كل شيء علي الأرض اليمنية يوشي بأن المواجهات العسكرية مستمرة بين القوات الموالية للرئيس علي عبد الله صالح والقوات المؤيدة للثورة الشبابية, إشتباكات في حي الحصبة ومناطق أخري من صنعاء ونزيف الدم اليومي في تعز وفوق كل ذلك حرب إعلامية قاسية وإتهامات بين الأطراف المختلفة بالمسئولية عن تدهور الهدنة والرغبة في التصعيد العسكري. ومع كل هذه المعطيات المؤلمة برز أخيرا ما يشبه بصيص الأمل علي المستوي السياسي فقد أعلنت المعارضة عن قبولها بمقترحات مهمة طرحها ا لرئيس صالح للتوصل إلي تسوية سياسية قد تنقل البلاد إلي بر الأمان فيما إذا تعاملت معها كل الأطراف بمسئولية ومصداقية. وتبدو صورة المشهد السياسي في اليمن حاليا أكثر إيجابية مع إحتمالات أن يتم التوقيع علي مبادرة الخليج وآليتها التنفيذية التي أعدها المبعوث الأممي جمال بن عمر بعد موافقة الرئيس اليمني علي تنازله عن صلاحيته لنائبه. ومن بين المعلومات الإيجابية التي تم إعلانها وأكدها سفير الإتحاد الأوروبي في صنعاء ميكيلي سيرفوني دي اورسو موافقة حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم علي التوقيع علي مبادرة الخليج لتسوية الأزمة السياسية وآلياتها دون أي تعديل. وبحسب مصادر دبلوماسية غربية في صنعاء فإن الحكومة اليمنية أبلغت سفير الولاياتالمتحدة وسفراء الاتحاد الأوروبي ودول الخليج موافقة الحزب الحاكم التوقيع علي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المعدة من قبل مبعوث الأممالمتحدة جمال بن عمر والتي كان قد تم الموافقة عليها من قبل نائب رئيس الجمهورية وأحزاب المعارضة. وأوضحت المصادر أن الحكومة اليمنية نقلت أيضا للسفراء تأكيدات بموافقة الرئيس توقيع نائبه علي المبادرة الخليجية دون تعديل واعتبار آليتها التنفيذية جزءا مكملا للمبادرة الخليجية وأن الحكومة طلبت من السفراء إبلاغ المعارضة بموافقة الرئيس والحزب الحاكم علي توقيع المبادرة وآليتها. ومن أهم خطوات الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي حصل( الأهرام) علي نسخة منها النقاط الرئيسية التالية: أولا: يصدر الرئيس مرسوما رئاسيا جديدا يفوض فيه النائب بجميع صلاحياته التنفيذية. ثانيا: التوقيع علي المبادرة الخليجية من قبل النائب بموجب التفويض من الرئيس بصيغتها الموقع عليها من قبل أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام. ثالثا: تسمي المعارضة مرشحيها لتشكيل الحكومة. رابعا: يصدر النائب مرسوما يكلف مرشح المعارضة بتشكيل الحكومة وكذلك يصدر مرسوما بتشكيلها بعد الانتهاء من تسمية أعضائها وفق ما نصت عليه المبادرة الخليجية. خامسا: يصدر النائب مرسوما رئاسيا بدعوته لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة, يتم تحديد موعد إجرائها بالتوافق بحيث لا تتجاوز ثلاثة أشهر من توقيع المبادرة الخليجية وآليتها. سادسا: تشكل الحكومة الجديدة لجنة عسكرية لإعادة هيكلة الجيش وتعود قرارات وحداته العسكرية للحكومة ونائب الرئيس. سابعا: تكليف الحكومة للإعداد للانتخابات الرئاسية المبكرة والتي ستتم بآلية توافقية يتم خلالها انتخاب عبدربه منصور هادي رئيسا توافقيا للفترة الانتقالية المحددة بسنتين. ووفقا لنفس المصادر فإنه من المنتظر أن يعود مبعوث الأممالمتحدة جمال بن عمر إلي صنعاء في العاشر من نوفمبر الجاري حيث يجري مباحثات نهائية مع جميع الأطراف علي الساحة ثم بعدها وصول أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني للتوقيع علي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وتشير نفس المصادر إلي إن السفير الأمريكي بصنعاء وسفراء أوروبيين اتصلوا برئيس تكتل اللقاء المشترك المعارض ياسين سعيد نعمان ورئيس المجلس الوطني لقوي الثورة محمد سالم باسندوه والأمين العام لتجمع الإصلاح عبد الوهاب الآنسي الموجودين في الخارج, ومارسوا عليهم ضغوطا للعودة إلي صنعاء خلال أيام لحضور مراسم التوقيع علي المبادرة الخليجية وتنفيذها. يلتزم حزب المؤتمر الشعبي الهدوء في تصريحاته الإعلامية عن هذه التطورات المتفائلة ربما لتوجسه من ردود أفعال المعارضة التي تشعر بإرتياح لمشاوراتها الخارجية في العواصم الخليجية ووعود بدعمها, لكن قيادات فيه تؤكد أن المؤتمر الشعبي قام بخطوات مهمة لإنجاز الاتفاقات السياسية, في الوقت الذي إتهم المعارضة بأنها لاتزال تتهرب من الجلوس إلي الطاولة لاستكمال الحوار, ولم يعد وفدها من الخارج إلي الآن للجلوس معا لإنجاز الحوار والتوقيع علي الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية. ويري نائب رئيس الدائرة الإعلامية في حزب المؤتمر الشعبي عبد الحفيظ النهاري أن المؤتمر الشعبي العام الحاكم أتخذ خطوات مهمة لكسر الجمود السياسي في البلاد, وللتجاوب مع مبادئ المبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن الدولي الخاص باليمن, مشيرا إلي توافر, مجموعة من الحوافز قدمتها السلطة من أجل تطبيق المبادرة الخليجية وتجاوبا مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم2014 للخروج من المأزق الذي وصلت إليه الأوضاع في البلاد. لكن عبد الله أحمد غانم القيادي في الحزب الحاكم ورئيس دائرته السياسية يبدو متشائما من التطورات, حيث يؤكد ان احزاب اللقاء المشترك تسعي الي تفجير الموقف عسكريا بصورة اكبر مما هي عليه الحال الآن, بدليل مواقفها السلبية الراهنة تجاه كل ما يؤدي الي حلول سلمية للأزمة وتمترسها خلف اعمالها التصعيدية التي لن يجني الوطن منها سوي الخراب والدمار. ويدعو غانم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ودول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الاوروبي الي ممارسة المزيد من الضغوط علي قيادات المشترك المعارض من أجل الجلوس علي مائدة حوار اخوية مع قيادة المؤتمر الشعبي العام, تمهيدا للتوقيع علي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في نفس الوقت.ويشير غانم الي ان الازمة الراهنة التي تمر بها البلاد لا يمكن حلها سوي بوسيلة واحدة هي الحل السياسي القائم علي المبادرة الخليجية, وعلي ما اشار اليه قرار مجلس الأمن, وانه بغيرها لا يمكن اخراج الوطن مما هو عليه اليوم ولن يؤدي اي حل غير ذلك سوي الي الخراب والدمار, مشددا علي اهمية استلهام الجميع في السلطة والمعارضة المرحلة التي تمر بها البلاد والحلول المرضية للجميع وفقا للمبادرة الخليجية وقرار مجلس الأمن. بينما يقوم ثلاثة من قادة المعارضة بجولة خارجية شملت أولا موسكو ثم بعض العواصم الخليجية لكسب الدعم للثورة, فإن تصريحات حذرة صدرت من قياداتها في صنعاء إزاء موافقة صالح علي التنازل عن صلاحياته لنائبه, لكنها علي كل حال إعترفت بالتطور المهم الذي يجب أن يقرن الأقوال بالأفعال. وتقول حورية مشهور الناطق الرسمي باسم المجلس الوطني لقوي الثورة الشبابية السلمية وأحزاب المعارضة أن هناك ثلاث وثائق تحكم العملية السياسية في اليمن حاليا, وهي المبادرة الخليجية, والآلية التنفيذية للمبادرة, وقرار مجلس الأمن, وما هو مطروح هو ضرورة إنفاذ القرار خلال مدة لا تتجاوز الثلاثين يوما من صدوره وقد مضت فترة ليست قصيرة, ولم يتحقق تقدم ملموس حتي الآن. ونفت مشهور إتهامات الحزب الحاكم للمعارضة بالتهرب من الجلوس للحوار وتنفيذ الإتفاقيات, قائلة: وفد المعارضة في مهمة للخارج لحشد الدعم للثورة الشبابية السلمية, وقد تواصلنا معهم وأكدوا ارتباطهم بمواعيد مسبقة بعدد من القادة والمسئولين في عدد من الدول العربية ولديهم التزامات لا يستطيعون إلغاءها, ومع ذلك فهم غير بعيد, ولا يستغرق قدومهم للبلاد سوي ساعات في حال وجدت لدي النظام النية الحقيقية لإنجاز الاتفاقيات. وأضافت مشهور: إذا كان النظام جادا في تقديم التنازلات كما يقول وتفويض النائب فلماذا سافر نائب الرئيس إلي الولاياتالمتحدة في هذا الوقت بالذات, معتبرة ان الكرة الآن في ملعب السلطة لأن المعارضة استنفدت كل ما لديها مما يمكن أن يعمل للخروج من هذه الأوضاع. ومن جانبه كشف سفير الاتحاد الأوروبي في اليمن ميكيلي سيرفوني دي اورسو أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وضع خلال الأسبوع الماضي مقترحات مهمة تلبي كثيرا من مطالب المعارضة وأنه يجب متابعة هذه الإلتزامات وإستكمال التفاوض وتوقيع وتنفيذ مبادرة الخليج. وأعرب عن أمله في أن يكون عيد الأضحي مناسبة للإعلان عن تسوية للأزمة اليمنية, مؤكدا أن اليمن لاتحتمل المزيد من التأخير وتحتاج إلي إقتران الأقوال بالأفعال. وأوضح دي اورسو أن المحادثات بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وتكتل اللقاء المشترك وصلت إلي مرحلة متقدمة وأن النقاط المختلف عليها كانت فيما يتعلق نقل الرئيس سلطاته إلي نائبه في الدعوة إلي إنتخابات مبكرة وتشكيل الحكومة وقد تمت تسويتها. وقال المسئول الأوروبي إن قادة المعارضة الموجودين في الخارج تمت دعوتهم للعودة إلي صنعاء علي أمل الإنتهاء من كافة القضايا وإعلان التوصل إلي إتفاق قريب, خاصة وأن نائب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الموجود في واشنطن للعلاج سيعود خلال الأيام القادمة. وأكد سفير الإتحاد الأوروبي أن قرار مجلس الأمن رقم2014 يدعو الرئيس اليمني إلي التوقيع فورا علي مبادرة الخليج مشددا علي أن المجتمع الدولي سيراقب كيفية تنفيذ الأطراف اليمنية لبنود القرار بأسرع وقت. ومع أن الرئيس علي عبد الله صالح يقدم إشارات تبدو إيجابية عن مرونته في التوصل إلي حل سياسي, فإن كثيرا من معارضيه يخشون من أنه يكرر نفس مهاراته في المراوغة وكسب الوقت للضغط علي معارضيه للقبول بخروج مشرف له وبشروطه علي أن يستبقي أتباعه وقياداته في السلطة خلال الفترة القادمة