم كانوا يعتمدون الحسابات الفلكية في بدايات ونهايات الشهور فقد أبطلوا عادة استطلاع الهلال، وعليه يجىء رمضان غالبا بالتتابع في سنة 29 يوما، وأخرى يكون 30 يوما، واستبدل الفاطميون احتفال الاستطلاع بموكب الخليفة أول أيام رمضان ليقوم بتوزيع عطاياه على الناس، لكن الخليفة الفاطمي «الحاكم بأمر الله» أباح صوم رمضان برؤية الهلال لمن يريد.
وفى العصر المملوكي، كان قاضى القضاة يخرج لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة، كشهود ومعهم الشموع والفوانيس، بصحبة المحتسب، وكبار تجار القاهرة، ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف، وتم نقل مرقب الرؤية إلى مئذنة المنصور قلاوون في المدرسة المنصورية بمنطقة بين القصرين أمام المحكمة الصالحية، وهى مدرسة الصالح «نجم الدين أيوب»، وبعدما يتحقق المستطلعون من رؤية الهلال، يضىء أصحاب الدكاكين الأنوار، وتُعلق الفوانيس فوق المآذن، وواجهات المساجد، وداخلها، ويخرج قاضى القضاة فى موكب تحف به الجموع حاملين المشاعل والفوانيس والشموع حتى يصل القاضى إلى داره، ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام. وقال الرحالة «ناصر خسرو» الذي زار مصر في القرن الخامس الهجري، عن استعدادات رمضان في جامع «عمرو بن العاص»: «.. كان يوقد في ليالي المواسم والأعياد أكثر من 700 قنديل، وإن المسجد يُفرش بعشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض، وكانت تعطر المساجد بالبخور والكافور والمسك».
ووصف « ابن إياس » رؤية الهلال عام 920ه بقوله: «... وأما في ليلة رؤية الهلال، فقد حضر القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية، وحضر الزيني بركات بن موسى المحتسب، فلما ثبتت رؤية الهلال وانفض المجلس، ركب المحتسب ومشت قُدَّامُه السقاءون بالقِرَب، وأوقدوا له الشموع على الدكاكين، وعلقوا له التنانير والأحمال الموقودة بالقناديل، من الأمشاطيين إلى سوق مرجوش، إلى الخشابين، إلى سويقة اللبن إلى عند بيته (بيت الزيني بركات). ورصد «المقريزي» سوق الشمَّاعين بمنطقة النحاسين القرنين الثامن والتاسع الهجريين حيث كان شهر « مضان موسم عظيم، لكثرة ما يُشترى ويُكترى من الشموع الموكبية، التي تزن الواحدة منها عشرة أرطال فما دونها، ومن المزهرات عجيبة الزي مليحة الصناعة، ومنها ما يحمل على العجل وزن الواحدة منها قنطار وما فوقه، فيمر في ليالي شهر رمضان من ذلك ما يعجز البليغ عن حكاية وصفه» .
وحضر ابن بطوطة موكب الرؤية في مدينة «أبيار» في شمال مصر، خلال رحلته الأولى إلى مصر سنة 727 ه، وكان يسمى في تلك المدينة «يوم الرُكبة»، أى يوم الركوب لاستطلاع هلال رمضان، ووصف ابن بطوطة ما رآه بقوله: «ولقيت بأبيار قاضيها عز الدين المليجي الشافعي، وهو كريم الشمائل كبير القدر، حضرت عنده مرة يوم الركبة، وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء ووجوه بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضي، ويقف على الباب نقيب المتعممين وهو ذو شارة وهيئة حسنة. وإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه يتلقاه النقيب ويمشى بين يديه صائحا «باسم الله.. سيدنا فلان.. فيسمع القاضي ومن معه فيقومون له، ويجلسه النقيب في موضع يليق بمقامه، فإذا تكاملوا هنالك ركب القاضي وركب من معه أجمعون، وتبعه جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان، وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة وهو مرتقب الهلال عندهم، وقد فُرش ذلك الموضع بالبسط والفرش فينزل فيه القاضي ومن معه يترقبون الهلال، ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس، ويوقد أهل الحوانيت الشمع، ويصل الناس مع القاضي إلى داره، ثم ينصرفون. وهكذا فعلهم في كل سنة».
وفى عصر الدولة العثمانية، عاد موضع استطلاع الهلال مرة أخرى إلى المقطم، فكان القضاة الأربعة والفقهاء، والمحتسب، يجتمعون في المدرسة المنصورية، ثم يركبون بصحبة أرباب الحرف إلى موضع مرتفع بجبل المقطم، حيث يستطلعون الهلال، فإذا ثبتت رؤيته يعودون بأيديهم المشاعل والقناديل إلى المدرسة المنصورية، ويعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان، ويعود إلى بيته فى موكب حافل يحيط به أرباب الطرق والحرف بين أنواع المشاعل فى ليلة حاشدة.
وحول هذا إجمالا، يقول الكاتب الكبير «عبد الحميد حواس» في كتابه «بركة رمضان» عن «قدرة المصريين طوال تلك العصور علي إضفاء طابع اجتماعي علي المناسبات الدينية، وتحويلها إلي كرنفال يشيع البهجة في النفوس، مع احترام هيبتها الروحية» !
فموكب الرؤية لدي المصريين لم يقتصر علي رؤية الثُقاة للهلال، وإعلان بدء الشهر ووجوب الصيام، بل كان موكبا «ينطلق بعد العصر يوم التاسع والعشرين من شعبان، من موضع ذى دلالة مثل بيت القاضي، أو الساحة المواجهة للمسجد الجامع ويجتاز شوارع المدينة الرئيسية، وأسواقها إلي أن يصل إلي مكان معين، وينتهي عند المغرب بإعلان نتيجة الاستطلاع، فإذا كان غُرّة رمضان تبادل الناس التهاني وسارعوا للاستعداد لاستقباله». واكتسب الموكب عبر العصور طابعا رسميا، وأصبحت له ثلاثة مستويات، «الأول: استعراض عسكرى بالزي الرسمي، وكوكبة من الخيالة تمشي خببا، تليها موسيقات نظامية تعزف المارشات، والمستوي الثاني للطوائف والطرق الصوفية بأعلامها وبيارقها المتمايزة وألوانها الزاهية، مع الذكر والتفقير فى أثناء المسير، والمستوي الثالث لأرباب المهن والحرفيين التقليديين يزاولون مهنهم علي عربات الكارو ويستخدمون أدوات ضخمة لإضفاء الفكاهة علي المشهد، ويبتكرون المشاهد الساخرة، ويلحق بهم المقلدون والمتنكرون لإثارة المرح والدعابة.
وأطرف وصف للموكب كتبه رحالة تركي زار مصر أواخر القرن السابع عشر وذكر أنهم أطلقوا علي موكب الرؤية «عيد النسوان» لأن النساء كن يعتبرنه ليلتهن، فلابد أن يتفرجن علي الموكب، حتي أن بعضهن اشترطن في وثيقة الزواج الخروج للاحتفاء بليلة الرؤية، وكن يقمن قبل أسبوع باستئجار الحوانيت في الأسواق السلطانية، أو يذهبن إلي بيوت معارفهن المطلة علي مسار الموكب .
واستمر الأمر على هذا النحو بلا تغييرات جوهرية تقريبا، إلى عهد الخديو عباس حلمى الثانى الذي أمر بنقل مكان إثبات رؤية الهلال إلى المحكمة الشرعية في باب الخلق، وبإنشاء دار الإفتاء أواخر القرن التاسع عشر، وأسندت إليها مهمة استطلاع هلال رمضان والاحتفال به، وتقوم الدار بهذه المهمة كل عام بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، وتشارك في استطلاع الهلال لجانها الشرعية والعلمية المنتشرة بأنحاء متفرقة في مصر، مثل الوادى الجديد وتوشكى وسوهاج وقنا والبحر الأحمر وأكتوبر ومرسى مطروح ومرصد حلوان، وتعلن الدار ثبوت رؤية الهلال فى احتفال يحضره شيخ الأزهر والمفتي، ووزير الأوقاف، ومحافظ القاهرة، والوزراء، وسفراء الدول الإسلامية، ورجال القضاء وغيرهم من رجال الدولة.
وفي وقت سابق كان احتفال دار الافتاء يجري فى سرادق بجوار دار القضاء العالى، التي استضافت دار الإفتاء، إلى أن أقيم لها مبنى مستقل في منطقة الدراسة.
وتتقيد دار الإفتاء المصرية فى رؤية الهلال بقرارات مؤتمر جدة التى أقرتها منظمة المؤتمر الإسلامى، وقرارات مجمع البحوث الإسلامية فى مؤتمره الثالث الذي انعقد فى 1966، ونص فى بنده رقم «1» فقرة «ب» على أن : «يكون ثبوت رؤية الهلال بالتواتر والاستفاضة، كما يكون بخبر الواحد ذكراً كان أو أنثى، إذا لم تتحقق لسبب من الأسباب، ومنها مخالفة الحساب الفلكي الموثوق به الصادر ممن يوثق به، وهذا يعنى أن الاعتماد على الرؤية البصرية أساس الاستئناس بالحساب الفلكى لإفادته القطع واليقين فى مثل تلك الأمور المحسوسة، والحساب الفلكى ينفى ولا يثبت، فإذا نفى الحساب إمكانية الرؤية فإنه لا تقبل شهادة الشهود على رؤيته بحال، لأن الواقع الذى أثبته العلم الفلكى القطعى يكذبهم، وفى هذا جمع بين الرؤية البصرية المأمور بها والحساب الفلكى المقطوع بدقته، وهو ما اتفقت عليه قرارات المجامع الفقهية الإسلامية.
ويذكر الكاتب «أحمد الصاوي» في كتابه الوافي «رمضان زمان»، أن التاريخ حفظ لنا سجلا أرسله «أحمد بن يوسف» الكاتب العباسي في عهد «الخليفة المأمون» إلى جميع العمال في الأمصار لحض الناس على الاستكثار من المصابيح في شهر رمضان وتعريفهم ما في ذلك من فضل وجاء في خاتمة السجل : «فإن ذلك أنس للسابلة، وإضاءة للمتهجدين، ونفى لمظان الريب، وتنزيه لبيوت الله من وحشة الظُلمة».
وحرصت كل الأقطار الإسلامية على إنارة المساجد ليلة الرؤية، بتعليق المصابيح على المآذن وعلى واجهاتها ابتهاجا بقدوم رمضان.
وفي الحرم المكي كانت المشاعل والشموع تبث في كل أركانه حتى يتلألأ الحرم نورا ويسطع ضياء حسبما لاحظ «ابن جبير» في رحلته إلى مكة عام (578 ه 1183م).
وكان بعض الخلفاء يصعدون بأنفسهم لاستطلاع هلال رمضان ومنهم «هارون الرشيد» الذي يذكر الأصمعي أنه صعد معه لرؤية الهلال وسأله عن معنى قول «هند بنت قتبة»: «نحن بنات طارق.. نمشي على النمارق»، فقال الرشيد : «الطارق الكوكب الذي في السماء» . فقال الأصمعي: «أصبت يا أمير المؤمنين»، فأمر له الرشيد بعشرة آلاف درهم. ويذكر أن الصحابي «أنس بن مالك» حضر رؤية الهلال ضمن جماعة قاربوا المائة، فقال أنس: «قد رأيته هو ذاك» وجعل يشير إليه فلا يرونه، وكان «إياس القاضي» حاضرا، وهو أفطن أهل زمانه، فنظر إلى أنس وإذا بشعرة بيضاء من حاجبه قد انثنت فوق عينه، فمسحها إياس وسواها بحاجبه، ثم قال له انظر يا أبا حمزة، فجعل ينظر ويقول لا أراه. وحدث أن اجتمع الناس لرؤية هلال رمضان فكانوا يحدقون في الأفق ولا يرون شيئا، فصاح رجل من بينهم: «لقد رأيته»، فاستعجبوا من قوة إبصاره وقالوا «كيف أمكنك أن تراه دوننا؟!» فطرب الرجل لهذا الثناء وصاح: «وهذا هلال آخر بجواره». فضحك الحضور منه.
وصعد الناس ليلة لنظره فلم يروه، فلما هموا بالانصراف رآه صبي وأرشدهم إليه فقال له أحدهم : «بشِّر أمك بالجوع المُضني».
وقيل لرجل أما تنظر إلى هلال رمضان ؟ فقال ما أصنع به؟ «محل دين، ومقرب حين أجل، ومؤذن بالجوع».
والآن تطورت الوسائل التكنولوجية لرؤية الهلال بوجود المراصد والأقمار الصناعية، وكلها تسهل رؤيته لحظة ميلاده، وبالرغم من هذا ما تزال الخلافات قائمة بين الأقطار الاسلامية لأنه الهلال يمكن أن يولد بالقرب من قرص الشمس، فيبدو شحيحا بجانب ضوء الشمس الباهر بجانب اختلاف زاوية الرؤية من دولة إلى أخرى تظهره للبعض وتخفيه عن آخرين، وكذلك يمكن أن يكون للتلوث الجوي تأثير بشكل ما على رؤية الهلال. ولا تتوقف الجهود التكنولوجية لحل هذه المشكلات، بتطوير المناظير، والكاميرات الإلكترونية ذات العدسات والسرعات الهائلة، والرادارت المتقدمة لتوفير استطلاع دقيق للهلال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.