بالاسم والرقم القومي.. رابط نتيجة الصف الخامس الابتدائي 2024 الترم الثاني (استعلم الآن)    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    تراجع جديد في سعر كيلو اللحم البقري قائم اليوم 2024    الطوارئ الروسية تعلن إرسال 47 متخصصا للبحث عن مروحية الرئيس الإيراني    الهلال الأحمر الإيراني: مكان انبعاث رائحة الوقود مطابق للموقع المعلن لحادث مروحية الرئيس    سوريا تعرب عن تضامنها مع إيران في حادث اختفاء طائرة «رئيسي»    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: الضغط الأمريكي لا تأثير له على إسرائيل    غارة إسرائيلية عنيفة تستهدف مخيم البريج وسط قطاع غزة    أول تعليق من أحمد زيزو بعد تتويج الزمالك بالكونفدرالية.. ماذا قال؟    دونجا يوجه رسالة للاعب نهضة بركان بعد لقطته الرائعة في نهائي الكونفدرالية    احتفالات حتى الفجر، فرحة جماهير الزمالك بالكونفدرالية في شوارع القاهرة (فيديو وصور)    مصدر أمنى ينفى الشائعة الإخوانية بوجود سرقات بالمطارات.. ويؤكد: كذبة مختلقة    تفاصيل جديدة في واقعة خطف فتاة ومحاولة اغتصابها في مدينة نصر    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    عمر الشناوي: «والدي لا يتابع أعمالي ولا يشعر بنجاحي»    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    دعاء الحر الشديد كما ورد عن النبي.. اللهم أجرنا من النار    كيكة موس الشيكولاتة بالقهوة بأسرار المحلات.. «هتطلع أحلى من الجاهزة»    عبدالملك: المثلوثي وزيزو من نجوم الكونفدرالية.. وهدف الجزيري في الذهاب وراء التتويج    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    حسين لبيب: اليوم سنحتفل بالكونفدرالية وغدا نستعد لاستكمال الدوري    إعلام إيراني: فرق الإنقاذ تقترب من الوصول إلى موقع تحطم طائرة الرئيس الإيراني    "علامة استفهام".. تعليق مهم ل أديب على سقوط مروحية الرئيس الإيراني    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق داخل مدرسة في البدرشين    جريمة بشعة تهز المنيا.. العثور على جثة فتاة محروقة في مقابر الشيخ عطا ببني مزار    نشرة منتصف الليل| تحذير من الأرصاد بشأن الموجة الحارة.. وتحرك برلماني جديد بسبب قانون الإيجار القديم    الهلال الأحمر الإيراني: حددنا موقعا آخر للبحث وفرق الإنقاذ بشأن مروحية رئيسي    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الكبير.. سعر الذهب بالمصنعية اليوم الإثنين 20 مايو بالصاغة    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    د.حماد عبدالله يكتب: العودة إلى الماضى والنظر إلى المستقبل    اليوم.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة بقيمة 9 مليار    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    الصحة: طبيب الأسرة ركيزة أساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    بعد الموافقة عليه.. ما أهداف قانون المنشآت الصحية الذي أقره مجلس النواب؟    تقرير رسمى يرصد 8 إيجابيات لتحرير سعر الصرف    ارتفاع كبير في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 20 مايو 2024    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    خبيرة ل قصواء الخلالى: نأمل فى أن يكون الاقتصاد المصرى منتجا يقوم على نفسه    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 20-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    منسق الجالية المصرية في قيرغيزستان يكشف حقيقة هجوم أكثر من 700 شخص على المصريين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    مسؤول بمبادرة ابدأ: تهيئة مناخ الاستثمار من أهم الأدوار وتسهيل الحصول على التراخيص    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    اليوم.. محاكمة طبيب وآخرين متهمين بإجراء عمليات إجهاض للسيدات في الجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهما بقتل شقيقين بمنطقة بولاق الدكرور    عواد بعد التتويج بالكونفدرالية: سأرحل بطلًا إذا لم أجدد مع الزمالك    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    أتزوج أم أجعل أمى تحج؟.. وعالم بالأوقاف يجيب    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سليمان المعمري: أستعين بصديقي عبدالعزيز الفارسي لإقناع أبي بدواء يرفضه
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 06 - 2019

الصديق أول من يخطر في بالك عندما تنشب فى حلقك شوكة سمك
صداقة الكاتبين العمانيين سليمان المعمري وعبدالعزيز الفارسي فريدة وجميلة، وهي دليل علي إمكانية أن تجمع الصداقة مهنتين لا علاقة بينهما، سليمان إعلامي، والفارسي طبيب، ليس هذا فقط، فتلك الصداقة انتقلت من الواقع إلي رواية مشتركة لهما هي »‬شهادة وفاة كلب» وبطلها كذلك إعلامي وطبيبة، ولا يمكن، بهذا الشكل، أن تكون صداقتهما عادية، فأنت لا تسمع كل يوم عن كاتبين صديقين أصدرا عملاً مشتركاً.
أعرف أن سليمان ساخر، سخريته بدت لي جلية في مقابلة جمعتنا بالقاهرة، وكذلك تبدو في كل كتاباته، بما فيها مقالاته و»‬بوستاته» علي »‬فيسبوك» التي يلاحق فيها لصوص الأدب والصحافة، منتحلي أعمال غيرهم، مواجهاً تهديداتهم بمزيد من الضحك، وهو يقول إن الفارسي بدوره ساخر، ساخر في نفسه، وفي كتابته، ثم إن أول لقاء جمع بين الاثنين يشكل في حد ذاته قصة طريفة، كان يمكن أن تنتهي بشكل درامي، لكن لحسن الحظ أن الأمر برمته تحول إلي موقف ضاحك..
هذا اللقاء الأول كان في ملتقي أدبي شبابي في مدينة »‬نزوي» عام 1998، كان الفارسي متحمساً، بينما بدا الفتور علي ملامح المعمري، لا ليس الفتور فقط، يقول المعمري بسخرية ويضيف: »‬كنت تمثالاً بارداً في تلك المقابلة، وعندما أنظر لصداقتنا اليوم أشبهها برواية جيدة ولكنْ بمفتتح رديء، وقد أعدنا كتابة هذا المشهد الافتتاحي للرواية المشتركة بعد عامين من اللقاء الأول لتتوطد صداقتنا إلي اليوم». كان عمر المعمري في هذا اللقاء 24 عاماً وقد بدأ منذ عام ونصف وظيفته كمحرر أخبار بإذاعة سلطنة عُمان، أما الفارسي فيصغره بعامين، وكان وقتها طالباً بكلية الطب في جامعة السلطان قابوس. كان هذا الملتقي الأدبي سنوياً ويتضمن مسابقة في الشعر والقصة، ويُعقد كل عام في مدينة عُمانية. عام 1997 عُقِد في صحار وفازت فيه قصة المعمري »‬الكلب الأبيض» بالمركز الأول. يقول عبدالعزيز إنه أُعجِب بتلك القصة بعد نشرها في الصحافة العُمانية وتمني التعرف علي المعمري، وكان فرِحاً بأنه سيلقاه في نزوي.
يحكي المعمري: »‬تأخرتُ في الوصول إلي نزوي عدة أيام بسبب ارتباطي بالوظيفة في مسقط. خلال تلك الأيام التي تأخرتُ فيها ادعي أحد المشاركين في الملتقي من زملائي السابقين في الجامعة أنه صديقي، وشرع يلفق الحكايات الكاذبة عن صداقتنا المزعومة، في حين أنني علي النقيض من ذلك كنتُ لا أستلطفه منذ أيام الجامعة وأعتبره سمجاً واستعراضياً وثقيل دم. بمجرد وصولي إلي نزوي قابلني عبدالعزيز بترحاب شديد وعرفني بنفسه قائلاً: أنا عبدالعزيز الفارسي صديق صديقك فلان، وذكر اسم الرجل السمج الذي لا أطيقه. كانتْ هذه بداية غير موفقة من عبدالعزيز جعلتني أنفر منه علي الفور. فما دام صديقاً لسمِج فهو بالضرورة سمج مثله»، ويضيف: »‬المضحك أن عبدالعزيز اعترف لي، بعد ذلك اللقاء بسنوات، أنه لم يكن صديقه ولا يحزنون، وإنما أراد بذلك الادعاء تقريب المسافة إليّ فكانت النتيجة عكسية. بعدها بعام، أي عام 1999، التقينا في ملتقي أدبي بمدينة صور الساحلية، وهو الملتقي الذي سيفوز فيه عبدالعزيز بالمركز الأول في القصة. وفي الفترة ما بين العامين قرأتُ لعبدالعزيز قصة أخري فازت بجائزة جامعة السلطان قابوس عنوانها (حتي إشعار آخر) فأعجبتني كثيراً وكلمته عنها في ملتقي صور، وساهم ذلك في كسر بعض الجليد بيننا، ولكن ليس إلي درجة الصداقة، فما يزال شبح (صديقه) و(صديقي) المزعوم يقف حاجزاً بيني وبينه. الصداقة الحقيقية بعبدالعزيز بدأتْ عام 2000 عندما تم ترشيحنا هو وأنا والشاعر علي الرواحي لتمثيل عُمان في ملتقي أدبي شبابي عربي في الشارقة. يقال إذا أردت أن تعرف صديقاً فجربه في سفر. وهذا ما حصل لي مع عبدالعزيز، بل وعلي الرواحي أيضا. فقد شكلنا-بسبب هذا السفر إلي الشارقة الذي لم يتجاوز أسبوعا- ثلاثيَّ صداقة استمر لسنوات بعد ذلك. في الطائرة جلسنا – عبدالعزيز وأنا- في مقعدين متجاورين، كنتُ أنظر للنافذة وأشاهد جناح الطائرة وأقول له: تخيّل رجلاً معلقاً في الجناح! كان شاهداً علي ولادة واحدة من قصصي التي أحبها وفازت بجائزة بعد ذلك عن رجل معلق بجناح طائرة عنوانها (لماذا لأن). في تلك الرحلة انكسرتْ كل الحواجز بيننا وتحدثنا كثيراً في كل شيء تقريباً، وشَعَر كلانا أنه يعرف الآخر منذ فترة طويلة».
في ذلك العام (2000) صدرت مجموعة المعمري القصصية الأولي »‬ربما لأنه رجل مهزوم»، ولم يقرأها قبل النشر إلا عبدالعزيز الذي ستصدر مجموعته القصصية الأولي »‬جروح منفضة السجائر» سنة 2003 وكان المعمري قد قرأها بدوره قبل النشر. يعلق: »‬باختصار، لم يصدر لي ولا لعبدالعزيز أي كتاب إبداعي سواء كان قصة أو رواية أو سيرة إلا وكنتُ قارئه الأول كمخطوطة، وكان هو قارئي الأول، حتي وإن كنا أضفنا في السنوات الأخيرة قراء آخرين لأعمالنا الأدبية من باب استمزاج آراء متعددة حولها. ومن جميل المُصادفة أن عملينا اللذين يشكلان نقلة نوعية في كتابة القصة لكلينا (وهما »‬الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة» لي، و»‬العابرون فوق شظاياهم» له) صدرا في السنة ذاتها (2005) ومن نفس دار النشر (الانتشار العربي)، وكنا قد أرسلناهما معاً في رسالة واحدة لتلك الدار، وقبلها كنا قد أرسلناهما معا في رسالة واحدة لدار رياض الريس ولكن لم يعجبنا عرضها للنشر فقررنا النشر في »‬الانتشار»).
عام 2010 سافر عبدالعزيز إلي كندا لإكمال دراساته العليا في الطب، وكان طبيعياً أن يقل تواصلهما، ناهيك عن لقاءاتهما. ولكن صداقتهما مع ذلك لم تتأثر. يقول المعمري: »‬يحدث ألا يكون بيننا تواصل لعدة أشهر، ثم بمجرد لقاء أو مكالمة هاتفية بيننا نبدو وكأننا نواصل حواراً بدأناه في اليوم السابق، لا شيء تغيّر في عمق الصداقة أو الثقة بيننا».
لم تمض مدة قصيرة علي صداقته بعبدالعزيز حتي بات صديق العائلة أيضاً. وتحديداً أبوه، الذي كان يحبه كثيراً، وخاصة بعد أن أصبح طبيب العائلة كذلك، وكان المعمري، كما يحكي، يستعين به أحياناً ليُقنع أباه بأهمية علاج ما أو دواء يرفضه. والمفارقة هنا أن الأب يثق بكل ما يقوله الطبيب عبدالعزيز، ولكنْ له رأي آخر فيما يكتبه الأديب عبدالعزيز: »‬كان أبي ولا يزال يؤمن أن القاص أو الروائي ليس سوي كاتب أكاذيب منمّقة. ولذلك كان يُطلق عليّ وعلي الفارسي وعلي صديقنا المشترك في بداية الألفية –القاص المصري عصام حسين عبدالرحمن الذي كان يعمل حينها طبيباً في مستشفي صحار (شلة الكذابين)! كان أبي يستقبل الفارسي والدكتور عصام عندما كانا يزوراننا في البيت مازحاً بهذا السؤال: بعدكم تكذبوا؟ [هل ما زلتم تكذبون؟]. أما ما يتعلق بالاستشارات الطبية فقد كان أبي يستجيب لها علي الفور. مرة كان أبي بحاجة إلي عملية جراحية ضرورية من المفترض أن تُجري له في الهند، كان رافضاً بشدة، وكنتُ وأخي محمود نحاول جاهدين إقناعه بإجرائها بدون جدوي، وعندما يئست طلبتُ من عبدالعزيز إقناعه، ففعل ذلك ببراعة وأزال كل مخاوفه منها. وعندما أصيب عمّار ابن أختي بالسرطان قبل عدة سنوات كان أول شخص ألجأ له هو عبدالعزيز، الذي لم يكتف بالإجابة علي أسئلتي المستفهِمة حول العلاج، بل كان موجوداً أيضاً مع عمّار في المستشفي».
كان عبدالعزيز الفارسي هو صاحب فكرة أن يكتبا عملاً مشتركاً، انطلاقاً من اختلافهما. يقول المعمري إن هناك نقطة مهمة يجب التوقف عندها قليلاً: »‬نحن لا نختار أصدقاءنا وإن بدا أننا نفعل ذلك. ثمة ما يجذبنا في إنسان ما فنقترب منه ونعتمده صديقاً. كثيرون يكون سبب انجذابهم لهذا الصديق أنه يشبههم في طريقة التفكير وطرائق النظر للحياة، غير أن وجهة نظري المتواضعة هي أن الصديق الجيد ليس فقط الذي يشبهك، بل أيضاً ذلك الذي يختلف عنك ويسمح لك بهذا الاختلاف دون أن يؤثر ذلك علي صداقتكما. وأعتقد أن هذه نقطة مدهشة في صداقتي لاثنين من أعز أصدقائي اليوم: عبدالعزيز الفارسي، وعبدالله حبيب. نختلف كثيراً في عُمق إيماننا بأشياء كثيرة، وفي رؤيتنا تجاه الكون والخالق والوجود، ومع ذلك لم يؤثر هذا الاختلاف في صداقتنا، بل علي العكس أغناها، وسمح لكلّ منا بتعدد زوايا النظر في الرؤية للموضوع الواحد».
يعود لتذكر ما يتعلق بالرواية المشتركة، حيث اتفقا أن يبدأَ أحدُهما الكتابة بدون أي خطة مُسبقة أو موضوع معين ولا يتوقف إلا عندما يشعر أنه لا يستطيع المواصلة: »‬بدأتُ أنا سنة 2008، ثم واصل هو، ثم أكملتُ أنا علي ما كُتب، وهكذا، حتي تجاوزت الرواية أربعين ألف كلمة. بعد أن فرغنا منها عرضناها علي ثلاثة قراء نثق في رأيهم فكان رأيهم مخيباً لآمالنا، باختصار: لم تعجبهم الرواية، فكان أن أُحبِطنا وركنّاها جانباً، والتفتَ كلّ منا إلي مشاريعه الأخري. كان ذلك إن لم تخني الذاكرة سنة 2010. بعد ثلاث سنوات، أي 2013 عدنا لقراءة الرواية من جديد بعد أن نسينا تفاصيلها تماماً. توصّلنا إلي قناعة أن بها ما يمكن أن يجذب القراء لكنها تحتاج إلي إعادة اشتغال من جديد. أكثر ما كان بارزاً فيها طغيان الحسّ الساخر الذي هو أحد المشتركات بيني وبين عبدالعزيز في الكتابة والحياة. أحيانا كان بارزاً بشكل غير فني ويحتاج إلي (تشذيب)، كما كانت الرواية بحاجة إلي تعميق بعض الشخصيات الثانوية وتجاهل شخصيات وأحداث أخري هي فائضة عن الحاجة. وضعنا خطة لهذه التعديلات التي استغرقت منا حوالي سنتين، فأنجزناها، ثم عرضنا الرواية علي سبعة قراء ممن نثق في آرائهم. خمسة منهم أعجبوا بها وشجعونا علي نشرها، وهو ما حدث سنة 2016».
ويضيف: »‬أما بالنسبة لشخصيتَي الطبيبة والممرضة من جهة، وشخصية المذيعة أوبرا وينفري وبعض الشخصيات الصحفية من جهة أخري، فقد يظن البعض أننا تعمدناها من واقع وظيفتينا ليكتب كلٌّ منا ما يعرفه أو يجيده، لكنها في الحقيقة شخصيات جاءت بشكل غير مخطط له، علي الأقل في الجانب الواعي من الكتابة، بل إنني لا أتورع الآن عن الاعتراف أنني أنا أول من أدخل الطبيبة في الرواية وليس عبدالعزيز، لكنه –بخبرة المهنة- أضفي عليها كثيراً من العمق بحيث جعلها شخصية مُصَدَّقة، والأمر نفسه ينطبق علي بعض الشخصيات الإعلامية التي أري أن حضورها كان جوهرياً في الرواية، وليس فقط لأن أحد كاتبَيْها إعلامي».
يقول المعمري إنه طوال أكثر من عشرين عاماً ظلت صداقته بعبدالعزيز صامدة، لا يضايقها الابتعاد ولا الانشغال الحياتي أو الوظيفي، صداقة اثنين منسجمين يفهمان ما يريده أحدهما من الآخر. ولكن المفارقة أنه كل عدة سنوات يدخل بينهما صديق ثالث يشكّل معهما ثلاثياً منسجماً. في الفترة من 2000 إلي حوالي 2003 وربما 2004 كان ثالثهما الشاعر علي الرواحي الذي بدأتْ صداقتهما به برحلة الشارقة واستمرت سنوات بعد ذلك. وتجمعهما به ذكريات طريفة لا تُنسي.
يحكي المعمري: »‬من ضمن تلك الذكريات أننا كنا نلتقي بصفة شبه يومية في مقهي نسميه (مقهي الحمقي)، ليس لأن مرتاديه حمقي، وإن كنتُ لا أستطيع الجزم بعكس ذلك أيضاً، بل لأن نادليه هم حمقي. فإذا أردتَ مثلا شاياً فعليك أن تطلب قهوة، وإذا أردت ساندويتش فلافل فعليك أن تطلب عصير رمان! وهكذا. في إحدي الليالي، كنا، ثلاثتنا، خارجين من هذا المقهي في سيارة عبدالعزيز، وكانت فيروز تصدح بأغنيتها: حبيبي بدو القمر. كنتُ أنا بجانب السائق عبدالعزيز، وكان الرواحي في المقعد الخلفيّ يطلق تنظيراً ما عن أغنية فيروز وما تعنيه. أنا وعلي نشاهد سيارة تقتحم علينا الطريق من الجانب المعاكس لكننا لا نتكلم ظنّا منا أن عبدالعزيز منتبه لها. سنعرف بعد قليل من الضربة القوية التي رنّحتْ سيارتنا وجعلتها تدور حول نفسها أنه غير منتبه. لا أدري أي شيطان ركبني لحظتها فقررتُ معاقبة عبدالعزيز. كان الفارسي يسأل بعد أن توقفت سيارته عن الدوران : انتوا بخير يا جماعة؟ ورد الرواحي: أنا بخير ، وأنتم؟ أما أنا فتصنعتُ فقدان الذاكرة هاتفاً: أنا مين؟ أنا وين؟ أنا فقدتُ الذاكرة. كنت أمثل، ولأن المقام لم يكن مقام مزاح فقد انطلي ذلك علي الفارسي والرواحي وأخذا يحاولان إنعاش ذاكرتي بما قلناه في المقهي قبل قليل، وأنا أرد علي كلام كل منهما مصطنعاً الدهشة: أنت مين؟ وبعد مرور نحو خمس دقائق فقط، وعندما لاحظتُ قلقهما الشديد اعترفتُ لهما بأنني أمثّل».
بعد ذلك ابتعد علي الرواحي بدون مقدمات. لم يعودوا يلتقون كالسابق، وبحسب المعمري يبدو أن الوظيفة ابتلعته، فقد ابتعد أيضاً عن الشعر. وإذا بشاب عُماني متخرّج حديثاً من أمريكاً ويتصادف أيضاً أنه قاص موهوب يدخل حياة الاثنين، المعمري وعبدالعزيز، ويُصبح صديقهما الحميم، كأنه بديل جاء في الوقت المناسب ليسد فراغ الرواحي، وهو القاص مازن حبيب: »‬بدأنا التعرف عليه حوالي عام 2004 واستمرتْ صداقتنا به عدة سنوات، قرأنا نحن الثلاثة معاً أعمال تشيخوف وأحببناها وكتبنا عنها، وكذلك أحببنا رواية (حفلة القنبلة) لجراهام جرين وكتبنا عنها ثلاثتنا في عدد واحد من ملحق شرفات الثقافي، لكن الكتاب الأكثر تأثيراً عليّ أنا وعبدالعزيز خلال مسيرتنا الكتابية، هو رواية »‬كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك» للروائي الجزائري عمارة لخّوص. فقد أحببنا هذه الرواية كثيراً وأحببنا طريقة لخّوص في السخرية وفي تعدد الشخصيات، وفي طرق موضوع جاد وهو معاناة المهاجرين العرب والأفارقة في الدول الأوروبية بتناول ساخر يجعلك تضحك من عمق المأساة. وعندما أقرأ اليوم رواية (تبكي الأرض يضحك زحل) لعبدالعزيز الفارسي، أو روايتي (الذي لا يحب جمال عبدالناصر) أجد فيهما تأثراً ما بهذه الرواية».
والحكاية الأخيرة يمكنها أن تلخص معني الصداقة العظيمة التي تجمع الاثنين. ذات مرة نشبت في حلق المعمري شوكة سمك طويلة خلال وجبة دسمة في أحد المطاعم، حاول إخراجها بالطرق التقليدية فلم يستطع. أحد النادلين أحضر له إصبع موز وطلب منه أكله قائلاً إنه سيزحلق الشوكة إلي معدتك. أكل الموز ولم تتزحلق الشوكة بل أعادت تموضعها في مكان أكثر إيلاماً، فكان أن توجه إلي أقرب مستشفي. وهناك حاولوا إخراجها بالطرق التقليدية فلم يتمكنوا لأنه لم يستطع فتح فمه إلي آخره بدون أن تخزه الشوكة في وريده، صوروا عنقه بالأشعة السينية لكن تعذرت رؤية الشوكة، وفي النهاية قرر الطبيب إخراجها بعملية منظار، ولأنه يرتعب من مجرد كلمة »‬عمليّة» كان أول أمر يفكّر فيه الاتصال بعبد العزيز. اتصل به ليسأله عن مدي سهولة أو صعوبة مثل هذه العمليات، فكان جوابه: »‬عشر دقائق وأكون معاك». وبالفعل لم تمض الدقائق العشر حتي كان معه، وساعد وجوده ليس في طمأنته فحسب ولكن أيضاً في الدخول معه في غرفة العمليات عندما عرف الأطباء أنه طبيب، ولم يتركه إلا بعد أن أُجريتْ العملية ونجحتْ، بل وصوّر له الشوكة التي أُخرجت من بلعومه وأراه إياها بمجرد إفاقته من التخدير. يعلق المعمري: »‬من هذه القصة أستطيع أن أعرّف الصديق أنه أول من يخطر في بالك عندما تنشب في حلقك شوكة سمك».
نحن لا نختار أصدقاءنا وإن بدا أننا نفعل ذلك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.