رئيس الوزراء يعقد لقاءً مُوسعًا مع المستثمرين وأصحاب الشركات الناشئة    أسعار سيارات شانجان 2024 في مصر.. الأسعار والمواصفات والمزايا (التفاصيل كاملة)    برلماني: موقف مصر من القضية الفلسطينية تاريخي وراسخ    الشناوي على الدكة| تعرف على بدلاء الأهلي لمواجهة الترجي بنهائي دوري الأبطال    لفتة طيبة في مدرجات الأهلي قبل مباراة الترجي التونسي بدوري أبطال إفريقيا    صدمة جديدة ل تشواميني بسبب إصابته مع ريال مدريد    السجن المشدد 15 عاماً لمتهمة بالانضمام لخلية المنيا الإرهابية    فى حب « الزعيم»    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتفقد مشروعات العلمين الجديدة    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    «إسرائيل.. وقرارات القمة» (1)    متحدث فتح: نتنياهو لا يريد حلاً.. وكل من يقف جانب الاحتلال سيلوث يده    دخول قانون التجنيد "المثير للجدل" حيز التنفيذ في أوكرانيا    منها تعديل الزي.. إجراءات وزارة الصحة لتحسين الصورة الذهنية عن التمريض    خطة اغتيال عادل إمام.. المُكلف بالتنفيذ يروي الكواليس    تفاصيل اجتماع وزير التعليم ومحافظ بورسعيد مع مديرى الإدارات التعليمية    الزمالك يختتم تدريباته استعداداً لمواجهة نهضة بركان في إياب نهائي الكونفدرالية    رسميا.. نافاس يبقى في إشبيلية "مدى الحياة"    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    حادثه خطيرة.. تامر حسني يطالب جمهوره بالدعاء ل جلال الزكي    من بينهم أجنبى.. التحقيقات مع تشكيل عصابى بحلوان: أوهموا ضحايهم بتغير العملة بثمن أقل    السكك الحديد تعلن تشغيل قطارات إضافية بمناسبة عيد الأضحى المبارك    خطوات مطلوبة لدعم المستثمرين والقطاع الخاص    6 عروض مجانية بإقليم القناة وسيناء الثقافي    فصائل فلسطينية تعلن استدراج قوة للاحتلال.. وقتل 5 جنود وإصابة آخرين    يوم عرفة.. ماهو دعاء النبي في هذا اليوم؟    أعراض الذبحة الصدرية عند الرجال والنساء، وما هي طرق علاجها؟    «الأوقاف» تفتتح 10 مساجد بعد تجديدها الجمعة المقبلة    19 صورة لاكتشاف نهر بجوار الهرم الأكبر.. كيف بنى المصريون القدماء حضارتهم    «الصحة» توجه نصائح هامة لمرضى الجيوب الأنفية للحماية من التقلبات الجوية    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    عاجل.. تقارير سعودية تكشف كواليس انتقال أحمد حجازي إلى الأهلي    بالخطوات.. طريقة الحصول على نتيجة الشهادة الابتدائية 2024    «لابيد» يأمل أن يغادر «جانتس» الحكومة الإسرائيلية.. والأخير يلقي كلمة مساء اليوم    برج الثور.. حظك اليوم السبت 18 مايو: عبر عن أفكارك    تاني تاني.. تغيير جلد ل غادة عبد الرازق وأحمد آدم    حصاد تريزيجيه مع طرابزون قبل مواجهة إسطنبول باشاك شهير فى الدوري التركي    وزير التعليم: لدينا 46 ألفًا و994 طفلًا من ذوي الهمم.. و159 ألفًا و825 بمدارس الدمج    مذكرة قواعد اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي 2024.. لا يخرج عنها الامتحان    العلاج على نفقة الدولة.. صحة دمياط تقدم الدعم الطبي ل 1797 مواطن    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    حزب الله يعلن استهداف تجمعا لجنود الاحتلال بثكنة راميم    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. علي جمعة يوضح    هل مواقيت الحج والعمرة ثابتة بالنص أم بالاجتهاد؟ فتوى البحوث الإسلامية تجيب    مصر تنافس على لقب بطولة CIB العالم للإسكواش ب3 لاعبين في المباراة النهائية    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    جامعة مصر للمعلوماتية.. ريادة في تطوير التعليم الفني    «الصحة»: وضع خطط عادلة لتوزيع المُكلفين الجدد من الهيئات التمريضية    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    محافظ المنيا: استقبال القمح مستمر.. وتوريد 238 ألف طن ل"التموين"    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزهى عصور الخيانة أبناء «الزينى بركات» يرقصون على دماء الشعب!

عند صلب الصوفى الحلاج في بغداد، قذفه العامة بالحجارة، حتى تمزقت أعضاؤه، فلم ينطق بكلمة «آه»..ثم رماه أحد أصدقائه بوردة حمراء.فغرق الحلاج فى البكاء، وقال له: «لقد آذيتنى يا هذا»..وحينما صرخ يوليوس قيصر: «حتى أنت يابروتس؟!»، لم تكن من ألم الخنجر، بل من حرقة الخيانة..أما «يهوذا الاسخريوطى» فكشف شخصية «المسيح» لأعدائه من اليهود، مقابل دراهم فضية، ب»قبلة على وجه يسوع» ثم انتحر.
وخان الوزير«ابن العلقمى» دولته العباسية وكتب إلى التتار يدعوهم لإزاحة الخلافة، فتفجرت براكين الدماء بأكبر مجزرة إنسانية. فى القرن الحالى صار كثيرون على نهج «ابن العلقمى»: الجلبى والعلاوى والجعفرى والمالكى الذين سلموا بغداد للأمريكان والإيرانيين.. فى مصر المحروسة نعرف خيانات بلا حصر: من المعلم يعقوب مع الفرنسيين، حتى مبارك «كنز إسرائيل الاستراتيجى»، وصولا إلى الرئيس الربانى محمد مرسى - وأهله وعشيرته- كنز أمريكا وتركيا وقطر و...إلخ، إلخ،على نحو ما تكشف التحقيقات الجارية. السؤال: لماذا يغادر عشق الوطن مكانته الرفيعة، إلى مقالب القمامة؟!..الإجابة الآثمة: فتش عن :الخيانة».. بئرعميقة لم يجد الغيطانى دركا أسفل منها ينحدر إليه الإنسان، فى روايته الفاتنة «الزينى بركات»؛ لأجل ذلك لاحق دانتي، فى «الكوميديا الإلهية»، الخونة إلى الجحيم وجعل للشيطان في قعر الجحيم ثلاثة أفواه؛ لكي يلتهمهم بها..!
(1)
انقضى عهد الإخوان وانكشف الغبار عن خديعة مدوية..
الكيد فاضح معجون باللعنة، طرطشة الدم تزيح غموض ما جرى: حوّل مرسى شرعيته فى الحكم نوعا من السفاح، مبدأ الإخوان الثابت:»عندما يتعلق الأمر بالبقاء فى السلطة فإن المبادئ تعد من قبيل الترف»..جماعة رفعها الوطن إلى العرش، فسعوا إلى تمزيقه ورهن أمره للقاصى والدانى.. هل بعد خيانة الأوطان ذنب؟!..
التفاصيل ماكرة تلزمنا بتقليب صفحات «الزينى بركات» التى كتبت فى السبعينيات.. كلمات الرواية رماح تبقر بطون الخسة والانتهازية والاستبداد والقمع والفساد.. وبرغم روعة الخيال فإن لمحات الحقيقة ماثلة فى خلفيتها، لايستوحى الغيطانى وقائعها من التاريخ، بقدر ما يستخرجها من الواقع، ويفضح المخفي من خيانات نهاية عصر المماليك، وسقوط مصر بأيدى العثمانيين، فى القرن ال16، راسما تجليات المحنة، ومحذرا من تكرار عوامل الانكسار، فى إطار بوليسى مشوق ومؤلم يرويه الرحالة الإيطالى «فياسكونتى جانتى».
تبدأ الرواية بمفاجآت المدوية، أولاها: عزل والي الحسبة الظالم المتجبر (علي بن أبي الجود) وسجنه ومصادرة أمواله، بعد أن غضب الناس وضجوا طويلا من تسلطه وفساده وتنكيله بعامة الشعب من الفقراء والغلابة، وفتحه أبواب الثراء الفاحش للأمراء وذوى النفوذ مهما ارتكبوا فى سبيل ذلك من جرائم. ثم تأتى المفاجأة الثانية: بإصدار السلطان الغورى أمرا بتولية «بركات بن موسى» منصب الحسبة الشريفة والإنعام عليه بلقب (الزيني)، على أن يعاونه (نائبه) كبير البصاصين الشهاب زكريا بن راضى..المربك أن «بركات بن موسى» رجل غامض، كبير البصاصين نفسه لا يعرف شيئا عن هذا الشخص القادم من المجهول!!..»الحسبة» منصب خطير يجعل «الزينى» عزيز مصر، أو الحاكم الفعلى للبلاد الذى يتحكم فى أهم شئونها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية،يراقب الأسواق وأسعار السلع، وتتبعه أجهزة الأمن والمخابرات (البصاصين) التى ترصد كل شاردة فى أرض مصر وصدور أهلها، الصغير قبل الكبير، حماية لنظام الحكم، حتى لو وصل الأمر إلى هتك ستر العلاقة بين رجل وزوجته ومعرفة عدد مرّاتها وضبطها عند اللزوم، مثلما حدث بين العطار وجاريته..!
(2)
المفاجأة الصادمة أن الزينى بركات – وعلى غير ما جرت العادة- تضرع للسلطان «باكيا راجيا إعفاءه من هذه المسئولية الجسيمة.. فهو لن يستطيع أن ينام ليله لو كان هناك مسلم مظلوم في مكان ما سيحاسب عنه يوم القيامة، وهو لا يعلم به».. كاد الشهاب زكريا يفقد صوابه؛ لأن تحرياته تقول إن بركات بن موسى دفع ثلاثة آلاف دينار إلى الأمير قاني، لكي يشترى بها منصب الحسبة..!
الخطة المرسومة تسير بدقة، إذ تحركت جموع الناس فى الأزقة والحارات، ليتراجع بركات عن رفضه.. ولما قبل منصب الحسبة تنفست الجموع الصعداء، مستبشرين بعهد عدل و رخاء.
ثم تحدث تحولات رهيبة، يبدأ الزينى بركات عهده بأعمال تدل – فى ظاهرها- على الصلاح، كتعليق الفوانيس ومطاردة صغار المحتكرين؛ لترسيخ صورته حاكما عادلا بين الجماهير. ولما يستتب له الأمر، ينشر الظلم والرعب بينهم، يعذب الفلاحين وينكّل بالأبرياء وينتزع أموالهم، وينشئ جهازا خاصا به للتجسس (البصاصة)، ويقمع المخالفين، مثل الأزهرى الشاب (سعيد الجهيني) الذى انتزعوا منه محبوبته سماح (مصر)، وزوّجوها لأحد المماليك، ويجنّد زميله عمرو بن العدوى لمراقبته هو وغيره من طلاب الأزهر وعلمائه.
كل هذا الإرهاب للاستفراد بالسلطة وخدمة المصلحة الشخصية، فى دولة (رخوة) يتصارع أمراؤها فوق أجساد العباد، كالأفيال فى حديقة النمل، خصوصا بعد حسم الزينى صراعه الحاد مع الشهاب زكريا، واكتشف الرجلان أن مصلحتهما واحدة فى العمل معا للهيمنة والاستحواذ على الحكم وعلى الحاكم نفسه..أقاما نظاما دقيقا للتجسس على الخلائق، ولصنوف التعذيب الوحشى المبتكرة، كتلك التى تعرض لها المحتسب المخلوع (على بن أبى الجود) فى سجنه- ليكشف عن حجم ثروته وأماكن وجودها- :قطع رءوس ثلاثة فلاحين وتعليقها فى رقبته، أو حرمانه من النوم، أو طلاء رجليه بالملح وترك (معزة) تلعقها إلى أن يفقد الوعى، أو هرس أعضاء الأبرياء أمامه..والمقشرة، آه من المقشرة..آلة التعذيب الرهيبة!..
لا يجرؤ الناس على الاعتراض، اعتادوا الظلم ورضخوا له.لأن «الخير مسكوب والشر باغ والعهر طاغ».. نطق رجل عجوز:»ظهور ابن موسى علامة من علامات خراب الدنيا.. فانصرف عنه الناس خوفا».. شعورعام برهبة خفية من الزينى..هنا الضحية فى مواجهة الجلاد المدجج بأدوات التنكيل والبطش.
(3)
وتبلغ الإثارة قمتها ، عند اكتشاف القارئ أن الاتجار بالدين وسيلة يستخدمها الحكام الكاذبون، فى كل العصور،للضحك على ذقون الناس. من خلال مشاهد كثيرة في الرواية، لتدلل على أن السمكة تفسد من رأسها، وكذا الأنظمة السياسية، بتهافت الحاكم وفساد حاشيته- قل أهله وعشيرته- واستشراء الانتهازيين فى دوائر السلطة، وهى طبقة من الخونة التى تأكل على كل الموائد، لذا انكسرت دولة المماليك، بسبب الفساد والقمع والخيانة، أمام العثمانيين بعد أن كانت أهم قوة على وجه الأرض، أوقفت زحف التتار واقتلعت الجيوش الصليبية من الشرق. مات السلطان الغورى –كمدا- تحت سنابك خيل الخونة من مماليكه: خاير بك وغيره من الأمراء فى «مرج دابق». ثم يُشنق السلطان طومان باى ويُعلق على باب زويلة، بعد أن غدروا به فى معركة الريدانية.. ويختفى الزينى بركات أياما. لتتكشف مفاجأة المفاجآت فى الرواية؛ عندما يدنس الغزاة العثمانيون أرض الكنانة ويحتلونها، ويعينون رجلهم (جاسوسهم) واليا للحسبة فى بر مصر من جديد، الذى لم يكن سوى (الزينى بركات) نفسه، الرقيب على أمن البلاد والعباد!.
يلخص الرحالة الإيطالى سلوك الانتهازيين والخونة: «البلد الذى رضعوا خيره حتى صلبت عظامهم يقدمون ما فيه مطبوخا جاهزا ليأكله ابن عثمان». ويقول:»في ترحالي الطويل لم أر مدينة مكسورة كما أري الآن، أري القاهرة رجلا معصوب العينين مطروحا فوق ظهره ينتظر قدرا خفيا، وجه القاهرة غريب، أحاديث الناس تغيرت، ووجوههم مريضة توشك علي البكاء.. النساء مذعورة تخشي اغتصابها آخر الليل.. السماء مخيفة..ضباب قادم من بلاد بعيدة.. بيوت المدينة مرعوشة تهفو إلي الأمان.. كثير من الأعيان نقلوا الثمين الغالي إلي أماكن بعيدة مجهولة.. ومن الناس من سكنوا المزارات وفساقي الموت».. ثم سار منادى بنى عثمان أمام موكب الزينى نتن الرائحة، وهو ينادي» يا أهالي القاهرة استكينوا.. استكينوا.. ومن خالف شُنق «، فالطاعون العثمانى اجتاح البلاد بلا شفقة.
لايتوقف الغيطانى طويلا أمام نهاية الخائن، فهو –بطبائع الأحوال- إلى مزبلة التاريخ ونقمة الأجيال لا محالة. لكن جذوة الأمل فى نفوس المصريين لا تنطفئ مهما تتراكم طبقات الرماد، الشيخ أبوالسعود رمز الوطنية والضمير الجمعى والتدين (الحق) يجمع زمرة من الشباب الأحرار للثورة ولمقاومة المستعمر وأذنابه.
***
حضرت الفتنة الكبرى
كتب الإخوان - وأشياعهم من جحافل الانتهازيين والطفيليين- روايتهم على نحو أقل إثارة، وأشد عنفا وإيلاما، جماعة ذقونهم أكبر من أفكارهم.. حاولوا تقليد الزينى بركات، لكنه كان أكثر ذكاء، وكانوا أكثر دموية..!
طيلة عقود مارس مبارك (ابن أبى الجود) ورجاله سحرهم الأسود فربطوا البلد وظلموا ناسه وأفسدوا كل أركانه، حتى فكت عقدته ثورة يناير2011. الثمن كان فادحا، الحرائق لا تنطفئ إلا بخراطيم الدم، أصبح الدم رمزين: الخلاص والخيانة. النُبل والصفقة. الانتماء والفضة. اتضحت جوانب المأساة: ضحى شباب طاهر بحياته ثمنا لحرية الوطن، لكن القادمين من الخلف احتلوا صدارة المشهد، أطلقوا وعودا كاذبة: (نحمل الخير لمصر) فما زادوها إلا رهقا. أيقظوا خلاياهم النائمة، ورشقوا معاولهم فى مفاصل الدولة، كمندوبين عن قوى خارجية؛ تظاهروا بالرغبة فى إصلاح المجتمع والقضاء على الظلم والفساد، ومواجهة بقايا الفلول.. وهم فى الحقيقة ينتزعون بالأخونة تارة، وبالتمكين تارة سلطات الدولة الدينية والمدنية. أتوا برئيس يتماشى مع رغباتهم، تماما مثل عملية النقل السلس لصندوق التروس في أية سيارة حديثة..
(4)
الزينى بركات القديم حاضر فى كل وجه من الوجوه، من الرئيس المعصوم ومحركه الشاطر-وما هو بشاطر- أو بديع أو، أو.. صار القوم أنصاف آلهة، وبليلٍ صنعوا دستورا على مقاسهم؛ تكريسا لدولة الولى الفقيه على النمط الإيرانى، وبغطرسة أنشأوا مليشياتهم (أو لجانهم الشعبية)، ولم يسلم من عنفهم الأزهر أو الكنيسة، أو المحكمة الدستورية، وبصلف اخترقوا الشرطة وحاصروا الإعلام ، وسيطروا على الوزارات والجهات التنفيذية والأمنية والتشريعية، ونشروا أتباعهم فى كل ركن...ظلم الجماعة كنار المجوس، لا تنطفئ أبدا..تنظيم ماسونى عطن وشبكة رهيبة من (البصاصين) اخترقت شرايين المحروسة، على نحو ما أوضح القيادى الإخوانى المنشق ثروت الخرباوى فى كتابه (سر المعبد). إنه نمط (الجاسوسية) نفسه الذى حلم به (الزينى).
استدعى مرسى الإرهابيين من أصقاع الدنيا، هاتف ظواهرى القاعدة ب»يا أمير المؤمنين»، أرادهم حرسا ثوريا يكسر به شوكة القوات المسلحة آخر حصون الدولة المصرية. العطب واصل إلى الدين، حتى المقدس دنسوه، وظفوه ورقة فى لعبة سياسية (قذرة) ..ضجت الخلائق: البلد خربت، قالوا: لا يهم..ولعت، لا يهم..الثورة قادمة إليكم، لا يهم...ما الذى بقى إذن؟..
الجرح طرى، جزّ الشعب العظيم رقبة الخوف، كرر المعجزة فى 30 يونيو ..عزم فتوكل، زلزل الأرض من تحت أقدامهم. أطلق بديع وصبيانه وغلمانه تهديدات نفذها أتباعه بالفعل، وكانت المرة الوحيدة التى صدقوا فيها: إرهاب المصريين والتحريض على البلاد فى الخارج والدعوة إلى احتلالها، ما كل هذه العتمة فى الأرواح؟..الشوارع بلون دماء الشهداء لم تغسلها حتى اليوم دموع هطلت من السماء، لا النحيب ولا الثكالى ولا الآهات قادرة على كبح لجام القتلة من مجزرة رفح الأولى حتى كمين مسطرد..لا الدموع ولا القبور ولا صلوات الجنازة فاعلة فى إطفاء نيران حقدهم على وطن أرادوا بيعه فى سوق النخاسة، فاستفاق قبل إتمام الصفقة، بعدما عرضوه بثمن بخس على الوضيع من الدول والدويلات.. قالها «المرشد» –هل يذكرك هذا اللفظ بشيء- عاكف مدوية:» طظ فى مصر، واللى فى مصر». وهو فى ذلك متبع لا مبتدع، فقد سبقه البنا وسيد قطب بتأكيده أن «ما الوطن إلا صنم أو حفنة من تراب عفن»!
كلهم أشباه ونظائر للزينى بركات ، يدهشك – الأصح يحزنك- أنهم استنسخوا تلك الشخصية الوصولية الانتهازية بطول البلاد وعرضها: زميلا لك فى العمل، أو صديقا لم تدر سريرته، أو مصليا بجوارك فى مسجد، أو مريضا فى عيادة، أو حتى ابنا لك فى المنزل..عن نفسى صُدمت فى كثيرين سقطت عنهم الأقنعة، فى عام التمكين، فإذا وجوه كالحة، وقلوب طافحة بالمرارة، ونفوس أمارة بالسوء: كل حرام حلال فى سبيل السلطة والمصلحة – وكذلك يفعلون- خلايا يقظة أو نائمة لا يهم. المهم ما يقترفون من جرم واسع فى حق الوطن ومواطنيه، يدمرون الاقتصاد ويشلون عجلة الحياة ويوعزون لمليشياتهم بقتل جنود الجيش والشرطة والأبرياء من المصريين، البلد تتقلب على جمرهم وكأنهم ما سمعوا عن حرمة الدم وحرمة استغلال الدين فى تخريب دنيانا وحرمة الفوضى..وحرمة..وحرمة...حرمة الخيانة..!!
وقعت الواقعة، لمس الشعب خيانتهم بالدليل القاطع على منصة «رابعة»، كانوا بانتظار نزول سيدنا جبريل..فخرج أحدهم بالبُشرى إلى الحضور: أن السفن الأمريكية المحمّلة بجنود المارينز تقترب من الشواطئ المصرية..فرح هستيرى جارف..وهلل الجمع: تكبيير ..تكبيييير... لم أصدق ما رأيت على الشاشة، ضربت رأسى فى أقرب جدار، تأكدت أن ما شاهدته حقيقة تماما، كتلك الدماء التى يريقونها بإرهابهم، دماء تتقاطر على الشاشات نكاد نلمسها بأناملنا، تصعد إلى بارئها لاعنة الظالمين الخائنين.
وأخيرا أُزيح الغطاء عن خفاء معتم، وتدبير رجيم لا يتوقف.. خيوط قضية التخابر المتهم فيها الرءوس الكبيرة فى الجماعة، لعدة دول وجهات أجنبية، شرقية وغربية، بوهم الوصول إلى «أستاذية العالم»، بما تتحقق من ورائه أهداف إسرائيل وأمريكا وحماس وإيران وتركيا وقطر وآخرين لا نعلمهم، الله يعلمهم.. الكوميديا السوداء أن الشيخ الدكتور مرسى الذى كان رئيسا يقدم فريق دفاعه شكاوى يجرجر فيها مصر إلى ساحات الجنائية الدولية أو مجلس الأمن، علّه ينفذ ما فشل فيه مرسى..بينما يتكفل الأتباع بقلب كل حجر مستقر فى هذا البلد بالإرهاب والعنف والحرق..لكن الحقيقة أن أبناء الزينى بركات يخوضون معركتهم الأخيرة على أرض الكنانة..!
***
هل بعد خيانة الأوطان ذنب؟!..
نعيد السؤال لا بحثا عن إجابة، إنما تدقيق فى حالة..عندها تصير قدسية الأوطان كجهاد النكاح، طقوس انحراف وثنية، ويصبح دم الشهيد نبيذا أحمر، والاستشهاد في سبيل الله تجارة فاسدة مع الشيطان.. لذا وجب الحذر والانتباه..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.