العشر الأواخر من رمضان هي أيام كلها خير، لذا كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يعتكف فيها بالمسجد، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة. علماء الدين يؤكدون أن الاعتكاف هو لزوم المسجد للعبادة والطاعة والذكر، وهو مجاهدة للنفس وانشغال بالخالق سبحانه وتعالى والبعد عن لذات الدنيا الفانية، وطالبوا بالالتزام بالضوابط التي تحددها وزارة الأوقاف فى اثناء الاعتكاف، داعين الأئمة وخطباء المساجد بتوضيح معني وضوابط الاعتكاف للناس، وأن يحرص الجميع علي نظافة المسجد، وألا يكون لزوم المسجد بهدف الجلوس مع الأصدقاء أو الانشغال بوسائل التواصل الحديثة أو قراءة الصحف والمجلات، فكل ذلك يخالف الهدف من الاعتكاف، وهو الانقطاع للعبادة . ويقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية جامعة الأزهر، إن الاعتكاف من شعائر الإسلام، وقد وجد الاعتكاف قبل الإسلام، والله عز وجل حكي عن سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام في القرآن الكريم » وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ«، مشيرا إلي أن هناك فرقا بين الاعتكاف والرباط والجوار، فالاعتكاف الشرعي هو لزوم مسجد جامع يوما وليلة علي الأقل، بنية التقرب إلي الله عز وجل، أما الرباط فهو انتظار الصلاة بعد الصلاة في المسجد، أما الجوار فهو لزوم طالب علم في المسجد، وللأسف فقد حصل خلط بين هذه المصطلحات، وبعض العلماء أخذ بظاهر اللغة العربية، من أن الاعتكاف مطلق المكث في المسجد، وبالتالي يمكن أن يكون ساعة أو ساعتين مثلا وهذا خطأ . المسجد الجامع واوضح أنه مما تقرر شرعا أن الحقيقة الشرعية مقدمة علي الحقيقة اللغوية، فمعني الصلاة لغة لا يؤخذ علي معناها الشرعي، فالمعني اللغوي للصلاة هو الدعاء، وهذا ليس مقصودا في صفتها الشرعية من أنها أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير ومنتهية بالتسليم، ويشترط في مكان الاعتكاف أن يكون مسجدا جامعا، أما الاعتكاف في المصلي فلا يجوز لاتفاق الفقهاء، ويري جمهور الفقهاء أن المرأة كالرجل في الاعتكاف، ويمكن أن تعتكف في مسجد جامع إذا تهيأت لها الأماكن، وتفضيل المسجد الجامع يأتي لوجود مكتبة في المسجد تحتوي علي كتب مختلفة، يستطيع المعتكف أن يطلع عليها، هذا بجانب وجود إمام متخصص في المسجد، وهذا الإمام له دور كبير في توضيح الكثير من أمور العبادة للمصلين، وهذا أفضل من أخذ العلم من غير المتخصصين في الزوايا، كما أن إمام المسجد الجامع يشرف علي جميع الأنشطة في المسجد، وهذا يتم بشكل تنظيمي من جانب إدارة المسجد وبالتنسيق مع الإمام، ومن هنا تأتي أهمية المسجد الجامع . آداب وشروط وأضاف: أن هناك ضوابط وآدابا للاعتكاف لابد أن يتم الالتزام بها، وذلك بهدف الحفاظ علي قدسية المساجد، وكونها بيوت الله عز وجل للذكر والعبادة، وليست للطعام والشراب، وبالنسبة لشرط المعتكف أن يكون مسلما، ويكون الاعتكاف بهدف التقرب إلي الله عز وجل بالدعاء والطاعات والذكر، فالاعتكاف هو مكث في المسجد للصلاة والعبادة وحضور جلسات العلم، وليس الاعتكاف بهدف تناول الطعام والشراب، واستعمال وسائل التواصل الحديثة، أو قراءة الصحف والمجلات، أو ألعاب التسلية وغير ذلك من الأمور التي تحدث أحيانا في أماكن الاعتكاف، لأن هذا وإن كان في أصله ليس حراما، إلا أنه لا يتفق مع مقاصد الاعتكاف، ومما تقرر شرعا، أنه ما أدي إلي الواجب فهو واجب، وما أدي إلي الحرام فهو حرام، والله عز وجل يقول » وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ » . وفي سياق متصل، يقول الشيخ محمود الابيدي إمام وخطيب بأوقاف المنصورة، إن إمام المسجد يستطيع أن يحدث نقل نوعية في المجتمع، عندما يجمع الناس ويحثهم علي الطاعة والعبادة، مشيرا إلي أن الاعتكاف يمثل نوعا من التواصل الفكري، بين إمام المسجد والمصلين من أبناء المنطقة، الذين يحرصون علي الاعتكاف، وتنظيم وترتيب كل هذه الأمور مع إمام المسجد، وهذا نوع من المشاركة والتواصل والتشجيع علي العبادة. قطع الاعتكاف ويقول الدكتور عبدالوارث عثمان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: إنه يجوز للإنسان أن يخرج من اعتكافه بدون عذر، ولا إثم عليه في ذلك، لأن الاعتكاف سُنة، والسنة يجوز تركها، ولكن الأفضل إتمامه إذا لم يكن هناك عذر ويجوز للمعتكف الخروج من معتكفه والتنقل في أنحاء المسجد، والخروج إلى ساحته المحددة بسور المسجد. وأضاف: أما عن وقت دخول مكان الاعتكاف فإن المعتكف يدخل قبل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين، ويؤيد ذلك أن من مقاصد الاعتكاف في العشر الأواخر التماس ليلة القدر، وهي ترجي في أوتار العشر، وأولها ليلة إحدى وعشرين، أما وقت خروج المعتكف في العشر الأواخر فاستحب كثير من أهل العلم أن يكون خروجه من معتكفه عند خروجه لصلاة العيد، لكي يصل عبادة بعبادة، وهناك قول آخر يقول: يخرج إذا غربت الشمس ليلة العيد، لأن العشر تنتهي بانتهاء الشهر الذي ينتهي بغروب الشمس من ليلة العيد.