في الفترة الأخيرة انتعشت محاولات تهريب أدوية مغشوشة صينية وهندية, بعضها يباع في صيدليات قد لا يعلم العاملون فيها أنها مقلدة, أو مزورة, أو مغشوشة. فهي تكاد تكون صورة طبق الأصل من أدوية أصلية معروفة ومسجلة, وهناك تقديرات بأنها تبلغ10% من حجم سوق الدواء! الكارثة أن هناك أدوية يتم تصنيعها في بير السلم, ومعظمها أقراص مخدرة, ومنشطات تلقي رواجا في التوزيع, لكن أين الرقابة والتفتيش الصيدلي بوزارة الصحة؟ وكيف يتم اكتشافها؟ وما أضرارها؟ لكي نحصل علي إجابة هذه الأسئلة ونبدأ من الجهة المنوط بها التفتيش علي كل الصيدليات وهي القطاع الصيدلي بوزارة الصحة, وعلي مدي يومين متتالين لم أستطع التواصل مع أي مسئول بالقطاع, فالمحمول لا يرد, والسكرتيرة ترد علي تليفون المكتب بأن المسئولين في لجنة فنية, أو اجتماع, وحتي المنسق الإعلامي تليفونه المحمول مغلق, وقيل لي إنه في إجازة! هذا هو حال القطاع الصيدلي بوزارة الصحة! سواء رئيس القطاع, أو الدكتورة التي ترأسه مساعدة الوزير, التي تركت تليفوناتي لمكتبها ولم يهتموا!! وأسأل الدكتور محمود عبدالمقصود( الأمين العام السابق لنقابة الصيادلة) عن رؤيته للانفلات الذي تشهده سوق الدواء؟ فيقول: معظم الأدوية الموجودة في السوق مسجلة وتخضع لعمليات شديدة التعقيد في تسجيلها, لكن هناك في المقابل أدوية غير مسجلة بعضها في صورة مكملات غذائية يتم تهريبها من الخارج, وغالبا لا تباع في صيدليات, بل في أكشاك وعلي الأرصفة, أو لكي أكون واقعيا في قلة من الصيدليات التي تبيعها سرا. نعترف بوجود انفلات في سوق الدواء, في ظل الانفلات الراهن للدولة الرخوة, ومع غياب الأمن فالانفلات سيظل موجودا ولا نستطيع أن نلقي بكل المسئولية علي الصيدليات, فهي أيضا معذورة, والمسألة ليست سهلة, وإن كنت علي يقين بأن قطاع الدواء من أكثر القطاعات انضباطا في الدولة. التفتيش الصيدلي موجود لكن هناك عيادات خاصة ومستشفيات خاصة صغيرة تبيع أدوية ولا تخضع لرقابة التفتيش الصيدلي, وأيضا في المحافظات هناك سوق كبيرة للأدوية غير المسجلة, سواء المهربة, أو صناعة بير السلام, ولا تخضع لأي تفتيش. الكلام نفسه ينطبق علي مراكز طبية خاصة تبيع هذا الدواء, سواء مراكز تخصيب أو مستشفيات نفسية, أو لعلاج الإدمان, هؤلاء يبيعون الأدوية, أي أدوية حتي لو كانت فاسدة أو مغشوشة, فالمسألة تجارية تماما ولا علاقة لها بصحة المرضي. اليقظة مطلوبة يقول الدكتور مكرم مهنا( رئيس غرفة الصناعات الدوائية): بعض الإحصاءات تردد أن الأدوية المهربة أو المقلدة تمثل10% من سوق الدواء, وفي رأيي أن هذا الكلام غير دقيق, لأنه من الصعب معرفة النسبة ولا تستطيع جهة أن تحددها, وبصرف النظر عن هذه النسبة حتي لو كانت تمثل1% فهي تمثل خطورة علي صحة المرضي وإضرارا ليس بقطاع الدواء, بل بالاقتصاد المصري كله. ولكي نقضي علي هذا الخلل فهذا يتطلب قطع الطريق علي المهربين بسد جميع المنافذ التي يمكن التهريب من خلالها, وأيضا القضاء علي البؤر التي تقوم بتصنيع أدوية مغشوشة, أو ما يطلق عليها مصانع بير السلم بتشديد الرقابة عليها فمعظم الدواء المهرب يأتي من الصين والهند, وهو دواء غير مسجل يتم تقليده لدواء أصلي معروف, ونتيجة التقنية العالية المستخدمة في التقليد, سواء في لون الدواء, أو شكل العبوة, فإنه من الصعب كشفه من جانب الصيدلي, لكنه يمثل خطورة لأن تركيبته ليست كالدواء الأصلي, كذلك المادة الفعالة به. لذلك أنصح الصيدلي بعدم قبول أدوية من جهات غير معلومة, أو مصادر لا يطمئن لها, والنصيحة نفسها أوجهها للمستهلك أو المريض بأن يشتري الدواء من صيدلية معروفة. نسبة كبيرة من الأدوية المهربة من الخارج أدوية مخدرة, خاصة الترامادول, منذ تم وضعه في مصر في جدول الأدوية المخدرة زاد الإقبال عليه, وامتنع معظم الصيادلة عن شرائه, وتوقفت الشركات عن إنتاجه نظرا للخطورة التي يمثلها, وبالتالي زاد الإقبال عليه من المدمنين, ونشطت عمليات تهريبه, ونحن كغرفة صناعة دواء في اتحاد الصناعات نحاول أن نقوم بالتوعية لكن القصة أكبر منا, لأن هذه الأدوية المحظورة, سواء مغشوشة أو مقلدة أو مهربة, بعيدة عن الرقابة. تجارة مربحة ويؤكد الدكتور عثمان حسين كامل( رئيس قطاع الصيدليات بالشركة المصرية لتجارة الأدوية سابقا): إن الأدوية المغشوشة تحقق مكاسب كبيرة لمن قاموا بتصنيعها أو تهريبها أو ترويجها, وبالتالي فهي تجارة مربحة مثل المخدرات, لكن المخاطر المرتبطة بها أقل, والربح أكثر. هناك ضوابط متبعة في الأدوية المعروفة والمسجلة بوزارة الصحة, أو المستوردة من الخارج, ولابد من معرفة بلد المنشأ, ويتم تحليل عينة منها لكي تعطي رقم تشغيله ويتم تسجيلها, إذن هناك ضوابط موضوعة ومطبقة, وأن الأدوية المهربة أو المقلدة الصينية والهندية خارج نطاق الوزارة ورقابتها, ولا تخضع لتحليل عينات, ومصنوعة من مواد لا تطابق الدواء الأصلي, لكن الذين قاموا بتركيبها اهتموا بأن تكون مطابقة لشكل الدواء الأصلي فقط, أما المفعول أو المادة الفعالة فهناك اختلاف كبير, وهنا مصدر الخطورة, لأنها لن تعالج المريض, بل قد تؤذيه. أحيانا تكون هذه الأدوية المغشوشة لعلاج أمراض الكبد, أو الأورام, والأدوية الأصلية منها باهظة الثمن, وهم يقصدون تقليدها نظرا لأرباح التجارة فيها, والمشكلة أنها تحتاج لخبير لتمييزها عن الدواء الأصلي, فأي صيدلي لا يستطيع كشفها. هناك نقطة ننصح بها الصيدلي عندما يقدم له هذا الدواء, ومعه نسبة خصم عالية, هنا يجب أن يشك فورا ولا يقبلها, فالأدوية المسجلة المعروفة أسعارها بالخارج أعلي منها في مصر, فمن أين إذن هذا الخصم المرتفع في الثمن! لابد أن تكون مقلدة ومغشوشة, أو مهربة من الجمارك, والصيدلي بحسن نية شديد قد لا يكتشف ذلك. والحقيقة أن تهريب الأدوية القادمة من الصين أو الهند عبر المنافذ الحدودية, ظاهرة موجودة في معظم دول العالم, وليس في مصر وحدها, لكن خطورتها تختلف من دولة لأخري حسب درجة الرقابة, ففي الخارج من الصعب صرف دواء لمرضي بدون روشتة الطبيب. مفتش قطاع الصيدلة الخبير يستطيع بالحاسة والخبرة كشف الدواء المقلد من خلال لون الدواء, أو خاتم المستورد علي العلبة, فلكل مستورد بصمة للطابعة الخاصة بالليزر علي العلبة, ويعرفها الخبير في الدواء, ويمكنه تمييزها بسهولة. ويطالب بتكثيف حملات التفتيش الصيدلي علي جميع الصيدليات, لكن المشكلة تكمن في أن هذه الأدوية تباع أيضا خارج الصيدليات, هنا أنصح المريض ألا يتعامل إلا مع الصيدليات المعروفة, أو التابعة لشركات الأدوية المعروفة حتي يطمئن علي شرائه للدواء الأصلي. للأسف هناك صيدليات تدخل مناقصات للحصول علي أدوية, وأخشي أن تدخل دون قصد هذه الأدوية المغشوشة, وتصل للمريض من خلال صيدليات كبري.