الجريمة لا تحتاج إلي مقدمات أو مبررات، وما حدث بميدان التحرير في احتفالات تنصيب الرئيس الجديد، من تحرش جماعي بسبعة فتيات ومن قبلها جريمة أخري في نفس الميدان بسيدة ونجلتها في احتفالات إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، لا تقل في جرمها عن عقوبة القتل. وخلال متابعتي لردود الأفعال بعد الجريمة الأخيرة، وجدتها في أغلبها كالعادة أفرغت الواقع والحقيقة من مضمونها، وبدء أنصار الإخوان استخدامها للنيل من فرحة الشعب برئيسهم الجديد، ولا حرج علي هؤلاء فهم لا يمثلون الدين ولا يفهمون إلا لغة «القرد والقرداتي!»، أما أصحاب الفرح فبحثوا عن المبررات بوجود مندثين لإفساد فرحة المصريين، وآخرون اكتفوا كالعادة بالصويت والعويل وتحقيق أرقام قياسية جديدة في مشاهدة الحادث علي مواقع التواصل الاجتماعي، ونداءات للرئيس «حق الستات اللي بتحبك يا ريس!»، وغيرها من الأسباب دون الاتفاق حول وجود جريمة حقيقية لا تقل في مضمونها عن القتل بدون مبررات أو أسباب. ما يحدث في لغة المصريين عن التحرش، كما هو الحال عند الحديث عن الفنانة فلانة المعتزلة بعد ارتدائها الحجاب والابتعاد عن الأضواء فتجد من يقول «فاكر كانت بترقص أزاي.. فاكر المايوه بتاعها في فيلم كذا.. يا سلام علي ماشيتها»، وبعد الانتهاء من حديثه الغرائزي يردد «بس الحمدلله ربنا كرمها دلوقتي»!، وإذا كان ربنا كرمها فما بالك أنت تفضحها مرة أخري. أصبحت جرائم التحرش ظاهرة واقعية و»طبيعية» لا تفرق بين فتاة أو سيدة، بحجاب أو بدون بما في ذلك المنتقبة، ولم تسلم المتزوجة بجوار زوجها هي الأخرى وهي الجريمة التي وقعت منذ عامين في احدي الأعياد بكورنيش ماسبيرو عندما لقي رجلًا مصرعه بمطواه علي يد شباب بسبب دفاعه عن أخلاقه ورجولته لمعاكسة هؤلاء الفتية لزوجته، ولعلها أبشعها جريمة الطفلة زينة، وغيرها من الجرائم التي وقعت بسبب التحرش. فأغلب جرائم التحرش من المؤسف أنها أمام مرأئ ومسمع من مجتمع تفرغ للحديث عنها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي او الاكتفاء بمشاهدة الوقائع وتصويرها بالهواتف المحمولة أو قراءتها في الصحف، والأسوأ هو غياب القانون فلن تستطيع النيابة أن تكيف القضية بشكل قانوني فهناك شيوع في ارتكاب الواقعة، وأن تم إدانتهم فأقصى عقوبة تم إقرارها وفقا للقانون الجديد لعقوبة التحرش الذي أصدره رئيس الجمهورية المؤقت لن تتعدى ال3 سنوات أي 27 شهرا فقط لا غير ..فضلا عن أن مرتكبيها سيكونون من المسجلين خطر وأرباب السوابق الذين اعتادوا الإجرام. والمحصلة النهائية تؤكد أن الجميع مشارك في الجريمة، فإذا كانت جرائم التحرش الأكثر شيعة بين الطبقة الفقيرة والأقل من المتوسطة، فالمثقفين والطبقات العليا مشاركين بطرق أخري، وليست المشكلة الآن في أسباب التحرش والدوافع وغيرها...، ما يحدث من جرائم تحت هذا النوع أظهرت الكراهية في المجتمع المصري لعل التحرش، والتعصب الكروي العنيف، والاستقطاب السياسي الحاد، والتطرف الديني أهم تلك الظواهر، والعقوبة القضائية ليست كافية، فلابد من الفهم العلمي لأسباب تفشى كراهية الأخر في مجتمعنا. F أشرف عمران