الاثنين 20 مايو 2024.. استقرار أسعار الدولار فى بداية التعاملات ليسجل 47.06 جنيه للبيع    الاثنين 20 مايو 2024.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب4 مليارات جنيه    الرئيس الإماراتي يؤكد تضامن بلاده مع إيران    بدأت بسبب مؤتمر صحفي واستمرت إلى ملف الأسرى.. أبرز الخلافات بين جانتس ونتنياهو؟    تداول صور من امتحان الهندسة لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة    اليوم.. محاكمة طبيب نساء بتهمة إجراء عمليات إجهاض داخل عيادته    دعاء النبي للتخفيف من الحرارة المرتفعة    الرعاية الصحية تعلن حصول مستشفى الرمد ببورسعيد على الاعتراف الدولي من شبكة المستشفيات العالمية الخضراء    مجلس الوزراء الإيرانى: سيتم إدارة شئون البلاد بالشكل الأمثل دون أدنى خلل عقب مصرع إبراهيم رئيسي    باكستان تعلن يوما للحداد على الرئيس الإيرانى ووزير خارجيته عقب تحطم المروحية    إيمي سمير غانم تحيي ذكرى وفاة والدها: «ربنا يرحمك ويصبرنا على فراقك»    زد يسعى لمواصلة صحوته أمام الاتحاد السكندري بالدوري اليوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    تفاصيل الحالة المرورية اليوم الإثنين 20 مايو 2024    الشعباني يلوم الحظ والتحكيم على خسارة الكونفيدرالية    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري قبل اجتماع البنك المركزي    استقرار أسعار الفراخ عند 82 جنيها فى المزرعة .. اعرف التفاصيل    السيطرة على حريق بمنفذ لبيع اللحوم فى الدقهلية    اليوم.. أولى جلسات استئناف المتسبب في وفاة الفنان أشرف عبدالغفور    تراجع الفائض التجاري لماليزيا خلال أبريل الماضي    رحل مع رئيسي.. من هو عبداللهيان عميد الدبلوماسية الإيرانية؟    اليوم.. محاكمة 13 متهمًا بتهمة قتل شقيقين واستعراض القوة ببولاق الدكرور    جوميز: هذا هو سر الفوز بالكونفدرالية.. ومباراة الأهلي والترجي لا تشغلني    نجمات العالم في حفل غداء Kering Women in Motion بمهرجان كان (فيديو)    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    تسنيم: قرارات جديدة لتسريع البحث عن مروحية رئيسي بعد بيانات وصور وفيديوهات الطائرة التركية    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    فاروق جعفر: نثق في فوز الأهلي بدوري أبطال إفريقيا    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    المسيرة التركية تحدد مصدر حرارة محتمل لموقع تحطم طائرة رئيسي    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    سوريا تعرب عن تضامنها مع إيران في حادث اختفاء طائرة «رئيسي»    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    أول رد رسمي من الزمالك على التهنئة المقدمة من الأهلي    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    الصحة: طبيب الأسرة ركيزة أساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيد «الشاى الأخضر».. من الجيزة
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 09 - 2014

دعيت لتناول الشاى على الطريقة اليابانية فى منزل توشيرو سوزوكى السفير اليابانى فوق العادة إلى مصر، ولفت انتباهى أن شرب الشاى كان بالملابس الرسمية فى حين أنه دعانى مرتين قبل ذلك لتناول الغداء دون إشتراط الكرافاته. لم أستطع مقاومة التساؤل وأنا فى الطريق عن شرب الشاى الذى يرتدون له البذلة الكاملة؟.
وصلت ووجدت بساطا أعلى من مستوى الأرض بعدة سنتيمترات ممتدا على أرضية الصالة، وعدة ضيوف مصريين من المهتمين بالثقافة وباليرينا إيطالية شهيرة وسيدات يابانيات يرتدين الكيمونو التقليدى وإناء كبير إستنتجت أنه براد شاى، ولكن كان أغرب ما رأيته هو رجل مصرى يرتدى هو الآخر الكيمونو اليابانى. لم أكن مدركا للزيادة الهائلة فى وزنى حتى جلست على كرسى هوى بى أرضا، وجاء السفير مبتسما وقال إن هذه الكراسى الإيطالية مصممة لتحمل الأوزان اليابانية الأقل ثقلا.
بدأ الاحتفال بأن ألقى السفير كلمة عبر فيها عن إهتمام الأمة اليابانية بطقوس شرب الشاى (بالرغم من إنه قد اكتشف أساسا فى الصين) وأخبرنا بأنه سيتم تقديم الشاى الأخضر لنا جلوسا على تلك المقاعد، بالرغم من أن التقليد الأساسى هو أن نجلس جميعا على الأرض كما سيرينا حراس التقاليد مرتدى الكيمونو.
أعلنت المتحدثة الرسمية فى الحفل أن الأستاذ طارق سيد هو العربى الوحيد الذى حصل على شهادة «سيد الشاى»، والتى تعتبر قلادة رفيعة المستوى يحصل عليها المرء بعد دراسة طويلة فى معهد متخصص، وكيف أننا سوف نرى مثالا لمراسم شرب الشاى فى غرف الشاى اليابانية الشهيرة.

القدر والباب الخلفى

إلتقيت بطارق بعد هذا الحفل ليشرح لى ما فعلته به اليابان وكيف حصل على هذه الشهادة، فأجاب إنه القدر. لم يتدخل هو لإختيار هذا الطريق، فقد دخل قسم اللغة اليابانية فى كلية الآداب بسبب أن مجموع درجاته كان أقل درجة من المطلوب لدراسة الإنجليزية (علشان يبقى مدرس إنجليزى) وكان يعتقد أنه سيعمل فى شركة يابانية بالقاهرة، ولكن ترتيبه جاء الثالث على الدفعة فلم يتم تعيينه معيدا، وإنماحصل مع زميلة أخرى على منحة للدراسة فى اليابان، وبالرغم من اهتمامه بالمسرح فلم يستطع التخصص فى مسرح النو أو حتى الكابوكى، ووجد أن الإختيار الوحيد الذى تتيحه المنحة هو دراسة يابانية حضارية، فإختاره الشاى وإختارت زميلته فن تنسيق الزهور.
وقبل أن أنطق فهم هو ما كدت أن أسأله، فقال إن الجميع سخروا منه وسألوه عما إذا كان من مشاريعه أن يفتح قهوة فى القاهرة بعد تخرجه؟ وشرح أن مراسم الشاى هى ليست دراسة كيف تقدم الشاى، ولكنها أن تعيش أساليب الحياة اليابانية العريقة فى القدم، وشرح لى أن سين ريكيو كان هو مؤسس أسلوب شرب الشاى منذ قرون عديدة، وكان له تلاميذ كثر قاموا بالحفاظ على تعاليمه فى هذا الشأن، وأسسوا بدورهم عدة مدارس فى مدينة كيوتو قلب ذلك التقليد الجميل، أشهرهما مدرسة «الباب الأمامى لتعليم الشاى أوموتيه سينكيه» ومدرسة «الباب الخلفى لتعليم الشاى أورا سينكيه» اللتان ظلتا تتبادلان المركز الأول على مدى قرون، وكيف إختاره القدر ليدخل هذا العالم الفريد من الباب الخلفى. كان حفيد سين ريكيو يعطى منحا للحفاظ على تقاليد جده السادس عشر، وجاءت المنحة من نصيب طارق سيد، سيد طقوس الشاى.
كان عليه أولا أن يتعلم أن يحترم أسلوب الآخرين، والنظافة والترتيب الفائقين، وهى مسائل يمكن أن يمارسها أى إنسان ولكنها هنا تتعدى حدود الممارسة الإختيارية لتصبح إلزامية لا تهاون فيها. كان عليه أيضا أن يتبع نظاما صارما وجدولا يوميا يبدأ من السابعة والنصف صباحا ولا يمكن مخالفته، متضمنا إعداد وتجهيز غرف الشاى للدراسة وتنظيفها بعد الدرس وكيفية معاملة الأكبر سنا أو مقاما. بإختصار أن تتعلم صنع الشاى يشبه أن تتعلم أن تكون يابانيا من الطراز الكلاسيكى الصرف. وقد ساعده ذلك فى تعامله مع المجتمع اليابانى فى حياته العملية.

دار الأوبرا فى مدينة نصر

ويقول «سيد الشاى» أنه عندما أنشأت اليابان دار الأوبرا المصرية كان هناك تفاهم بين فاروق حسنى والسفارة اليابانية، أن أقل مايمكن تقديمه كشكر لحكومة اليابان هو تخصيص مكان فى دار الأوبرا كمركز ثقافى يابانى يتم فيه تقديم أوجه من الحضارة اليابانية وربما دروس فى اللغة اليابانية، وقد أعجبت السيدة المحترمة جدا ماجدة صالح (أول رئيسة للأوبرا) بالفكرة واهتمت بها، واقترحت عمل حفل لطقوس الشاى ضمن مراسم الافتتاح، فحضر فريق عمل من المؤسسة فى اليابان للتجهيز، ولكن تمت الإطاحة بماجدة صالح قبل الافتتاح بأيام وجاءت بعدها الدكتورة رتيبة الحفنى التى إنشغلت بمسألة حضور الرئيس حسنى مبارك وإقترحت أن يتم تقديم الشاى على جنب كمشروب خفيف «على جنب كده»، فاعتذرنا عن عدم تقديم الشاى.
وهكذا احتفل اليابانيون بإفتتاح الأوبرا فى مركز الرياضات اليابانية بنادى الزهور بمدينة نصر.

الساموراى يشرب شاى

ولكن لماذا اكتسب الشاى تلك الأهمية القصوى؟ لماذا تطورت طقوس شرب الشاى إلى تقليد بهذه الأهمية؟
يقول سيد الشاى ذو الأصول الجيزاوية، أنه عندما يريد أحد فى مصر أن يتبادل حديثا مع صديق، فإنه قد يقول له «إشرب شاى»، وهذه قد تكون مجرد دعوة لشرب الشاى ولكنها فى الأغلب تكون دعوة للحوار، وهذا ما حدث فى كيوتو منذ قرون طويلة، حين كان الساموراى (المحاربين) التابعين للقبائل الكبيرة يجوبون الآفاق حاملين سيوفهم ويتقاتلون باستمرار، فإبتكر سين ريكيو غرف شرب الشاى، وجعل من الهدوء السمة الأساسية لتلك الغرف. فيشترط لدخول الغرفة أن تترك حذاءك (أو أيا كان ما ترتديه فى قدمك) خارجا، وتترك معه كل ما يمكن أن يصدر صوتا بما فيه السيوف والأسلحة.
تتكون الغرفة من بساط التاتامى، وهو حصيرة مصنوعة من قش الأرز (وقد رأيتها عند دخولى منزل السفير)، ولوحة معلقة مكتوب فيها غالبا شعر أو حكمة من الفلسفة البوذية بالخط اليابانى القديم –وتتغير هذه اللوحة بإستمرار– وزهرية فيها الزهور منسقة بأساليب الإيكيبانا اليابانية الشهيرة، وأخيرا أدوات صنع الشاى.
أما اللوحة فموجودة لتفتح مجالا للحديث عن أساليب الخط أو عن الشعر المكتوب، وكذلك الزهور موضوعة لكى تفتح حديثا عن جمالها وعما يخصها، كما يمكن الحديث عن آنية الشاى التى يصنعها فنانون مشاهير وكلها كما ترى أحاديث تبعث على السكون والحكمة والراحة. ممنوع منعا باتا الحديث فى أى موضوعات قد تثير أى نوع من الخلاف، كالسياسة أو الرياضة أوحتى الدين، فضيوف الشاى قد يكونون من أديان مختلفة كالبوذية والشنتوية مثلا.

السكون

ونعود لصالة بيت السفير. إلتففنا حول التاتامى، ودخل سيد الشاى وفتاتان يرتدون حميعا الكيمونو ويرتدون الزورى فى أقدامهم. الزورى هو شبشب يابانى معروف، وخلعوه قبل إن يطأوا التاتامى بأقدامهم، وبعد ذلك زحفت أقدامهم فوق التاتامى دون أن يرفعوها من على الأرض تقريبا، وأخبرنى طارق أن السبب هو الحفاظ على السمة الأساسية لحفل الشاى – الهدوء الشديد. ركع سيد الشاى بجانب الغلاية وحوله أدوات صنع الشاى، وأمامه فتاة تقوم بدور الضيفة الأولى، وبجانبها الضيفة الثانية. قام أولا بوضع بودرة خضراء تشبه الدقيق فى إناء واسع ثم سكب فوقها الماء المغلى بإستعمال مغرفة خشبية، ثم أمسك بفرشاة حلاقة وإستعملها لتقليب الشاى البودرة فى الماء. اكتشفت فيما بعد أنها ليست فرشاة حلاقة وأنما شعرها صلب ومصنوع من خشب البامبو, وللأسف وبالرغم من أنها أجمل أدوات صنع الشاى, فإنها لا تستعمل سوى مرة واحدة. المهم، وضع سلطانية الشاى أمامه ودفعها بإنحناءة للضيف الأول التى إنحنت هى الأخرى ووضعت الإناء الصينى المزخرف فى الوسط تماما وأمسكت به بيديها فى عملية هندسية دقيقة، كفيلة بأن تصرف نظر الساموراى عن أية مشاكل تركها مع أسلحته خارج الباب. وبعد تذوق الشاى، يجئ الدور على الضيف الثانى المنتظر فى هدوء وصمت. فينحنى السيد ويعطى إناء الشاى للضيف الأول الذى ينحنى لإستلامه، ثم ينحنى ويدفعه برفق فوق التاتامى للضيف الثانى الراكع فى سكون، والذى ينحنى هو الآخر لإستلام الشاى ثم تتكرر الإنحناءات كلها حتى تعود السلطانبة للسيد. والسؤال هو: ماذا يحدث إن لم يعجب الشاى الضيف الثانى أو الثالث؟
عليه أن ينحنى فى هدوء للضيف الأول ويخبره بما يريد، وبعدها ينحنى الأول مبلغا الرسالة للسيد: هذه الإجراءات المطولة ليست إضاعة للوقت إو للمجهود كما يبدو، وإنما هى جميعا لترسيخ مبدأ الهدوء والسكون وطول الأناة الذى يجب إن يكون سائدا فى غرف الشاى.
بعد أن إنتهى عرض طقوس الشاى دخلت علينا فتيات بالكيمونو يحملن حلوى يابانية بطعم الشاى، وسلطانية صغيرة بها القليل من الشاى ولونه غريب لا يشبه أى شاى رأيته فى حياتى من قبل. فأولا هو ليس شفافا وانما يبدو مثل عصير الكنتالوب. إنتهى الحفل ولم أذق ما يكفينى من الشاى. وقيا أن أصدر بيانا صحفيا أعلن فيه إعتراضى على أننى لم أشرب ما يكفينى تدخل السيد هيدياكى ياماموتو فى اللحظة الأخيرة وأخذنى للصالون الثانى على يسار المدخل حيث يتم تقديم الشاى مرة أخرى بهدوء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.