ما الذى حققته المؤسسات الدينية فى مسيرة تجديد الخطاب الديني، ولماذا لا نجد لها أثرا ملموسا على أرض الواقع فى مواجهة الفكر التكفيرى ووقف نزيف الدماء ومشاهد العنف والقتل والحرق والتدمير؟ ولماذا تكتفى بيانات الشجب والاستنكار لجرائم الإرهاب بعد كل حادث إرهابى أثيم؟ ومتى تتوقف مؤسساتنا الدينية المعنية بنشر الوسطية والسماحة عن إطلاق البيانات الإعلامية حول نجاحها فى محاربة التطرف والإرهاب، بعد أن طالت اليد الآثمة لخوارج العصر كل شىء فى ربوع مصر والوطن العربى، تحت مسميات متعددة وحجج واهية وفتاوى باطلة؟ المسئولون يؤكدون أنهم نجحوا فى أداء رسالتهم ودورهم على أكمل وجه، والمعارضون يرون أن القوافل لا تتعدى كونها، شو إعلامى، وإبراء ذمة وان كثيرا من العاملين فى القوافل والمعنيين بتجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر التكفيرى لا يمتلكون المؤهلات العلمية التى تمكنهم من أداء تلك المهمة الجليلة! وطالبوا بضرورة أن تتكاتف كل مؤسسات الدولة مع المؤسسة الدينية للقضاء على الفكر الضال ونبذ الخلافات الشخصية جانبا محذرين إذا لم يتعاون الجميع لإعلاء مصلحة الوطن من فتنة لا يحمد عقباها. وأكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أن الجماعات المتطرفة اختطفت الخطاب الدينى فى العقود الماضية، وكان حجم الاختطاف والتجريف كبيرا وقاسيا وشديدا ومنها اختطاف الجماعات المتطرفة للمساجد طوال عقود وهذا الغزو الثقافى نعمل على مواجهته الآن، وقامت الوزارة خلال الفترة الماضية بمواجهة هذه الجماعات والسيطرة على المساجد التى كانت تعد معقلا لهذه الجماعات، ومنها أسد بن الفرات والقائد إبراهيم وغيرهما، وهناك جهد كبير فى هذا المجال، موضحا أن الوزارة سوف تعقد نهاية الشهر الحالى مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لبيان خطر هذه الجماعات المتطرفة. وأضاف: نحن لا نعفى أنفسنا من المسئولية فالخطاب الدينى خلال 20 سنة الماضية تم تجريفه واختطفته الجماعات واختطفت المساجد وقطعنا شوطا كبيرا فى وقف الخطاب السلبى فى كثير من المساجد بعدد من المحافظات، مئات المساجد كانت منابر لمتشددين صارت الآن تحت سيطرة الوزارة ونحن نسابق الزمن ولكن تجفيف المنابع للخطاب المعتدل لسنوات طويلة يعد احد أسباب الأزمة ونجهز عددا للمبعوثين ولدينا الآن عشرات من الشباب. وطالب وزير الأوقاف بصياغة خطاب عربى وطنى يعالج هذا الخلل وتشكيل فريق عمل متكامل من جميع مؤسسات الدولة والخبراء فى كل المجالات لنعالج المشكلة ونحلل أين الخلل، فهؤلاء لديهم قوى دولية ومخابرات دول وأجهزة تمدهم بالمال والمعلومات والسلاح لتنفيذ المخطط، ولكن قضية الدعوة مثل الطفل ينمو نموا بطيئا نعمل ونجتهد لبناء منظومة ثقافية ايجابية الآن ونتواصل مع وزارة الشباب والثقافة، فخطر الإرهاب أصبح عابرا للحدود، ولابد من التكاتف لمواجهة أعداء الدين والوطن والإنسانية ويجب ان تكون هناك وقفة حاسمة وإجراءات وقوانين استثنائية تجاه الدول التى تدعم القنوات المحرضة على العنف. التواصل مع الشباب ومن جانبه أكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتى الجمهورية- أن تجديد الخطاب الدينى أصبح ضرورة حتمية، فى ظل المتغيرات التى نعيشها الآن من أجل مواجهة الأفكار المتطرفة والمتشددة، بتعاون كل مؤسسات الدولة وليس المؤسسة الدينية فقط، فنحن فى سفينة الوطن وينبغى أن تقوم كل مؤسسة بواجبها فى الفترة الفارقة من تاريخ الوطن مشددا فى الوقت ذاته على أنه يجب على جميع مؤسسات الدولة المعنية أن تتكاتف وتتعاون مع المؤسسات الدينية فى تجديد الخطاب الدينى وخاصة وزارة الشباب والتعليم والإعلام التى يقع عليهم دور كبير فى التواصل مع فئات المجتمع المختلفة الذين يعول عليهم فى بناء الوطن ورقيه. وأضاف أن البروتوكول الذى عقدته الدار مع وزارة الشباب دخل بالفعل حيز التنفيذ فور توقيعه وبدأت دار الإفتاء بالتعاون مع وزارة الشباب فى عقد جلسات إفتائية وندوات بمراكز الشباب بمحافظاتالقاهرة والجيزة والقليوبية وذلك منذ بداية العام الحالى وتستمر حتى نهاية شهر يونيو المقبل، ليتم تعميمها بعد ذلك فى بقية محافظات الجمهورية. كما أصدر الدكتور شوقى علام كتابًا جديدًا بعنوان “فتاوى الشباب” أجاب فيه عن بعض الأحكام الشرعية والتساؤلات والقضايا التى تدور فى ذهن كثير من الشباب من الجنسين بصورة عصرية، من أجل تحقيق أعلى درجات التواصل الفعال مع الشباب إيمانا من دار الإفتاء بأهمية دور الشباب. التعاون مع وزارة الثقافة من جانبه يؤكد الدكتور احمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء ضرورة تضافر جهود الأزهريين مع الأدباء والمثقفين لتجديد الخطاب الدينى الوسطى الذى يتسم به الإسلام وقال نحن فى حاجة ماسة لتضافر جهود كل المؤسسات مع الأزهر من مثقفين مبدعين حتى يكون هناك توازن بين الناحية الإبداعية والثقافية والأدبية. وإذا تكاتفت وتضافرت الجهود بين المثقفين والمبدعين والأدباء والفنانين وبين علماء الأزهر سنجنى ثمار ذلك من خلال التوازن فى الانطلاقة لتجديد خطاب دينى يساهم فى حل كل المشكلات المثارة على الساحة. وأضاف: إنه لا وقت للشجب والاستنكار وعلى الدولة أن تتحرك سريعا للقضاء على العنف والإرهاب والمحافظة على أبناء الوطن الواحد كما أن الدور الحقيقى للمؤسسات الدينية بكافة أنواعها أن يكون علماؤها فى الصف الأول مع القوات المسلحة والشرطة والشعب، لأنهم يوضحون الحلال والحرام وخطورة الإرهاب على المنطقة بأسرها. فضائيات التطرف وفى السياق ذاته أكد الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن الخلل الذى أصاب الناس فى العقيدة يشير بأصابع الاتهام بالدرجة الأولى إلى وسائل الإعلام, وخاصة المرئية والمسموعة, حيث تحول المجتمع من التمسك بالقيم والمبادئ التى دعت إليها الأديان, إلى نقيض ذلك, وقد كان لمجموعة من الفضائيات الممولة من أصحاب الفكر المنحرف دينيا وخلقيا وفكريا, قصب السبق فى إحداث هذا التحول, الذى ألقى بظلاله الكثيفة على أنماط السلوك فى المجتمع, كالإلحاد, وتعدد الزوجات, وأكل الحرام, والاعتداء على المحارم, والحقوق العامة والخاصة, وشهادة الزور وقوله, والتعامل بالنصب والاحتيال, والشعوذة, والدجل, وإثارة الشغب, وإراقة الدماء, وتخريب الممتلكات, وإقامة بؤر الفساد, إلى غير ذلك مما لا يتسع له المجال. وقال إن علماء الأزهر لم يقصروا فى توجيه الخطاب الدينى الوسطي, وتجديد نمطه, بحيث يواكب مقتضيات العصر, ولكن ما حيلة علمائه, إن كانت وسائل الإعلام فى جملتها تقصيهم, وتستقطب أصحاب الفكر الضال المضل, وإذا كانت قواعد الشرع تقرر أن “الضرر يزال”, فإن الذين أفسدوا فكر المجتمع وثقافته ومعتقده, مطالبون اليوم بإزالة ما صنعوه, وليستبدلوا بما نشروه وأعلنوه فكرا صحيحا يعيد الناس إلى الصواب. وأشار إدريس الى انه إذا كان للقائمين على الأمر سلطان توجيه أمر تجديد الخطاب الدينى إلى الأزهر فإن هذا الأمر ينبغى أن يوجه كذلك إلى من يملكون من الوسائل ما لا يملكه الأزهر, فإن وزارة الإعلام مطالبة بتجديد الخطاب الدينى بالدرجة الأولي, وكذلك وزارتا الثقافة, والشباب, بحيث يكون ذلك منوطا بها, ليتحمل القائمون عليها مسئولياتهم تجاه هذا الخطاب, الذى يملكون أدوات تجديده وإيصاله, وإلا كان القائمون عليها مقصرين فى حق أفراد هذا المجتمع, وإذا كان الأمن هو مسئولية الجهات المنوط بها تحقيقه, فإن الأمن الفكرى والثقافى والاجتماعى والعقدي, كما هو مسئولية الأزهر, فهو مسئولية وزارات الإعلام والثقافة والشباب بالدرجة الأولي, فليقم كل بدوره حتى لا يقوض أمن المجتمع من هذه الجوانب. وقال الدكتور محمد إسماعيل البحيري، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، إن المؤسسات الدينية فى الفترة الأخيرة شن عليها هجوم من قبل أنصاف المثقفين وتناسوا دورهم تجاه خدمة الوطن، وتساءل أين من يرفعون رايات التجديد أين دورهم فى خدمة المجتمع ونحن الآن فى حاجة ماسة وملحة بضرورة تضافر كل المؤسسات الفكرية. وطالب البحيرى بضرورة إصدار قرار من رئيس الدولة بضرورة أن يكون هناك دور واضح وملموس من كل المؤسسات والتعاون مع المؤسسة الدينية بالفعل والعمل وليس الشعارات وتوقيع المذكرات التى لا تغنى ولا تسمن من جوع. إحياء دور المساجد التاريخية وقالت الدكتورة هدى جابر الترساوي، عضو هيئة تدريس بقسم التاريخ بجامعة الأزهر، إن وزارة الثقافة مناط بها إعادة طبع الكتب التراثية، التى تدعو إلى القيم والمبادئ، ونشرها بأسعار رمزية، بالإضافة إلى إقامة الندوات والأمسيات الدينية التثقيفية برعاية الأزهر، وبمشاركة علمائه، مع الربط مع وزارة الآثار، وإقامة تلك الندوات والأمسيات فى المساجد الأثرية، كمحاولة للربط بين الحضارة المادية والقيمة الروحية، وتنمية روح الانتماء، وعمل مسابقات للشباب والنشء، عن أفضل بحث فى التاريخ الإسلامي، ليعكس روح التسامح، والسلام، واحترام الآخر مع ربط حضور العلماء بنشاط رياضى فى مراكز الشباب لكسر الصورة التقليدية، وبث القيم والمبادئ، مؤكدة أن هذه المبادرات سيكون لها تأثير أقوى من الكلام النظري، لأننا بحاجة إلى تحويل كل الأماكن التى نرتادها إلى منابر، لنشر قيم دينا السمح تحت مظلة الأزهر الشريف وذلك بالتعاون مع كل مؤسسات الدولة وجعل سلوكنا دليلا عليها.