تأثر فن الرواية بعصر المعلوماتية بشكل واضح، فكما أن زمن شبكات المعلومات الإلكترونية يتسم بالسرعة والفرادة في كل شئ، فإن الرواية علي مستوي الشكل والمضمون اتسمت بتلك الصفات أيضا، وأصبحنا نري إما علي مستوي النسق أو السياق روايات معلوماتية بامتياز، أنموذجا لذلك رواية كل أسبوع يوم جمعة للكاتب والروائي إبراهيم عبد المجيد، ورواية نسيت كلمة السر للروائي حسن كمال. وفي روايته الأحدث خطايا صغيرة قدم الروائي الشاب أحمد عبد المجيد نفس النموذج. رواية خطايا صغيرة تبدأ في مستهلها بحديث مدرس جامعي مع أصدقائه علي صفحة فيس بوك عبر بث مباشر لفيديو، يخبرهم فيه أنه قتل حبيبته لبني. ثم يقرر أن يحكي لمتابعيه ما الذي حدث. الرواية بطلها مدرس جامعي وقع في حب إحدي طالباته، لكنه يكتشف في بداية العلاقة بينهما أن حبيبته مصابة بمرض نفسي، ذلك المرض يجعل العلاقة بينهما أكثر تعقيدا، ويضعه في مأزق التعامل مع مريضة بايبولار، يتغير مزاجها الشخصية كل دقيقة. يقدم عبد المجيد تقنية جديدة تماما في روايته، فالراوي في الرواية يتواصل مع قرائه عن طريق بث مباشر من خلال صفحة تواصل إجتماعي علي شبكة الإنترنت، مستخدما التكنولوجيا الحديثة ومسخرا لها، فكما رأينا في رواية إبراهيم عبد المجيد »كل أسبوع يوم جمعة» أبطال العمل يتواصلون عبر إيميلات ومجموعات عمل علي الإنترنت، ورأينا في رواية »نسيت كلمة السر»، للروائي حسن كمال، بدايات الفصول مرتبطة بشكل صفحة فيس بوك، فهو يتعامل مع فصول الرواية كأنها صفحة لمنصة تواصل إجتماعي، مستخدما مصطلحات فيس بوك كبدايات لفصول الرواية. في رواية أحمد عبد المجيد يطوع اللغة كي تتناسب مع صيغة التفاعل بين الناس عبر تطبيقات السوشيال ميديا، أو منصات التواصل الإجتماعي، ويبدأ في سرد حكاياته مع شخوص العمل، خاصية البث المباشر التي يتيحها فيس بوك، معلنا عن أزمته مع لبني، تلك الفتاة مريضة البايبولار، أو الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، قديماً كان يسمي بالهوس الاكتئابي, كما يُعرف بالاضطراب ثنائي القضب, وهو عبارة عن اضطراب مزمن ومتوارث, ويتميز بتقلب الحالة المزاجية بصورة غريبة, فضلاً عن الاكتئاب والهوس أو تناوب الاثنين في حياة المريض، يظهر هذا الاضطراب في بعض الأحيان دون أعراض أو مصحوباً بعدد من الأعراض الخفيفة. يفتح أحمد عبد المجيد الباب أمام العديد من التساؤلات حول الرواية في عصر المعلوماتية، في عصر السوشيال ميديا، وعن الأنواع الأدبية الجديدة التي خرجت وستخرج من رحم تلك العوالم الجديدة، عوالم ربما لم ينتبه لها النقاد بعد، أو أن هناك مجرد محاولات بسيطة لرصد تلك التطورات، لكنها ربما لم ترقي بعد لكشف ملابسات وأبعاد الرواية في عصر المعلوماتية. حالة من الاعتراف يسقط فيها بطل الرواية »محيي»، تدفعه لكشف بل وفضح أسراره وأسرار حبيبته لبني أمام ألاف المتابعين لحسابة علي موقع فيس بوك، دونما أي شعور بالخوف أو الخجل، أو رغبة في التراجع عن إكمال طريق البوح عما يختلج زوايا نفسه، المسألة التي تدفعنا لإعادة النظر إلي شبكات المعلومات كوسيلة جديدة للتواصل، وسيلة تكسر الخطوط الحمراء التي كنا نتوقف عندها قديما، فأصبحنا أكثر جرأة، وأكثرا إقبالا علي فعل أشياء كان من المستحيل اتيانها سابقا، لكن بطل رواية »خطايا صغيرة» اقترفها بكل أريحية. تدفع رواية »خطايا صغيرة» النقاد في سبيل تغيير طرق النقد الكلاسيكية كي تستطيع أن تتماهي مع الشكل الجديد للرواية المتأثرة بعصر المعلوماتية، والذي ربما لا يزال يخلق مصطلحاته الجديدة، كي تماشي مع رؤية العمل الروائي. فقديما كنا نتحدث عن زمن الرواية أو القصة أو الشعر، باعتبار أن نوعا أدبيا أكثر انتشارا بين القراء عن النوع الآخر، غير أننا الآن نتحدث عن وسائل تواصل وترويج غيرت المشهد تماما، بمصطلحات ومعايير جديدة بالكلية، نستطيع أن نطلق عليها زمن المعلوماتية.