أفادت صحف مكسيكية الخميس (17 ابريل) أن الروائى الكولومبى غابريل غارسيا ماركيز توفى فى مكسيكو سييتى عن 87 عاما. وأكدت المتحدثة باسم أسرته فرناندا فاميليار وفاته على حسابها على تويتر. ويعد ماركيز من أشهر روائيى أمريكا اللاتينية، وقد حاز على نوبل للاداب عام 1982 هذا الخبر نشرته الصحف المكسيكية الخميس. ومع هذا تأخرنا فى الاهتمام به باعتباره خبراً ثقافياً يرقى لمستوى الخبر السياسى. لأننى عرفته من هيئة الإذاعة البريطانية عندما أوردته كخبر أساسى. واستمعت لتقرير عن وفاته. ولكن يبدو أن انكفاء المصريين على مصر وانشغالهم بهمومها يوشك أن يأخذ صحافتهم من اهتمامات الدنيا وانشغالات العالم. رغم أن روايته: مائة عام من العزلة. منشورة عام 1968. إلا أن اهتمامنا بها بدأ بعد حصوله على نوبل سنة 1982. أى قبل حصول نجيب محفوظ عليها بست سنوات. ثمة فارق بين حصول الأول والثانى على نوبل. فنوبل ماركيز تحولت لنوبل لأدب أمريكا اللاتينية جميعه. فى حين أن نوبل نجيب محفوظ لم تخرج عن كونها نوبل المحفوظية. والسبب لا يحتاج إلى إيضاح. فأمريكا اللاتينية جزء من الحضارة الغربية. بينما نحن الآخر. جزء من العالم الإسلامى الذى يناصبه الغرب العداء منذ أزمنة الحروب الصليبية وحتى الآن. فى تسعينيات القرن الماضى. وعندما كنا نستعد لمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى زمن الدكتور سمير سرحان. فكرنا فى استضافة ماركيز فى مصر. قلت لهم إنه فى كتاب اعترافاته: عزلة ماركيز. اعترف بأن زوجته: مرسيدس من أصول عربية. وأن أسرتها تنتمى قبل هجرتها لمدينة بور سعيد المصرية. حاولنا الاتصال به. كان معنا محمد غنيم وكيل وزارة الثقافة المصرية للعلاقات الثقافية الخارجية. وقد ساعدنا للتوصل لوكيلة أعماله الأدبية. ساعتها أدركت الفارق بين تعامل مجتمعاتنا مع الأديب وكيف ينظرون هم لأديبهم. بل ويقدرونهم. لأن وكيلة الأعمال سألت عن الوقت الذى نريد زيارة ماركيز فيه. فقلنا بعد شهر من الآن. فاستغربت الطلب وقالت إن مواعيد ماركيز المحددة سلفاً تجعل من المستحيل عليه زيارة أى مكان فى العالم قبل سنة من الآن. فى سنوات هجرته الأوروبية وإقامته الباريسية عمل ماركيز مراسلاً صحفياً لصحف بلاده. وعندما بدأ الكتابة الأدبية وخشى عليها من الصحافة قرأ عبارة لأرنست هيمنجواى. يقول فيها: إن الصحافة تناسب الروائى تماماً بشرط أن يعرف الوقت الذى يهجرها فيه. اعتبر ماركيز هذه العبارة دستوراً فى حياته. وما إن تمكن من الاستقلال المادى من وراء نشر الأعمال الأدبية حتى هجر العمل الصحفى تماماً. أموال نوبل أخذها ماركيز أسس بها فى كوبا معهداً لتدريس كتابة السيناريو السينمائى والتليفزيونى للأجيال الطالعة من أبناء أمريكا اللاتينية. وكانت قد جمعته صداقة حميمة مع الزعيم الكوبى فيديل كاسترو. وله كتاب من أجمل ما كتب عن كاسترو ترجم إلى العربية ولم يحدث التأثير الذى أحدثته أعماله الأدبية. وقائع ورشة التدريب على كتابة السيناريو. نشرها ماركيز فى ثلاثة مجلدات تحت عنوان: نزوة القص المباركة. وعندما جلس ليكتب سيرته الذاتية أو اعترافاته. اختار لها عنواناً: جئتها لأروى. وفى ترجمات أخرى: عشتها لأروى. ولم يكتب كتابة سهلة وبسيطة. لكنها كانت أقرب إلى واقعيته السحرية التى تجلت فى نصوصه الروائية المهمة. هل عندى الشجاعة لكى أعترف بأننا اكتشفنا الوجه الفنى لألف ليلة وليلة من كلام ماركيز عنها؟ وأن موجة من قراءة الليالى بدأت عندما اعترف بأنه اكتشف الواقعية السحرية من قراءته لألف ليلة وليلة. وقدم أمثلة من قصص كثيرة فى الليالى تخترق الزمان وتتنقل فى المكان بحرية مطلقة. وتقدم الوجه السحرى لأحداث الحياة. من يتكلمون عن ماركيز يركزون على روايته الرئيسية: مائة عام من العزلة. بل إن البعض يدعى أن الرواية هى التى حصلت على نوبل. مثلما فعلنا مع نجيب محفوظ وقلنا إن روايته: أولاد حارتنا هى التى حصلت على نوبل. ومع هذا أعترف بأن ما أعجبنى فى نتاجه الأدبى ما اعتبره أهل الثقافة من النتاج الهامشى لجارثيا ماركيز. ماركيز بالنسبة لى هو صاحب القصة القصيرة الطويلة: ليس لدى الكولينيل من يكاتبه. وهو نص بديع يرصد حياة كولونيل على المعاش يقضى وقته فى انتظار رسالة لا تصل إليه أبداً. يتجول فى أحياء مدينته. يشاهد ما لا يرغب فى مشاهدته. على أمل أن تصل الرسالة التى لا تصل إليه. قال ماركيز أنه كتب رواياته الكبرى: خريف البطريرك. الحب فى أزمنة الكوليرا. قصة موت معلن لكى يصل فى النهاية للكولونيل الذى ينتظر الرسالة التى لا تصل أبداً. قرأت لماركيز مجموعته القصصية الفريدة: قصص ضائعة. يتحدث فيها عن القصص التى فكر فى كتابتها وشغلته ظروف الحياة عن ذلك. يحكى الفكرة، فتكتشف أن هذا الرجل خلق ليكون حكاء. فقد شغلته الحكايات حتى فى نومه. فقصصه الضائعة ربما كانت أهم بكثير من قصصه التى تمكن من كتابتها ونشرها فى حياته. قرأت له النص المسرحى الوحيد الذى كتبه فى حياته: اعترافات الرجل الجالس وحيداً. وفيه قدرته الفريدة على السرد والحكى من خلال رجل يكلم نفسه جالساً بمفرده على المسرح. لكن الجملة التى صدَّر بها ماركيز نصه المسرحى الوحيد. تصيبك برعشة لحظة قراءتها: أكبر الأوهام هو ما يسمى بالسعادة الزوجية. الكتابة عن ماركيز لا بد أن تدفعنى للكتابة عن صالح علمانى. الرجل الذى لولاه ما قرأنا ماركيز مترجماً إلى العربية من خلال نصوص لا تقل حلاوة عما كتبه ماركيز فى لغته الأصلية. لا أعرف أين هو صالح علمانى الآن بعد أن جرى ما جرى لسوريا؟ لكن قبل امتنانى لماركيز لا بد من اعتراف بأفضال صالح علمانى. لمزيد من مقالات يوسف القعيد