بعد ارتفاعها.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الإثنين 20 مايو 2024    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: اليمين المتطرف بإسرائيل يدعم نتنياهو لاستمرار الحرب    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    ارتفاع تاريخي.. خبير يكشف مفاجأة في توقعات أسعار الذهب خلال الساعات المقبلة (تفاصيل)    رئيس تايوان الجديد لاى تشينج تى ونائبته يؤديان اليمين الدستورية    المسيرة التركية تحدد مصدر حرارة محتمل لموقع تحطم طائرة رئيسي    فاروق جعفر: نثق في فوز الأهلي بدوري أبطال إفريقيا    الجزيري: مباراة نهضة بركان كانت صعبة ولكن النهائيات تكسب ولا تلعب    بعد تهنئة للفريق بالكونفدرالية.. ماذا قال نادي الزمالك للرئيس السيسي؟    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    مصدر أمني يكشف تفاصيل أول محضر شرطة ضد 6 لاعبين من الزمالك بعد واقعة الكونفدرالية (القصة الكاملة)    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    تسنيم: انقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والراديو في منطقة سقوط المروحية    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    سوريا تعرب عن تضامنها مع إيران في حادث اختفاء طائرة «رئيسي»    سقطت أم أُسقطت؟.. عمرو أديب: علامات استفهام حول حادث طائرة الرئيس الإيراني    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    عمر الشناوي: «والدي لا يتابع أعمالي ولا يشعر بنجاحي»    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    آخر تطورات قانون الإيجار القديم.. حوار مجتمعي ومقترح برلماني    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    دعاء الحر الشديد كما ورد عن النبي.. اللهم أجرنا من النار    طريقة عمل الشكشوكة بالبيض، أسرع وأوفر عشاء    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق داخل مدرسة في البدرشين    جريمة بشعة تهز المنيا.. العثور على جثة فتاة محروقة في مقابر الشيخ عطا ببني مزار    نشرة منتصف الليل| تحذير من الأرصاد بشأن الموجة الحارة.. وتحرك برلماني جديد بسبب قانون الإيجار القديم    إعلام إيراني: فرق الإنقاذ تقترب من الوصول إلى موقع تحطم طائرة الرئيس الإيراني    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    اليوم.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة بقيمة 9 مليار    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    الصحة: طبيب الأسرة ركيزة أساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    خبيرة ل قصواء الخلالى: نأمل فى أن يكون الاقتصاد المصرى منتجا يقوم على نفسه    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 20-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    منسق الجالية المصرية في قيرغيزستان يكشف حقيقة هجوم أكثر من 700 شخص على المصريين    اليوم.. محاكمة طبيب وآخرين متهمين بإجراء عمليات إجهاض للسيدات في الجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهما بقتل شقيقين بمنطقة بولاق الدكرور    مسؤول بمبادرة ابدأ: تهيئة مناخ الاستثمار من أهم الأدوار وتسهيل الحصول على التراخيص    بعد الموافقة عليه.. ما أهداف قانون المنشآت الصحية الذي أقره مجلس النواب؟    ارتفاع كبير في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 20 مايو 2024    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اخبار الآدب تفتح ملفات التنوير العربية
الآيام عمانية والحوار ثقافي والآحتواء مصري
نشر في أخبار الأدب يوم 10 - 11 - 2012

رئيس التحرير وأسرة أخبار الادب فى مناقشات مع الوفد العمانى
من أكبر تحديات الحديث عن الثقافة العربية انه يبدأ من منطلق قُطْري. وأن هذه الثقافة الضاربة في عمق التاريخ والجغرافية بشواهدها ومشاهدها، ماهي إلا جزر منعزلة.. ومن ثم ينشرح الصدر إذا رأي تجربة ثقافية تتجاوز الإطار الضيق الي آفاق اكثر رحابة سواء في الذات أم في الموضوع.وعندما نحدق في خريطة الثقافة في سلطنة عمان وهي تتهيأ لاشراقة عام جديد في عمر نهضتها ذات العنفوان المستمر هذه الأيام، وتعبر الي عامها الثالث والأربعين، تقرأ الكثير والمثير في ملامح الوجه الثقافي العماني والذي سنري بعضا منه خلال هذا الأسبوع الذي تحتفي فيه القاهرة ب»أيام عمانية« تتألق في فضاء الوجدان المصري.
من أجل ذلك يتجلي هذا الملف في سياق الرؤية الواسعة التي تتبناها »أخبار الأدب« وهي تتحاور مع صناع ومبدعي الثقافة في كل شقيقة عربية خاصة الدولة التي تستند الي جدار حضاري لاينقض ولا ينبغي، وتتحقق المعادلة الصعبة بين الأصالة والمعاصرة، نستلهم الماضي ونحاور الحاضر ونستشرف المستقبل وما بين الآني والآتي يحلو التأمل الفكري واستقطار التجربة الثقافية خاصة في سياقها الحديث والمعاصر.
في هذا الملف نقرأ حوار مسقط مع العالم الذي يتخذ من الثقافة مرتكزا جوهريا منذ تأسيس الدولة الحديثة.. ونستمطر فضاءها الابداعي، صياغة وصناعة ورؤية وأداة في ضياء الاستراتيجية الشاملة التي تنتظم حركة وحراك المجتمع العماني.
عمان تتحاور مع العالم بالثقافة
حين أطلت عمان علي العالم، في صياغتها الحديثة، اتخذت من الثقافة سبيلا، باعتبار ان العقل الإنساني يطل من الثقافة، وأن بناء الإنسان هو بناء الثقافة، فكان البعد الثقافي هوالذي لم يجعل عمان تحبس ذاتها في غرفة القديم، وفي نفس الوقت، لا تتأرجح في شارع العصر الحديث، إنما تقيم التوازنات في ممارساتها، وتلتزم التوازيات في مساراتها، فحافظت علي هويتها خاصة الثقافية والهوية الثقافية كيان يصير ويتطور، وليس معطي جاهزا ونهائيا، فهي تصير وتتطور إما في اتجاه الانكماش، آو في اتجاه الانتشار، وهي تغتني بتجارب أهلها ومعاناتهم وانتصاراتهم وتطلعاتهم، وأيضا باحتكاكها سلبا وإيجابا مع الهويات الثقافية الأخري التي تدخل معها في تغاير من نوع ما ومن ثم فان بلدا مثل عمان، تلاقت علي ارضه اصداء ومؤثرات حضارية كثيرة لايمكن لانسان هذا البلد ان تحجبه حواجز او ينضب عطاؤه، بل ان الشواهد التاريخية تؤكد ان عمان منذ قديم الزمان، وحدة سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية.
حرص المشروع العماني، ليس فقط في بعده الثقافي بل في كل الأبعاد، علي نجاح تجربة التمسك بالخصوصية الوطنية والانتماء القومي والهوية الاسلامية، وعلي ألا تفقد عمان اتزانها بين الثروة التي يمثلها النفط، وبين التطلع الحقيقي نحو بناء لبنة صلبة في صرح الأمة العربية، بحيث تصبح الثروة طريقا إلي القوة ووسيلة إلي الدفع الحضاري، وأداة تيسر الإجابة عن المعادلة الصعبة المطروحة علي الإنسان العربي في هذا العصر.
جاءت المنظومة العمانية متناغمة مع ذاتها، ومتناسقة مع محيطها الإقليمي، متوازنة مع العالم من حولها وهي تدخل الي قلب التاريخ المعاصر، الذي توارت خلف أستاره بعضا من الوقت، لتعود أفضل من سيرتها الأولي، فكان الوعي واضحا وجليا، في المنظور العماني، بفلسفة التاريخ وأهميته وحركته كعنصر فعال في بناء الثقافة العمانية، وتعميق الشعور بالانتماء الوطني، والربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، فأرادت الاستراتيجية أن تزرع في نفوس العمانيين الثقة والأمل، وتنزع منها الخوف والجزع، والإحساس بتناثر الذات.
كانت البداية العمانية صحيحة.. فكان الاتجاه الي العمق، لأن شواهد التاريخ تؤكد أن أية نهضة حضارية كانت تستجلي الماضي وهي تتقدم نحو الغد، مثلما حدث لأوروبا وهي تستشرف عصر النهضة حين استخرجت تراث اليونان والرومان، فكان بمثابة القاعدة التي انطلق منها العقل الغربي، إلي آفاق العصر الحديث.
لكن الرؤية العمانية آثرت استنهاض تراثها، لأن الشخصية العمانية لديها في مكنوناتها من التراث ما يغنيها عن استلهام تراث الغير، بما قد لا ينسجم مع تكوينها، ولا يتواءم مع فطرة أهلها، ومن ثم لم يكن الجلاء الفكري في المشروع العماني لاحتواء فلسفة التاريخ، مقصودا لذاته، ولا كان الغاية التي يقف عندها، مكتفيا باجترار الماضي، متباهيا بأمجاده، ويعيش علي ذكري مفاخره، فذاك خلق الخامل الذي لا عزم له .
أعادت سلطنة عمان بناء المجتمع الحديث بالثقافة، تناغما مع كون الثقافة تعبيرا ذاتيا و جماعيا عن العالم، أي تعبير عن نمط تمثل وإدراك ذلك العالم من قبل الفرد والجماعة، وبهذا المعني، تعيد الثقافة بناء العالم علي نحو مختلف، لكن الثقافة إذ تعيد ذلك البناء من خلال عملية التعبير، أو الإنتاج الرمزي، تفعل ذلك علي أنحاء مختلفة: علي نحو مكتوب، وعلي نحو منطوق، ثم علي نحو حركي.
كنوز عمانية
حين أزاحت سلطنة عمان ستائر النسيان عن الكنوز الأدبية والفكرية المتمثلة في المخطوطات والمطبوعات والوثائق، فقد أرادت أن تجلي مدي مساهمتها في الثقافة العربية عبر العصور، وهي التي أسهمت علي امتداد تاريخها الطويل في صنع الحضارة الإنسانية، وكان لأبنائها جهد غير منكور في خدمة هذه الحضارة، فالموقع المتميز لهذا البلد الطيب، والروح النضالية التي حملت العمانيين إلي أقاصي الأرض، يجوبون البحار، ويمتطون الأخطار، فيلمسون بأيديهم، ويشاهدون بأعينهم، ويخالطون بقلوبهم وعقولهم، صنوفا من الحضارات، وضروبا من الثقافات، وأشكالا متباينة من التقاليد والعادات، كل ذلك كان له ولاشك أثر بارز في البناء الحضاري الذي شاده الآباء والأجداد، وصاغته الأجيال المتعاقبة تراثا حيا خالدا يجسد ملامح التاريخ وملامحه، ويعبر بصدق عن الثراء الباذخ للتجربة العمانية الضاربة في أعماق الزمن.
وحين طرحت شواهدها التاريخية والحضارية بإمكانيات حاضرها، ومشاهدها الآنية، فقد أرادت أن تكمل الدائرة بما كشفته عن علاقاتها بجيرانها عبر التاريخ، وعن دورها الحضاري قبل الاسلام وبعده، وبمعني آخر الكشف عن هوية عمان، وعن شخصيتها وعن دورها في المنطقة سواء في عمق الصحراء التي تربطها بالخليج واليمن والحجاز، أو في عمق البحر الذي يربطها بأفريقيا والهند وفارس والصين ، وهي بهذا تكمل الدائرة التي تجعل من البلاد العربية مركزا لكل الحضارات في العالم القديم كله، فثغور الشام ومصر تربطنا بحضارة الغرب في أوروبا، وعمق النيل يربطها بافريقيا حتي وسطها، وصحاري العراق تربطنا بفارس والحضارات الوافدة من قلب آسيا ووادي الفولجا، واليمن بسواحلها المتاخمة للساحل الأفريقي تربطنا بأفريقيا وأراضي ما وراء المحيط الهندي، بينما تقوم عمان بربطنا بالفرس من ناحية وبالصين والهند وجزر المحيط، كبيرها وصغيرها، وبلاد العالم الأخري من ناحية ثانية، وبافريقيا الوسطي وما عند ساحل أفريقيا من ناحية ثالثة مكملة دور اليمن في استكمال الدائرة الحضارية الأفريقية والاسيوية النائية وعمان بدورها البحري الرائع عبر التاريخ ومنذ أعمق أعماقه أكملت الدور الذي قامت به منطقة الشرق الأدني حضاريا وتاريخيا، وهي شريك لا شك في كل ما قام فيها من حضارات سواء عند الطرف الشرقي في منطقة ما بين النهرين من حضارات بابلية واشورية واكادية، أو ما قام فيها من حضارات علي الطرف الشمالي من حضارات كنعانية وفينيقية، أو ما قام فيها من حضارات عند الطرف الغربي من حضارات فرعونية وهلينستية، أو ما قام فيها من حضارات عند الطرف الجنوبي الغربي من حضارات حميرية وسبأية، هي شريك - لاشك - في كل هذا كما هي شريك أيضا في التحول الإسلامي الكبير الذي حدث في وسط الجزيرة العربية، وقدم للعالم كله الحضارة الإسلامية ذات العطاء الديني والثقافي والحضاري، منذ ما يقرب من ألف وخمسمائة عام.
المخطوطات تبوح بأسرارها
وفي الوقت الذي استخرجت عمان كنوزها التراثية العريقة وكشفت عن العمق الحضاري للمنطقة وعن تشابك العلاقات الحضارية بها، وعن دورها الهام في ترابط الحضارات من جهة، وفي المزج بين هذه الحضارات من جهة أخري، فإن هذا الاندفاع نحو الغوص في التراث وإنقاذ مخطوطاتها بالإسراع بتحقيقها وطبعها وتداولها، قد تزامن مع السماح للبعثات العالمية بالتنقيب في كل أنحاء البلاد والقيام بالكشوف الأثرية، فتوافدت البعثات الإنجليزية والدنمركية والإيطالية والأمريكية والفرنسية والآلمانية تعطي كل منها جزءا من أجزاء الكشف عن البقايا التاريخية والأثرية التي تزيح النقاب عن النشاط الحضاري، وعن العادات الاجتماعية وعن بقايا المباني والقصور والمقابر، وتحدد زمنها وتاريخها، راجعة بعمان كمستوطنة انسانية الي عمق التاريخ القديم جدا، وكاشفة عن البدايات الأولي للحركة الانسانية نحو المعرفة، ونحو الاستقرار ونحو الحضارة.
سطور وفصول وكفاح
ويوم أزالت السلطنة غبار الزمن عن القلاع والحصون، فقد بعثت برسالة الي العالم، تشكل سطورها فصول التراث العماني المعماري تعكس اعتداد الشعب العماني واعتزازه بهويته الحضارية، كما تعكس روح الكفاح والإبداع الماثلة في ما هو قائم بكل أرجاء عمان من قلاع وحصون وأبراج تمثل في مجموعها نظاما دفاعيا فريدا، ابتكره العمانيون وطوروه في عهود متعاقبة، وحققوا من خلاله انتصاراتهم الباهرة علي كل الغزاة، كما تمثل بفنها المعماري الأصيل، وبما شهدته من أحداث لرموز حية وملهمة، تذكر بتاريخ أمة عريقة، ومن ناحية أخري، فهي ترينا أن لدي عمان تقليدا من أعرق التقاليد التاريخية ويشبه في مداه حضارتي وادي النيل وبلاد ما وراء النهرين، يقترن أقدم هذه الأبنية عددا، بدور عمان كمصدر هام لإمدادات النحاس في العالم القديمناك جذور لابد من البحث عنها والوصول إليها، كشفا لأسرار عملية التحصين داخل الذات، والتحصينات من عوادي الزمن وتقلبات الأيام، إنها كامنة في عباءة التاريخ، ومتداخلة في نسيج الجغرافيا، فقد أجمع علماء التاريخ والآثار علي أن قصة العمارة والتحصينات في عمان جديرة بالبحث والدراسة، لأن معرفتنا بهذا اللون من ألوان الحضارة يضع يدنا علي مفاتيح التاريخ العماني برمته منذ أقدم العصور وحتي الآن.
وحين شرعت في تأسيس متاحفها بمختلف أنواعها من عسكرية ووطنية وطبيعية وتراثية وأثرية، فقد أرادت أن تعرض ملامح الوجود العماني وتستعرض معالم هذا الوجود عبر الزمان وعبر المكان وعبر الإنسان
وحين حصلت عمان علي الكثير من وثائقها التاريخية من مكتبات العالم، فقد أرادت أن تسطر خطابا إلي الأجيال القادمة، يبث اعتزارا بالتاريخ والإرث الحضاري الضخم، فبذلت جهودا كبيرة للحصول علي العديد من دول العالم التي كانت تربطها بعُمان صلات تاريخية وحضارية، مثل دار الوثائق القومية بالولايات المتحدة الأمريكية، ومكتب سجلات الهند، وسجلات الوثائق العامة بالمملكة المتحدة، وأرشيف الوثائق الفرنسي، وأرشيف الوثائق الزنجباري، وأرشيف الوثائق البرتغالي، و دور الوثائق الخليجية مثل مركز الدراسات والوثائق في أبوظبي، وهناك جهود متواصلة لاستكمال الحصول علي نسخ الوثائق الخاصة بعمان من الهند وتركيا وغيرها من دول العالم، وبهذا تكون قد جمعت بهذه النسخ من الوثائق ثروة أو مادة قيمة للانتفاع في البحوث والدراسات العُمانية، خاصة أن هذه المواد قد لا توجد في المخطوطات أو الكتب المنشورة عن المنطقة ومن هنا تأتي أهميتها الكبير.
حوارات حاضرة وحضارية
تتحاور عمان بأكثر من وسيلة وبأكثر من طريقة، مع الذات ومع الآخرين ومع العالم، حوارات حاضرة وحضارية، متواصلة ومتسلسلة ومتزامنة في تشكيل ثقافي نابع من الذات والأرض والتاريخ والجغرافيا، كعوامل حاكمة في التطور الإنساني، كل أولئك في منظومة ثقافية فكرية ذات مرجعية عرفية ومعرفية وأخلاقية وجمالية.
فهي تتحاور بالآثار المنبسطة الشامخة في كافة ربوع الأرض العمانية، والتي تبلغ حوالي الألفي أثر، تتراوح ما بين الحصن والقلعة والبرج والسور والمسجد والبيت الأثري، وقد توج العالم، متمثلا في منظمة اليونسكو، هذه الحوارية الأثرية الناهضة بالكشوفات والنابضة بالمكتشفات، باختيار ستة مواقع تاريخية في قائمة التراث العالمي والإنساني، وهي قلعة بهلا في المنطقة الداخلية عام 1987 ثم منطقة بات الأثرية في منطقة الظاهرة عام 1988 ثم محمية المها الطبيعية (بجدة الحراسيس) في المنطقة الوسطي في عام 2002 ثم طريق تجارة اللبان (مدينة البليد الأثرية، وخور روري، وموقع أوبار ووادي دوكه) في محافظة ظفار عام 2005 ومن ثم يواصل الأثاريون سعيهم - الذي بدأ منذ الخمسينيات - إلي المزيد من دراسة الجوانب الحضارية للسلطنة، ويتوافد الباحثون الأكاديميون من مختلف الجامعات العالمية الكبري، أملا في المزيد من الكشف والاكتشاف لمعرفة الإسهامات التاريخية والحضارية العمانية عبر الأزمنة والأمكنة.
ثم هي تتحاور بإشراقات الثقافة الإسلامية كركيزة من ركائز النهضة العمانية الحديثة في بعدها الإنساني، مثلما هي معلم أساسي من معالم الحضارة العمانية في عصورها الخوالي .
ومثل هذه الخاصية في سياقها الإسلامي العام، جعلت المجتمع العماني يتميز بالتماسك والترابط والتكافل بين أبنائه في إطار أسرة واحدة تربطها علاقات الصداقة والود مع مختلف الدول والشعوب منذ قرون عديدة، حيث مارس العمانيون التجارة وتفاعلوا مع العديد من شعوب العالم، من الصين شرقا حتي أمريكا غربا، وأسهموا بنصيب وافر في الحضارة الإنسانية عبر الاحتكاك والحوار الذي تعزز من خلال قيم الدين الإسلامي الحنيف، خاصة العدل والمساواة وحرية المعتقد ودعوته إلي الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة.
ومن ثم تتبدي ثقافة التسامح والسلام في الخطاب العماني جلية، لأن السلام مذهب آمنت به سلطنة عمان، ومطلب تسعي إلي تحقيقه دون تفريط ولاإفراط ولذلك يؤكد جلالة السلطان قابوس بن سعيد إننا نؤمن بأن عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، ومراعاة المواثيق والمعاهدات، والالتزام بقواعد القانون الدولي من شأنه أن ينتقل بالعالم الي حالة أكثر مواءمة بين مصالح الدول مشيرا إلي تحقيق دعوته الدائمة من خلال نشر ثقافة التسامح والسلام والتعاون والتفاهم بين جميع األمم، أملا أن يؤدي ذلك الي اقتلاع كثير من الاسباب لظاهرتي العنف وعدم الاستقرار وقد ثمن العالم ثقافة السلام التي يتبناها الخطاب العماني بمنح (جائزة السلام الدولية) لجلالة السلطان في 16 أكتوبر 1998 بالإجماع الذي التقت عليه ثلاث وثلاثون جامعة ومركز أبحاث ومنظمة عالمية، من بينها عشر جامعات من أشهر الجامعات الأمريكية، بالإضافة إلي عدد كبير من مراكز البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية المشهود لها علي امتداد العالم.
لأنه الأبقي أثرا
وهي تتحاور بالكتاب كوعاء ثقافي هو الأبقي أثرا والأطول عمرا، سواء بالمطبوعات القديمة او بالكتب الحديثة، وبمعرض مسقط الدولي للكتاب، او المشاركة في معارض الكتاب الدولية، العربية منها اوالأجنبية، او بالوسائل الالكترونية من خلال شبكة المعلومات الدولية، في ظل المواكبة المستمرة لثروة المعلومات وثورة الاتصالات، وتسجل الدوائر الثقافية والمعرفية اقليميا وعالميا حضورا مشهودا للكتاب العماني قديمه ومعاصره، وهي في ذلك تتواصل مع الماضي العربي الثري الذي يزهو بالكتاب كقيمة شهد لها العلماء مثل جورج سارتن الذي شهد في مقدمة كتابه (تاريخ العلوم) حين قال: ان الحضارة العربية لم تصل الي ما وصلت اليه من ازدهار الا بفضل تقديس العلم وتشريف العلماء، حتي لقد عمد الناس في ذلك الزمان الي القول بأن الكتابة هي اشرف المراتب بعد الاخلاق، وقد كان الخلفاء يدفعون في الكتاب وزنه ذهبا.
بالفنون والعلوم
وهي تتحاور بالفنون التقليدية، كنسيج أصيل في تكوين الإنسان العماني، فكانت عملية جمع هذه الفنون التقليدية من ولايات السلطنة انسجاما مع كون عملية جمع وتسجيل مواد المأثورات الشعبية هي الأساس لأية دراسة علمية، وذلك من خلال مركز عمان للموسيقي التقليدية، الذي يقف شاهدا ثقافيا، علي الوجدان العماني، في مساحته التقليدية، ليشكل مشهدا علميا علي قدرة هذا الوجدان الجمعي، في احتواء مأثوراته الشعبية، فكان انضمام السلطنة إلي عضوية المجلس الدولي للموسيقي التقليدية التابع لمنظمة اليونسكو، لتكون أول دولة عربية تتمتع بالعضوية التضامنية لهذا المجلس الدولي، وكانت أكبر الدلالات لمثل هذه الخطوة، أنها فتحت الباب أمام الذائقة العالمية، لتستكشف فنون المنطقة العربية،لاسيما الخليجية منها، وأكدت أن الخليج ليس فقط مجرد نفط، بل هو أيضا ثقافة وحضارة وحاضر يسعي لتوثيق عراه بماضيه وعصره في معادلة صعبة، حين أطلت عمان علي العالم، في صياغتها الحديثة، اتخذت من الثقافة سبيلا، باعتبار ان العقل الإنساني يطل من الثقافة، وأن بناء الإنسان هو بناء الثقافة، فكان البعد الثقافي هوالذي لم يجعل عمان تحبس ذاتها في غرفة القديم، وفي نفس الوقت، لا تتأرجح في شارع العصر الحديث، إنما تقيم التوازنات في ممارساتها، وتلتزم التوازيات في مساراتها، فحافظت علي هويتها خاصة الثقافية والهوية الثقافية كيان يصير ويتطور، وليس معطي جاهزا ونهائيا، فهي تصير وتتطور إما في اتجاه الانكماش، آو في اتجاه الانتشار، وهي تغتني بتجارب أهلها ومعاناتهم وانتصاراتهم وتطلعاتهم، وأيضا باحتكاكها سلبا وإيجابا مع الهويات الثقافية الأخري التي تدخل معها في تغاير من نوع ما ومن ثم فان بلدا مثل عمان، تلاقت علي ارضه اصداء ومؤثرات حضارية كثيرة لايمكن لانسان هذا البلد ان تحجبه حواجز او ينضب عطاؤه، بل ان الشواهد التاريخية تؤكد ان عمان منذ قديم الزمان، وحدة سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية.
حرص المشروع العماني، ليس فقط في بعده الثقافي بل في كل الأبعاد، علي نجاح تجربة التمسك بالخصوصية الوطنية والانتماء القومي والهوية الاسلامية، وعلي ألا تفقد عمان اتزانها بين الثروة التي يمثلها النفط، وبين التطلع الحقيقي نحو بناء لبنة صلبة في صرح الأمة العربية، بحيث تصبح الثروة طريقا إلي القوة ووسيلة إلي الدفع الحضاري، وأداة تيسر الإجابة عن المعادلة الصعبة المطروحة علي الإنسان العربي في هذا العصر.
جاءت المنظومة العمانية متناغمة مع ذاتها، ومتناسقة مع محيطها الإقليمي، متوازنة مع العالم من حولها وهي تدخل الي قلب التاريخ المعاصر، الذي توارت خلف أستاره بعضا من الوقت، لتعود أفضل من سيرتها الأولي، فكان الوعي واضحا وجليا، في المنظور العماني، بفلسفة التاريخ وأهميته وحركته كعنصر فعال في بناء الثقافة العمانية، وتعميق الشعور بالانتماء الوطني، والربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، فأرادت الاستراتيجية أن تزرع في نفوس العمانيين الثقة والأمل، وتنزع منها الخوف والجزع، والإحساس بتناثر الذات.
كانت البداية العمانية صحيحة.. فكان الاتجاه الي العمق، لأن شواهد التاريخ تؤكد أن أية نهضة حضارية كانت تستجلي الماضي وهي تتقدم نحو الغد، مثلما حدث لأوروبا وهي تستشرف عصر النهضة حين استخرجت تراث اليونان والرومان، فكان بمثابة القاعدة التي انطلق منها العقل الغربي، إلي آفاق العصر الحديث.
لكن الرؤية العمانية آثرت استنهاض تراثها، لأن الشخصية العمانية لديها في مكنوناتها من التراث ما يغنيها عن استلهام تراث الغير، بما قد لا ينسجم مع تكوينها، ولا يتواءم مع فطرة أهلها، ومن ثم لم يكن الجلاء الفكري في المشروع العماني لاحتواء فلسفة التاريخ، مقصودا لذاته، ولا كان الغاية التي يقف عندها، مكتفيا باجترار الماضي، متباهيا بأمجاده، ويعيش علي ذكري مفاخره، فذاك خلق الخامل الذي لا عزم له .
أعادت سلطنة عمان بناء المجتمع الحديث بالثقافة، تناغما مع كون الثقافة تعبيرا ذاتيا و جماعيا عن العالم، أي تعبير عن نمط تمثل وإدراك ذلك العالم من قبل الفرد والجماعة، وبهذا المعني، تعيد الثقافة بناء العالم علي نحو مختلف، لكن الثقافة إذ تعيد ذلك البناء من خلال عملية التعبير، أو الإنتاج الرمزي، تفعل ذلك علي أنحاء مختلفة: علي نحو مكتوب، وعلي نحو منطوق، ثم علي نحو حركي
كنوز عمانية
حين أزاحت سلطنة عمان ستائر النسيان عن الكنوز الأدبية والفكرية المتمثلة في المخطوطات والمطبوعات والوثائق، فقد أرادت أن تجلي مدي مساهمتها في الثقافة العربية عبر العصور، وهي التي أسهمت علي امتداد تاريخها الطويل في صنع الحضارة الإنسانية، وكان لأبنائها جهد غير منكور في خدمة هذه الحضارة، فالموقع المتميز لهذا البلد الطيب، والروح النضالية التي حملت العمانيين إلي أقاصي الأرض، يجوبون البحار، ويمتطون الأخطار، فيلمسون بأيديهم، ويشاهدون بأعينهم، ويخالطون بقلوبهم وعقولهم، صنوفا من الحضارات، وضروبا من الثقافات، وأشكالا متباينة من التقاليد والعادات، كل ذلك كان له ولاشك أثر بارز في البناء الحضاري الذي شاده الآباء والأجداد، وصاغته الأجيال المتعاقبة تراثا حيا خالدا يجسد ملامح التاريخ وملامحه، ويعبر بصدق عن الثراء الباذخ للتجربة العمانية الضاربة في أعماق الزمن.
وحين طرحت شواهدها التاريخية والحضارية بإمكانيات حاضرها، ومشاهدها الآنية، فقد أرادت أن تكمل الدائرة بما كشفته عن علاقاتها بجيرانها عبر التاريخ، وعن دورها الحضاري قبل الاسلام وبعده، وبمعني آخر الكشف عن هوية عمان، وعن شخصيتها وعن دورها في المنطقة سواء في عمق الصحراء التي تربطها بالخليج واليمن والحجاز، أو في عمق البحر الذي يربطها بأفريقيا والهند وفارس والصين ، وهي بهذا تكمل الدائرة التي تجعل من البلاد العربية مركزا لكل الحضارات في العالم القديم كله، فثغور الشام ومصر تربطنا بحضارة الغرب في أوروبا، وعمق النيل يربطها بافريقيا حتي وسطها، وصحاري العراق تربطنا بفارس والحضارات الوافدة من قلب آسيا ووادي الفولجا، واليمن بسواحلها المتاخمة للساحل الأفريقي تربطنا بأفريقيا وأراضي ما وراء المحيط الهندي، بينما تقوم عمان بربطنا بالفرس من ناحية وبالصين والهند وجزر المحيط، كبيرها وصغيرها، وبلاد العالم الأخري من ناحية ثانية، وبافريقيا الوسطي وما عند ساحل أفريقيا من ناحية ثالثة مكملة دور اليمن في استكمال الدائرة الحضارية الأفريقية والاسيوية النائية وعمان بدورها البحري الرائع عبر التاريخ ومنذ أعمق أعماقه أكملت الدور الذي قامت به منطقة الشرق الأدني حضاريا وتاريخيا، وهي شريك لا شك في كل ما قام فيها من حضارات سواء عند الطرف الشرقي في منطقة ما بين النهرين من حضارات بابلية واشورية واكادية، أو ما قام فيها من حضارات علي الطرف الشمالي من حضارات كنعانية وفينيقية، أو ما قام فيها من حضارات عند الطرف الغربي من حضارات فرعونية وهلينستية، أو ما قام فيها من حضارات عند الطرف الجنوبي الغربي من حضارات حميرية وسبأية، هي شريك - لاشك - في كل هذا كما هي شريك أيضا في التحول الإسلامي الكبير الذي حدث في وسط الجزيرة العربية، وقدم للعالم كله الحضارة الإسلامية ذات العطاء الديني والثقافي والحضاري، منذ ما يقرب من ألف وخمسمائة عام
المخطوطات تبوح بأسرارها
وفي الوقت الذي استخرجت عمان كنوزها التراثية العريقة وكشفت عن العمق الحضاري للمنطقة وعن تشابك العلاقات الحضارية بها، وعن دورها الهام في ترابط الحضارات من جهة، وفي المزج بين هذه الحضارات من جهة أخري، فإن هذا الاندفاع نحو الغوص في التراث وإنقاذ مخطوطاتها بالإسراع بتحقيقها وطبعها وتداولها، قد تزامن مع السماح للبعثات العالمية بالتنقيب في كل أنحاء البلاد والقيام بالكشوف الأثرية، فتوافدت البعثات الإنجليزية والدنمركية والإيطالية والأمريكية والفرنسية والآلمانية تعطي كل منها جزءا من أجزاء الكشف عن البقايا التاريخية والأثرية التي تزيح النقاب عن النشاط الحضاري، وعن العادات الاجتماعية وعن بقايا المباني والقصور والمقابر، وتحدد زمنها وتاريخها، راجعة بعمان كمستوطنة انسانية الي عمق التاريخ القديم جدا، وكاشفة عن البدايات الأولي للحركة الانسانية نحو المعرفة، ونحو الاستقرار ونحو الحضارة
سطور وفصول وكفاح
ويوم أزالت السلطنة غبار الزمن عن القلاع والحصون، فقد بعثت برسالة الي العالم، تشكل سطورها فصول التراث العماني المعماري تعكس اعتداد الشعب العماني واعتزازه بهويته الحضارية، كما تعكس روح الكفاح والإبداع الماثلة في ما هو قائم بكل أرجاء عمان من قلاع وحصون وأبراج تمثل في مجموعها نظاما دفاعيا فريدا، ابتكره العمانيون وطوروه في عهود متعاقبة، وحققوا من خلاله انتصاراتهم الباهرة علي كل الغزاة، كما تمثل بفنها المعماري الأصيل، وبما شهدته من أحداث لرموز حية وملهمة، تذكر بتاريخ أمة عريقة، ومن ناحية أخري، فهي ترينا أن لدي عمان تقليدا من أعرق التقاليد التاريخية ويشبه في مداه حضارتي وادي النيل وبلاد ما وراء النهرين، يقترن أقدم هذه الأبنية عددا، بدور عمان كمصدر هام لإمدادات النحاس في العالم القديمناك جذور لابد من البحث عنها والوصول إليها، كشفا لأسرار عملية التحصين داخل الذات، والتحصينات من عوادي الزمن وتقلبات الأيام، إنها كامنة في عباءة التاريخ، ومتداخلة في نسيج الجغرافيا، فقد أجمع علماء التاريخ والآثار علي أن قصة العمارة والتحصينات في عمان جديرة بالبحث والدراسة، لأن معرفتنا بهذا اللون من ألوان الحضارة يضع يدنا علي مفاتيح التاريخ العماني برمته منذ أقدم العصور وحتي الآن.
وحين شرعت في تأسيس متاحفها بمختلف أنواعها من عسكرية ووطنية وطبيعية وتراثية وأثرية، فقد أرادت أن تعرض ملامح الوجود العماني وتستعرض معالم هذا الوجود عبر الزمان وعبر المكان وعبر الإنسان
وحين حصلت عمان علي الكثير من وثائقها التاريخية من مكتبات العالم، فقد أرادت أن تسطر خطابا إلي الأجيال القادمة، يبث اعتزارا بالتاريخ والإرث الحضاري الضخم، فبذلت جهودا كبيرة للحصول علي العديد من دول العالم التي كانت تربطها بعُمان صلات تاريخية وحضارية، مثل دار الوثائق القومية بالولايات المتحدة الأمريكية، ومكتب سجلات الهند، وسجلات الوثائق العامة بالمملكة المتحدة، وأرشيف الوثائق الفرنسي، وأرشيف الوثائق الزنجباري، وأرشيف الوثائق البرتغالي، و دور الوثائق الخليجية مثل مركز الدراسات والوثائق في أبوظبي، وهناك جهود متواصلة لاستكمال الحصول علي نسخ الوثائق الخاصة بعمان من الهند وتركيا وغيرها من دول العالم، وبهذا تكون قد جمعت بهذه النسخ من الوثائق ثروة أو مادة قيمة للانتفاع في البحوث والدراسات العُمانية، خاصة أن هذه المواد قد لا توجد في المخطوطات أو الكتب المنشورة عن المنطقة ومن هنا تأتي أهميتها الكبير.
حوارات حاضرة وحضارية
تتحاور عمان بأكثر من وسيلة وبأكثر من طريقة، مع الذات ومع الآخرين ومع العالم، حوارات حاضرة وحضارية، متواصلة ومتسلسلة ومتزامنة في تشكيل ثقافي نابع من الذات والأرض والتاريخ والجغرافيا، كعوامل حاكمة في التطور الإنساني، كل أولئك في منظومة ثقافية فكرية ذات مرجعية عرفية ومعرفية وأخلاقية وجمالية.
فهي تتحاور بالآثار المنبسطة الشامخة في كافة ربوع الأرض العمانية، والتي تبلغ حوالي الألفي أثر، تتراوح ما بين الحصن والقلعة والبرج والسور والمسجد والبيت الأثري، وقد توج العالم، متمثلا في منظمة اليونسكو، هذه الحوارية الأثرية الناهضة بالكشوفات والنابضة بالمكتشفات، باختيار ستة مواقع تاريخية في قائمة التراث العالمي والإنساني، وهي قلعة بهلا في المنطقة الداخلية عام 1987 ثم منطقة بات الأثرية في منطقة الظاهرة عام 1988 ثم محمية المها الطبيعية (بجدة الحراسيس) في المنطقة الوسطي في عام 2002 ثم طريق تجارة اللبان (مدينة البليد الأثرية، وخور روري، وموقع أوبار ووادي دوكه) في محافظة ظفار عام 2005 ومن ثم يواصل الأثاريون سعيهم - الذي بدأ منذ الخمسينيات - إلي المزيد من دراسة الجوانب الحضارية للسلطنة، ويتوافد الباحثون الأكاديميون من مختلف الجامعات العالمية الكبري، أملا في المزيد من الكشف والاكتشاف لمعرفة الإسهامات التاريخية والحضارية العمانية عبر الأزمنة والأمكنة.
ثم هي تتحاور بإشراقات الثقافة الإسلامية كركيزة من ركائز النهضة العمانية الحديثة في بعدها الإنساني، مثلما هي معلم أساسي من معالم الحضارة العمانية في عصورها الخوالي .
ومثل هذه الخاصية في سياقها الإسلامي العام، جعلت المجتمع العماني يتميز بالتماسك والترابط والتكافل بين أبنائه في إطار أسرة واحدة تربطها علاقات الصداقة والود مع مختلف الدول والشعوب منذ قرون عديدة، حيث مارس العمانيون التجارة وتفاعلوا مع العديد من شعوب العالم، من الصين شرقا حتي أمريكا غربا، وأسهموا بنصيب وافر في الحضارة الإنسانية عبر الاحتكاك والحوار الذي تعزز من خلال قيم الدين الإسلامي الحنيف، خاصة العدل والمساواة وحرية المعتقد ودعوته إلي الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة.
ومن ثم تتبدي ثقافة التسامح والسلام في الخطاب العماني جلية، لأن السلام مذهب آمنت به سلطنة عمان، ومطلب تسعي إلي تحقيقه دون تفريط ولاإفراط ولذلك يؤكد جلالة السلطان قابوس بن سعيد إننا نؤمن بأن عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، ومراعاة المواثيق والمعاهدات، والالتزام بقواعد القانون الدولي من شأنه أن ينتقل بالعالم الي حالة أكثر مواءمة بين مصالح الدول مشيرا إلي تحقيق دعوته الدائمة من خلال نشر ثقافة التسامح والسلام والتعاون والتفاهم بين جميع األمم، أملا أن يؤدي ذلك الي اقتلاع كثير من الاسباب لظاهرتي العنف وعدم الاستقرار وقد ثمن العالم ثقافة السلام التي يتبناها الخطاب العماني بمنح (جائزة السلام الدولية) لجلالة السلطان في 16 أكتوبر 1998 بالإجماع الذي التقت عليه ثلاث وثلاثون جامعة ومركز أبحاث ومنظمة عالمية، من بينها عشر جامعات من أشهر الجامعات الأمريكية، بالإضافة إلي عدد كبير من مراكز البحوث والدراسات السياسية والاستراتيجية المشهود لها علي امتداد العالم
لأنه الأبقي أثرا
وهي تتحاور بالكتاب كوعاء ثقافي هو الأبقي أثرا والأطول عمرا، سواء بالمطبوعات القديمة او بالكتب الحديثة، وبمعرض مسقط الدولي للكتاب، او المشاركة في معارض الكتاب الدولية، العربية منها اوالأجنبية، او بالوسائل الالكترونية من خلال شبكة المعلومات الدولية، في ظل المواكبة المستمرة لثروة المعلومات وثورة الاتصالات، وتسجل الدوائر الثقافية والمعرفية اقليميا وعالميا حضورا مشهودا للكتاب العماني قديمه ومعاصره، وهي في ذلك تتواصل مع الماضي العربي الثري الذي يزهو بالكتاب كقيمة شهد لها العلماء مثل جورج سارتن الذي شهد في مقدمة كتابه (تاريخ العلوم) حين قال: ان الحضارة العربية لم تصل الي ما وصلت اليه من ازدهار الا بفضل تقديس العلم وتشريف العلماء، حتي لقد عمد الناس في ذلك الزمان الي القول بأن الكتابة هي اشرف المراتب بعد الاخلاق، وقد كان الخلفاء يدفعون في الكتاب وزنه ذهبا.
بالفنون والعلوم
وهي تتحاور بالفنون التقليدية، كنسيج أصيل في تكوين الإنسان العماني، فكانت عملية جمع هذه الفنون التقليدية من ولايات السلطنة انسجاما مع كون عملية جمع وتسجيل مواد المأثورات الشعبية هي الأساس لأية دراسة علمية، وذلك من خلال مركز عمان للموسيقي التقليدية، الذي يقف شاهدا ثقافيا، علي الوجدان العماني، في مساحته التقليدية، ليشكل مشهدا علميا علي قدرة هذا الوجدان الجمعي، في احتواء مأثوراته الشعبية، فكان انضمام السلطنة إلي عضوية المجلس الدولي للموسيقي التقليدية التابع لمنظمة اليونسكو، لتكون أول دولة عربية تتمتع بالعضوية التضامنية لهذا المجلس الدولي، وكانت أكبر الدلالات لمثل هذه الخطوة، أنها فتحت الباب أمام الذائقة العالمية، لتستكشف فنون المنطقة العربية،لاسيما الخليجية منها، وأكدت أن الخليج ليس فقط مجرد نفط، بل هو أيضا ثقافة وحضارة وحاضر يسعي لتوثيق عراه بماضيه وعصره في معادلة صعبة، وترجمة فنية للتاريخ يقرأها حاضر عماني قوي يبرق بالعطاء، ويسعي لأن يتحول النغم العربي إلي نغم انساني، وقد استطاع، وحسبه أنه نقل موسيقي عمان التقليدية من المجال الفولكلوري إلي المجال السيمفوني، بما تمثله الموسيقي التقليدية من قيمة وجدانية في التراث التقليدي العماني
وهي تتحاور بالثقافة العلمية، في الداخل والخارج، كتثبيت علمي لمعني أن النهضة هي الصحوة التي تؤدي بنا إلي القوة، بعد ضعف أصاب المجتمع ردحا من الزمن، والقوة لا يفهم لها معني إلا بالقياس إلي ما يستطيعه المنافسون، وهي قوة متعددة الفروع، فهي في العلم والإنتاج وسرعة الأداء وإرهاف الذوق، وفي كل ماتراه سبيلا إلي إنسان حفزت قدراته الفطرية المكنونة إلي حدها الأقصي .
وتأسيسا علي ذلك يقترن العلم بالعمل في المنظور العماني، ولا سيما أننا في قلب عصر، لا يعترف إلا بهما معا : اننا نعيش عصر العلم، ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وان ذلك ليزيدنا يقينا بأن العلم والعمل الجاد هما معا وسيلتنا لمواجهة تحديات هذا العصر، وبناء نهضة قوية ومزدهرة، علي أساس من قيمنا الاسلامية والحضارية. وهنا تتسامي رسالة جامعة السلطان قابوس لبناء كوادر وطنية مؤهلة علميا علي أرقي المستويات وأن المسؤولية الملقاة علي عاتقها تتطلب منها، في المقام الأول، العناية بترسيخ القيم والتقاليد الأصيلة، التي يعتز بها شبعنا كل الاعتزاز والاهتمام بإبراز تراثنا العماني الحافل بالأمجاد ليستمد ابناؤنا من هذا كله ما ينير امامهم الطريق ويحفزهم للعطاء والتفاني في خدمة الوطن والحفاظ علي مكتسبات نهضته والعمل علي تحقيق المزيد منها في اطار مسيرتنا الجادة علي طريق التقدم والنماء.
هذا الجناح القيمي الأصيل، يحلق معه الجناح العملي المعاصر، الذي يؤكد علي الأهمية الكبري لتكريس امكانيات الجامعة في البحوث والدراسات النظرية والتطبيقية لخدمة المجتمع والمشاركة الفعالة في ايجاد الحلول العملية لمشاكله الاجتماعية والاقتصادية، ليس هذا فقط، ولكنه يمتد مؤكدا علي اهمية بناء وتدعيم الصلات والروابط العلمية بين جامعتنا والجامعات الأخري في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وفي مختلف الدول الشقيقة والصديقة، وذلك لما لهذه الصلات والروابط من آثار ايجابية تهيئ مجالات للتفاعل بين الجهود والأنشطة العلمية لمختلف الجامعات وتساهم في اثراء الفكر والمعرفة، كما تساهم في تعميق روح التفاهم وتوطيد أواصر الصداقة والتعاون بين الشعوب.
مرتكز أساسي وتأسيسي
تتخذ النهضة العمانية الحديثة من الثقافة، بالمعني الشمولي والإنساني، وبأدبياتها ومادياتها مرتكزا تأسيسيا.
تشكل الثقافة تشكل أحد المكونات الأساسية للبناء الاجتماعي بما تصيغه من محتوي فكري وحضاري وفني لمجتمع ما، علي أساس أن المجتمعات البشرية تتمايز في ثقافاتها الذاتية بتمايز منابع الثقافة والوعي الجمعي، ولها التأثير المباشر علي النسق الاجتماعي والنفسي، وجميع الأطر والأوعية التي يبدعها المجتمع لتسيير شؤونه أو تطوير وضعه المادي والمعنوي.
ومنذ إطلالة فجر عمان الحديثة لم تكن الثقافة، واجهة تجميلية ولا وجها تكميليا في الاستراتجية العمانية، بمساراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بل كانت نقطة انطلاق لكل هذه المسارات صياغة وصناعة، وإنتاجا وإبداعا، سواء علي صعيد المؤسسة الثقافية، أو علي مستوي الفرد المثقف، فليس مثل الثقافة،أدبا وفنا وتراثا وفكرا وسلوكا، وأثرا ومعمارا، وسيلة لنشر عقيدة، أو تثبيت مبدأ، أو تأكيد دعوة.
استراتيجية شاملة
علي أنه ينبغي الإشارة إلي أن كل العطاءات الثقافية التي أقدمت عليها عمان وتقدمت بها الي العالم، ما كان لها أن تتم لولا الاستراتيجية الثقافية الشاملة، التي بدأت قوية وهي تسير في مسارات متوازية ومتزامنة في الرؤية التي تنسال من فكر جلالة السلطان قابوس الذي قدم للثقافة العمانية والعربية الكثير من المشاريع القومية ذات الوزن الفكري الثقيل.
تتقاطع التنظيرات الثقافية، في أجواء الخطاب العماني، مؤكدة قدرة الثقافة العمانية علي أن تلعب دورا فاعلا ومتفاعلا في المحافظة علي الهوية العمانية،
إن جلالة السلطان يحرص علي أن يعطي المجتمع المفاتيح التي ينطلق منها الي الحياة والعصر، بالإبداع والمواجهة، والتجديد والمواكبة، ومن ثم فهو في هذا المجال، حين وجه انتباه المجتمع إلي الاهتمام بالتراث والتاريخ، أصدر في وقت مبكر من النهضة مرسوما عام 6791بإنشاء (وزارة للتراث القومي والثقافة) وكان الهدف المنشود ألا يفقد هذا البلد تراثه وهويته الحضارية باعتبارها الحجر الأساسي في بناء النهضة، إذ لا نمو بدون جذور، ولكي تتطاول الأشجار في العلو يلزمها الجذور التي تضرب في أعماق التربة
ومن هنا تتعاظم دعوة جلالته بوجوب المحافظة علي كل أعمال علمائنا ومفكرينا الأوائل ليبقي كل ذلك ويصبح مصدر اعتزاز لأجيالنا القادمة.
وتكاد سلطنة عمان تكون الدولة العربية الوحيدة التي تخصص وزارة للتراث وتؤثر أن يكون مسمي (التراث) قبل مسمي (الثقافة) الأمر الذي لفت كثيرا من انظار الباحثين والمفكرين، ولعل من أكبر الدلالات التي يرمز إليها هذالإتجاه، هو إحداث التفاعل الخلاق بين الانسان العماني وتاريخه، والتحريك المستمر بين حاضره وحضارته، والربط العميق بين المآثر الحديثة والمأثورات الفولكلورية
ينم فكر جلالة السلطان قابوس بن سعيد عن شفافية ثقافية تلقي بأدبياتها علي الانسان والزمان والمكان، ليس فقط في عمان، بل تتجاوز الإطار القطري، لتمد وتمتد الي ما هو أبعد من ذلك، سواء كان الطرح في شكل رؤية ثقافية، أومشروع يسعي إلي تقديم مساهمة حضارية، أومبادرة إنسانية في مجال من المجالات التي يؤثرها وتتناغم مع ذاته، وتتناسق مع رؤاه، وتنسجم مع منظوره للثقافة ودورها في تشكيل المجتمع، وحراسة قيمه وصيانتها، وتنوير شرائحه وصياغة ذوقها، بما تمثله من عملية رعاية وإعداد مستمر للعقل والروح
التوازن والانسجام
في منظومة السلطان قابوس الفكرية يتبدي الخيط الثقافي واضحا جليا، يشد الخيوط الأخري بعضها إلي بعض، ليحقق بينها التوازن، ويحكم بينها الإنسجام، لتصبح المسألة الثقافية بمفهومها المادي وقيمها المعنوية، عملية أساسية في نسيج الروح.
يرمز جلالة السلطان إلي ثلة من الزعماء والحكام الذين تشغلهم المشروعات الثقافية والفكرية،ذات الدرجة الرفيعة من الأهمية، شأنها في ذلك شأن المشروعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية بشكل عام، فالتنمية في منظوره متكاملة، بمعني أنه اذا عرضت الاستراتيجية العمانية مشروعاتها لتنمية الموارد الطبيعية والبيئة الاقتصادية، فإنها تضع برامج مواكبة لتنمية القدرات البشرية ثقافيا وعلميا، وإذا هي اشتملت في برامجها علي تنمية البيئة الاجتماعية وعززت فيها أساليب الحياة الحديثة، فإنها تتحسب برامج الحفاظ علي الثقافة القومية الأصيلة، وإذا هي شغلت نفسها باتجاهات الحداثة والمعاصرة، فإنها تنشغل أيضا وبنفس القدر بإشكاليات الأصل والأصالة.
وتأسيسا علي ذلك نجد في كل دعوة ثقافية أومبادرة فكرية من جلالته، أصداء سياسية، وظلالا اقتصادية، وأبعادا اجتماعية، وروحا إنسانيا، يهيمن علي قيمة التكاملية في الرؤية، للتحليق بالمجتمع تحليقا يتسم بالتوازن وينسجم بالتوازي
لقد اتخذ من الثقافة مقوما أساسيا من مقومات الدولة العصرية، وجعل من الثقافة مؤسسة فاعلة في دولة المؤسسات، وأعطي المؤسسة الثقافية العمانية، الجميل من ذاته وذائقته، والكثير من خططه وتخطيطه، وفي هذا السياق يقول انه يتوجب علينا جميعا أن نضع نصب أعيننا باستمرار ان التطور الذي نسعي اليه وننشده في جميع المجالات يجب ان يقوم في جوهره علي أساس قوي من تراثنا العريق وفقا لتقاليدنا وعاداتنا ولا تزال هذه الكراسي تتوالي حاملة اسم عمان والثقافة العربية الي وجدان العالم وعقله الموروثة ولواقع الحماية والظروف الموضوعية في مجتمعنا
وشغلت قضية التراث والحداثة، أو الأصالة والمعاصرة، مساحة واسعة من خطاب جلالته، ولم يكن هذا الانشغال مجرد تنظير فحسب، بل هو فعل ثقافي حضاري، تتعدد مراياه، وتتنوع رؤاه، وتلتحم فيه التصورات بالتصديقات
علي أن السلطان قابوس يدعو دائما إلي عدم المكوث طويلا في غرفة القديم، بل يرفض اجترار الماضي، إيمانا بفكرة التطور، وأخذا بمبدأ التجديد، لأن التاريخ قد أثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن الأمم لا تتقدم ولا تتطور إلا بتجديد فكرها وتحديثه، وهكذا الشأن في الأفراد، فالجمود داء وبيل قاتل، عاقبته وخيمة، ونهايته أليمة، لذلك عقدنا العزم منذ اليوم الأول للنهضة المباركة، ألا نقع في براثن هذا الداء.
جزء من الثقافة العربية

تعتز الثقافة العمانية، في صيرورتها التاريخية، وفي كينونتها المعاصرة، بأنها جزء من الثقافة العربية التي تعد بدورها جزءا لا يتجزأ من الثقافة الإنسانية في معناها الشامل وهي تؤكد ذلك بثوابتها ومتغيراتها فالثوابت التي ترتكز عليها حركة الفكر مثل المقوم الإسلامي الذي يعد أساسا ومرتكزا غاليا، والبعد القومي لدي المبدع العماني وقيم الانتماء الكبير واللغة والتاريخ والدم والاعتزاز بالماضي العريق والحاضر السعيد وأن الإنسان العماني ملتحم بشقيقه العربي وبأخيه في الإنسانية وما يجري علي الإنسان في العالم يجري عليه بشكل أو بآخر، وأما المتغيرات فيتلقاها المثقف العماني كما ينبغي أن يكون التلقي، وأنه كعضو حي في الخلية العربية والإنسانية، يؤثر ويتأثر ويتكيف مع ما حوله مع المحافظة علي هويته بأبعادها العمانية والعربية والإسلامية، وبتحقيق التوازن بين الجديد والقديم وبين الأصالة والمعاصرة
مثل هذا الاعتزاز يلقي بظلاله الثقافية علي حركة المجتمع العماني في مساراته السياسية والتنموية حتي أن جلالة السلطان أكد للصحافة الاجنبية بأن النجاح الذي حققناه في عمان وفي تبني مميزات وحسنات المجتمع الحديث مع الاحتفاظ في نفس الوقت بتقاليدنا وثقافتنا العريقة يعود الي الشراكة الوثيقة القائمة بيني وبين شعبي
ويشير المؤرخون الي أن عمان ساهمت في بناء صرح الحضارة الإسلامية، طوال عصورها التاريخية، في ميادين الدين والعلم والثقافة والسياسة والاقتصاد ولا ريب أن أبرز جوانب الحضارة الإسلامية العظيمة هو تدوين العلم،الذي حفظ للأمة الإسلامية فكرها، وكان عاملا علي ازدياد وعيها، وكان لأهل عمان نصيب وافر فيما تركته الأمة الإسلامية من كنوز علمية، لأن العمانيين اهتموا بالتأليف في وقت مبكر جدا في العهد الإسلامي، بل من الحق القول أنهم أول من اعتني بالتأليف في علوم الدين واللغة، وفي مختلف أنواع العلوم والفنون والآداب، ونهضوا مع العلماء في سائر ديار الإسلام لإرساء قواعد الحضارة الإسلامية الأصيلة، ولتطوير تلك الحضارة التي غذت العالم كله وأمدته بالعلم والمعرفة ووسائل النهوض بالحياة وبالفكر البشري وبالإنسان عامة
المساهمة الحضارية
ولقد انطلق العمانيون في الفكر والبحث، ولم تكن هناك حواجز جغرافية أو مذهبية بين العلماء العمانيين، وبين سائر علماء ديار الإسلام، أوبينهم وبين هؤلاء الذين ينتمون إلي بلاد غير إسلامية، وقام العمانيون في البصرة في القرون الأولي للإسلام بدور بارز وأساسي بين علماء الإسلام من حيث الإنتاج الفكري والإتصال بأنحاء العالم الإسلامي، وقد شبهوا العلم بطائر باض بالمدينة، وفرخ بالبصرة، وطار إلي عمان.
يمكن القول إجمالا إن الثقافة العربية الإسلامية كانت واسطة العقد بين العلوم والثقافات القديمة وبين النهضة الأوروبية، فالفكر العربي الإسلامي، والثقافة العربية الإسلامية، سلسلة متّصلة الحلقات، امتدت من الحضارات القديمة، من مصرية، وآشورية، وبابلية، وصينية، إلي حضارة الأغريق والاسكندرية، إلي العصر الإسلامي الذي تأثّر علماؤه بمن تقدّمهم، وأثّروا بدورهم فيمن لحقهم من علماء النهضة الأوروبية الذين قرأوا أعمال العلماء العرب في كتبهم المترجمة إلي اللغة اللاتينية واللغات الأوروبية.
دار الأوبرا العمانية
الأولي في الخليج.. والثانية بعد القاهرة
تتهادي النغمة الموسيقية في الوجدان العماني وترا شجيا، يعزف أشواق نفس، جبلت علي محبة الجمال، فأشاعته سناء وثناء في ثنايا هذه الأرض الطيبة ففي قلب العاصمة العمانية مسقط تتألق دار الأوبرا صرحا جماليا وثقافيا عالميا، هي أول دار أوبرا في منطقة الخليج العربي، وفي الجزيرة العربية والدار الثانية بعد الأوبرا المصرية في الشرق الأوسط تقدم عروضها الفنية العالمية لتشكل منجزًا جديدًا من منجزات النهضة العمانية في إطار الجهود الحثيثة المتواصلة التي تقوم بها السلطنة بهدف إعطاء جل الاهتمام للإنسان العماني في كافة مراحل الحياة ومنها مجالات الثقافة والفنون تمكينًا للمجتمع من التواصل مع حضارات وثقافات العالم وقد جاء إنشاء دار الأوبر خطوة كبري في تطور التصاميم المعمارية العمانية وهي التصاميم التي يمكن للناظر بجلاء تلمسها كذلك في جامع السلطان قابوس الأكبر بمسقط وعدد من المنشآت الأخري، حيث تم استثمار العمارة التقليدية العربية الإسلامية وعناصر هذه العمارة لخدمة الأغراض المستهدفة، إلي جانب التناسق والتناغم بين العناصر والتشكيلات المختلفة مع مراعاة اختيار المواد المناسبة التي اشتهرت بها العمارة العربية الإسلامية مثل استعمال الحجارة الكبيرة والأخشاب التي يتم تزيينها بنقوش بالغة الدقة والتعقيد، إضافة إلي الإيحاءات التاريخية المستمدة من التراث المعماري بالمنطقة إن دار الأوبرا السلطانية سيكون لها دور في تلبية تطلعات ورغبات كافة أذواق روادها، إضافة إلي الدور الفاعل للدار في الارتقاء بمجالات الثقافة والفنون، وبحيث تصبح منارة مضيئة تسهم في التفاعل من خلال تلك الجوانب إقليميًّا والانتقال بها لاحقًا إلي العالمية.
ولقد حق للسلطان قابوس أن سيقول في افتتاح هذا الصرح الفني "لقد قامت عمان عبر تاريخها الطويل بأدوار مشهودة في مختلف الميادين الثقافية والحضارية وقد آن الأوان لتتويج هذه المسيرة الحضارية الحافلة بالأخذ بمفاهيم الثقافة العالمية والمساهمة الفعالة في تنميتها وتجسيدا لهذا فقد أنشأنا دار الأوبرا السلطانية مسقط لتكون مركز إشعاع ثقافي للشعب العماني والإنسانية جمعاء .. إننا سعينا في جميع المحافل الدولية إلي تعزيز دور عمان البناء في الحوار بين الحضارات وإثراء التبادل الثقافي وتقوية أواصر الصداقة والتعاون الدائمين.. إننا علي يقين من أن دار الأوبرا السلطانية مسقط سوف تؤدي دورا هاما وبارزا في نشر التراث العالمي وترسيخ مثل السلم والتعايش والتفاهم بين جميع الأمم والشعوب، عبر فعاليات الفنون التي تعبر عن تراث ثقافي وإنساني مشترك بالغ الدلالة وعميق الأثر.
في الشعر.. في السرد.. في النقد
لعام جديد سيأتي
هلال العامري
-1-
لِعَام مَضَي
لِعَام جَدِيِد سَيأْتِي
تكُونِينَ أنْتِ حَيَاتِي
وضَوْئِي
وخُبْزِي
وزَيْتِي
-2-
وفِي كُلِّ عام تَرِفُّ الأَمَانِي
تُرِيدِينَ عِطْراً
وَبَاقَةَ وَرْدٍ.. وقُبَّعةً مِن حَرِيرْ
وَيشْتَعلُ الحُبُّ فِيكِ
ولَيسَ سِواكِ
يُعَانِقُ رُوحِي.. وَقَلْبِي الصَِّغير.. الصّغِيْر
030
وأنتِ بعَيْنَيَّ بَرِيقُ البَصرْ
وأنتِ حِوَارِي
ودِفْئِي الذِي أسْتَظِلُّ بِه فِي لَيَالِي الْمَطَرْ
فَكْوني هَوايَ
وبَهْجةَ يوْمِي
وأُنشودةً في السَّفَرْ
أحشاء الصباح
سيف الرحبي
الصباح يجرجرُ احشاءه تحت
قدم التيه
والمساء دائما تحت معطفك
عينا جاحظةً
وأخري تراقب الغيم يسقُطُ
فوق الجبال
تسوقُ قطيع السنوات
بعصيان المحبة
وتحت الشّجر المضرّج بالغُروب
تجلسُ وحيداً
كشارع تلسعهُ افعي
بينما خطواتك المتعثرة بأحجار الألوهة
وأحلام لا تتحققُ
تنهمر علي أوجه المارة
فلولَ لعنات.
في رؤياك الأخيرة: (ابن عربي)
يسرق قبعة
من طفلة
ويتغذي من لهاث الشجر الطالع
من قعر المحيطات.
لكنك المنفيّ أبداً
وعلي بعد خطوات

الحزن المشاغب
هامشية الموسوي
عَبَثاً أهرولُ في عروقِ قَصِيدَتي جَمْراً
فتحرِقُني قيودُ الذَاِكرةْ
تَعبتْ تفاصيلُ القلوبِ وأَورَقَتْ جُرْحا
فَتّبا للأماني الماَكِرةْ
عَبَثا أحاولُ أَنْ أجّر زمامَها تِلك الَقصِيدَة
أَنزَعُ الحرفَ إليها
ثُمَّ ابتلعُ النتؤاتِ الجَدِيَدة
صَرْخَة وَأدَتْ مَرابعَ أخوَتي
حَيثُ خبّئنا القَرارا
حَطَّمَ الجنةَ بوذيّ
وأومَي.. كَيف كانَ العشقُ عاراً
في نَهَارِ العيدِ لا شيءُ يغّني
لادَم يَهَب الرجولة
كَيْ يَعِيش الأسَر أميالاً
ويَبني روحَ آَمال تَهاَوتْ
في أزاهيِر الطِفولة
أيّها الحزن المشَاغِب والمغَامِر
في فراغاتِ العَوانِسْ
شُحَّتْ الأسمالُ فيه
والغد المنظُور يحبو
يرتجي صَخَبَ المدِينة
ومَخاضُ عند ربّانِ السَفِينَة
بريد الذكريات
محمد بهوان
دمعتي نغمة بريد الذكريات
دمعتي حسرة علي وجه الزمان
ليعتي أطلال ما فيها ثبات
ليعة الثكلي يعاندها البيان
ما يفيد اللوم ما تنفع شكاة
لو ذرقت الدمع واطلقت اللسان
هكذا حظي بكم دايم شتات
صولجان الظلم ينعت بالبنان
لو بغيت أسلي زمان السعد فات
دونك الأيام ما فيها ضمان
شوف رغد العيش من بعدك ممات
ما يساوي الذكر يا حضن الأمان
راح أمسي راح وهذا اليوم آت
ليت بكره بالفرج يسطع بشان
ما بقي لي شيء يا زهر النبات
غير هذا الطيف في ذاك المكان
طيف أيام الليالي الماضيات
يسرح بفكري ويرويني حنان
مع صدي الأمواج ألحان الحياة
ترسم الموجة سرور الاحتضان
فيه تتردد أماني الأمسيات
فيه أترك للفكر حبل العنان
يبحر بمجداف طيفك في سكات
يعلن الشكوي علي وجه الزمان
اسطرلاب
بشري خلفان
»فلنوغل في البحر«
قالهاوهو يشير إلي الدب الكبير متجهما في السماء
«ولتنشر القلوع فالريح معنا»
يدرك اللعبة تماما، يعرف دربه في ماهة الماء، يروض الريح
لأمره وله تابع في الأفق، له السماء ودرجة الانحراف.
عندما اطمأن القبطان العربي للريح، وحدد موقعه، بشر زميله باليابسة، وأشار إلي البعيد، ورغم أن اليابسة لم تلح في الأفق إلا أن زميله ذا الرأس الأصهب، ابتسم.
علي خريطته رسم القبطان الأبيض تعرجات الساحل، واحتفي بتقلبات الريح، وفي زاوية الخريطة رسم اتجاه الشرق والغرب وأسهم الشمال والجنوب.
لم يجذب البرتغالي معه إلا الخرز ليقايض سكان الممالك السوداء الذهب الذي ينبت في عروق ترابهم، والذي احتاجته «لشبونة» لسك نقودها ودحر «جنوة»، توغل البرتغالي في الماء ففض جزر النازجيل واغتصب الفلفل والقرفة، وعندما رجع إلي بلده احتفت به الموانيء وضحكت له الأرصفة.
رجع القبطان العربي إلي بلدته مخلفا عند موته بيتا من الشعر وخنجرا علاه الصدأ، وترك فيما ترك دخان المدافع علي أرض الخريطة
.
سم المسمار
يحيي سلام المنذري
قرر أن يفك الرباط المشؤوم من ساقه، حينها ارتفعت وسقطت من جديد، كانت دموعه تحاول ان تسقط لكنه يمنعها ويشعر بأن دم الجبال مازال مختلطا بدمه، ترتفع ساقه وينتشر معها خوف كبير.
حتي الآن لم يفش هذا السر لأحد، أولاده لا يعرفون شيئا عن هذه الساق المتحركة وكأنها طائر مكسور يحاول أن يطير ولكنه يقع مرتدا إلي الأرض، يتخيل كيف سيقول لهم وما ردة فعلهم، فقرر الا يخبر أحدا حتي يري الغد فريسا سيتحسن وضعها، تذكر المسمار. أحس بألم. فحينما تقاعد من عمله في مقر التاجر امتهن اصطياد بيوت النحل من أحضان الجبال ليحصل علي العسل الجبلي ويبيعه، وفي مرة وبينما كان يهرول سعيا وراء العسل داست قدمه علي مسمار حديدي طويل كان منغرزا في لوح مرمي في أحد السبوح، داسه بكل قوته فدخل من تحت باطن قدمه وخرج من الناحية الأخري، وبدون تردد تجاهل الألم ونزعه من مكانه وغطاه بالرمل وعاد إلي البيت. سأل إن كان ذلك هو السبب؟ أصبح لا يعرف كيف يفكر، صرخ علي زوجته فأتت مذعورة، ورأت أنه فك رباط الساق التي كانت هادئة. لكنه قال لها: «اربطيها من جديد.. أريد أن أنام.. أخاف أن تعود من جديد».
الكلب الشبعان
محمود الرحبي
كان هناك راع يسكن مع عائلته وقطيع شياه وكلب، يعيشون علي قطرة ماء تنبس ببطء أزلي من صدر جبل مد فيه الراعي خيطا وأوصله إلي الأرض نحو حوض صخري تفيض حوافه مع الزمن وتسيل في سواق هزيلة، هي عروق مترعة بالحياة.
ذات غروب زاره غريبان، وكان أكثر ماتبينه من وجهيهما في العتمة أعينهم التي تشع بنور الحكمة الغامض، وحين كان الضيفان حول صحن العشاء، سمعوا عواء ذئب ثم نباح كلب الرعي وكأنما يرد عليه، لم يذهن الراعي إلي معني ذلك الحوار، بيد أن الضيفين امتنعا عن مد أيديهما حتي يقطع فخذا كاملا ويقدمه لكلبه، ولأن الراعي تعود أن يجوع كلبه، أو يعطيه القليل القليل مما تبقي من فضلات طعامه قد رفض تغيير عادته تلك بسهولة، ولكنه تحت إصرار ضيفيه، خاصة أن ذلك الضوء الذي يفضح حكمة دفينة، قد بدأ يتقد بقوة من عينيهما، فقد وافق علي أن يقدم لكلبه ماطلب منه ضيوفه، بأن يمنحه لأول مرة فخذا كاملا.
وحين استفاق الراعي مع طلوع الشمس، حيث نام هو وضيفاه في مكان واحد، وجد كلبه وبجانبه ذئب، مسجيين علي الأرض وقد بدت ضربات الأنياب عميقة في عنقيهما، لم يبد الضيفان مايثير العجب أمام حيرة الراعي، وحين سألهما بإصرار عن تفسير لما حدث، أجابه أحدهما:
لقد سمعنا الذئب ليلة أمس وهو يقول للكلب بأنني سوف آتي اليوم لاصطاد من شياهك وسأقاسمك لحمها.
فرد عليه الكلب بأنه إذا أعطاني صاحبي وركا من صحن ضيوفه فلن أسمح لك،
لم يزد الضيفان كلمة علي ماقالاه، وانسحبا منحدرين في الطريق الصخري، ومن علي السفح، تأملهما الراعي مندهشا وهما يذوبان عن عين الرؤية.
ليلة تم القبض علينا
هلال البادي
كنا خمسة..
والطريق أمامنا يزدحم، التصليحات تعوق الطريق، منظر غير مسل.. كنا نود العبور بسرعة عبر هذا الزحام.. هناك فيلم في السينما يعرض في المساء منذ أيام، فيلم يحكي قصة حرب بين أمتين متناحرتين.. يحكي قصة مناضل ضد المملكتين.. المناضل البطل يموت آخر الفيلم.. كان أرعن، ولأنه كان مناضلا مات آخر الوقت.. كان ساذجاً إذ جابه السلطة!
كنا خمسة..
فجأة حدث ما لم يكن في حسبان أحدنا.. حادث اعترضنا أو نحن اعترضناه.. توقفنا، الشارع صار أكثر ازدحاما وفوضي.. طابور سيارات كثيرة، متنوعة، ماركات كثيرة.. بشر ولحوم أكثر! الطريق مقطوع للإصلاح.. هناك تحويلة يزدحم عليها الكل.. السيارة التي أمامنا توقفت هكذا فجأة دون إرادة من أحدنا. تعطلت أو أن ثمة شيئاًما حدث!
توقفنا!
لكن أردنا الخروج.. زاد سائقنا من الضغط علي البنزين.. تذكرت مشهد المناضل البطل في الفيلم الذي نود رؤيته.. آخذ في الضغط بكل قوة علي زناد بندقيته.. لكن لا طلقات موجودة هناك آنذاك! كانت بندقيته فارغة.. كان العرق متمازجا بشيء من الدم القاني.. دم لايعرفه هل له أم أنه لآخرين؟!
كان المشهد يركز علي منظر عينيه، علي تلك القطبة الخائفة! أكان خائفا؟ أم أنه استعداد لاستقبال الموت المرابط قربه؟! في مشهد تال صور متداخلة لحكايته منذ البداية:
والده الذي مات مناضلا هو الآخر ولم يذكره أحد!..
والدته التي كانت تحميه وهو صغير، تسرح له شعره الفاحم، وتغني له أغنية جميلة للطفولة.
فتاته التي قبلها ذات خريف آفل وغادر، ثم رحل إلي حربه التي لم يدرك.. أنها تنتهي بالموت! وببندقية فارغة دون طلقات!
صورة عديدة تتداخل، وبندقيته فارغة!
كانت بزته العسكرية ممزقة وملطخة بكثير من الوحل الدامي.. قاتمة، كالاشارة الحمراء التي أفاقنا عليها آنذاك! إشارة لونها صارخ عادة، لكنها اليوم تذكر بالدم فقط. ومملوءة بالقتامة من أثر الأيام والريح الغابرة!.. اشتعلت هكذا مرة واحدة دون أي استعداد منا.. تبادر إلي ذهني ان الازدحام سيزداد الآن، ويسوء الوضع أكثر..
صاحب السيارة المعطلة خرج بكل كسل، نظر إلي أمام سيارته البيضاء، وحك مؤخرة رأسه.. ابتسم ضائعا كأنه يري البكاء.. كان مرتبكا لحظة سيارته الواقفة دون استحياء، ودونما سبب واضح! لكن هل لديه شعور هذا المتأزم آنذاك بمأساتنا نحن أيضا؟ أم فقط سيارته التي تلبد عقله آنذاك؟!
الساعة بدأت تقترب من وقت العرض.. صحيح أنني شاهدت الفيلم سابقا، لكن رؤيته مجددا شيء جميل ورائع.
»لنسرع، الفيلم يبدأ.. ونحن بلا تذاكر«!
قال أحدنا..
تحركنا، زادت حدة الفرامل.. أصدرت السيارة صريرا عاليا، أخرجت دخانا أسود.. تحركت وتحركنا.. وكانت سيارة أمريكية الماركة بيضاء بجانبنا، تعلمنا النذير.. أوقفنا صاحبها.. كان أمرد بلا شوارب، ضخماء، وفي أصبعه خاتم كبير يلمع بكل قوة.
المشرد
حسن المطروشي
(1)
سئمت الحياةْ
فكل الجهات حرائقْ
وكل الليالي صقيعْ
وكل الحدود خنادقْ
وكل الشوارع أحذية وبنادقْ
وبعض وجوه مهشمة كمرايا دموعي
وكل المجازرِ
كل المعاركِ
كل المجاعاتِ
تدفن أطفالها في ضلوعي
وتزحف تحت عروقي صواعقْ
وكل لهاث علي سكك القحطِ
وتمتد نحوي يداهْ
وكل البحار مياهْ
وبعض زوارقْ
تطاردُها الريح دون اتجاهْ
زماني انكسار قبيح
تشظَّي وراء حداد الليالي مداهْ
(2)
سئمت حياة الرزايا
وطعم الشعور المَجَّْمد
فكل الجدار شقوق وأقنعة ومرايا
ورَقْصُ الثواني رتيُبَ موحدْ
ذخيرة الرأفة
محمد الحارثي
بعد محاولة فاشلة أيضاً
أخرج من مَسَّدسِهِ الغافي
رصاصاته السّت
ووضعها تحت الوسادة
ذخيرة قوية
لليلة أكَثَر رأَفةً بأشباههِ
وتمدّد
مُمزقاً وصيّتهُ الألف
مفكراً قبل النوم
في الطفلِ الذي
حدّق في عين مسدس
غافلاً عن براءةِ الأصابع
وهي
تضغط الزّنادْ
ما يساوي ظفر فيك
بدر علي القمشوعي
تسأليني عن غلاتك.. وأنتي هالعالم فداك
والله ان الكون عني ما يساوي ظفر فيك
تسأليني وبجوابي كيف انا بحضر مداك
وأوسع بحور المعاني صارت بقبضة يديك
غالية.. وأكبر دليل ان وصف اسمك حواك
دانة من فوق تاج صار يزهابه مليك
طالعي شوفي بقلبي.. شي أغلي من هواك!!
وان حصل ان شفتي غيره.. قولي فورا ما أبيك
لاتساورك الشكوك ولاتكدر لك صفاك
ما بقلبي غيرك انتي - لو بعيدة - يحتويك
تشهد حروف القوافي والقصر والنجم ذاك
والطيور اللي تودي دافي اشواقي إليك
والمسا والليل يشهد والغمام اللي بسماك
والرياض اللي نسايم زهرها يوله عليك
إنك الأغلي وغيرك قطرة في بحر ماك
وان هذا الكون كله ما يساوي ظفر فيك
جذور القصة العمانية
د. شيرين شرف الموسوي
إن المراقب للمشهد الإبداعي في عمان يلاحظ أن للقصة القصيرة حضورا مميزا علي الساحة الأدبية، تمثل في عدد المجموعات القصصية الصادرة، والتي جاوزت الخمسين مجموعة. وقد بدأت الحركة القصصية في عمان تنمو باطراد منذ الثمانينيات من القرن الماضي، من خلال النشر في الصحافة المحلية، ثم توجه كتاب القصة إلي نشر مجموعاتهم القصصية تباعا منذ عام 1981. وكان فيها العديد من الأسماء القصصية المميزة والمهمة، التي استطاعت أن تسجل حضورها الإبداعي، ولقد طرقت القصة العمانية في مسيرتها الممتدة عبر الثلاثين سنة الماضية كل أشكال الكتابة القصصية من مستوي السرد التقريري، إلي القصة الوجدانية، كما طرقت القصة العمانية أبواب التجريب بكل ثقة وتمكن، وأكدت مواكبتها للقصة العربية الحديثة في العالم العربي.
وقد توصلت الدراسة إلي أن القصة القصيرة في عمان لها جذور وأصول متصلة مع الكتابة النثرية العربية القديمة من خلال المقامة والحكاية الشعبية، والقصة الشعرية، ومن خلال الأشكال النثرية الحديثة نحو الخاطرة والمقالة القصصية، وكذلك تأثر الكتاب العمانيين بكتاب القصة العربية في العالم العربي.
ولقد اثبتت الدراسة ان القصة القصيرة، قد قدمت صورة واضحة لواقع المجتمع العماني وتطوره، ولقد أسهم كتاب القصة في عمان بجهد وافر في نقل الصورة الواقعية للحياة في عمان وملامسة مشاكلها الاجتماعية والإنسانية بصورة جلية، فلم يتركوا خصصية ولا قضية وطنية، ولا مشكلة اجتماعية، إلا تناولوها في قصصهم، حتي أصبحت القصة القصيرة صورة وانعكاسا لهموم وقضايا المجتمع العماني.
ولاحظت الدراسة ان القصة القصيرة في عمان، تعبر عن توجه وجداني، وقد ظهر هذا التوجه في عدد من العناصر الفنية والموضوعية في كتابة القصة العمانية، فمن ناحية الموضوعات اظهرت الدراسة سيطرة القصة الوجدانية بكل توجهاتها الفكرية والإنسانية، نحو ظهور النزعة الإصلاحية، التي تدعو إلي إصلاح المجتمع وتنقيته من جميع مظاهر التأثر بالحضارة الغربية، وبروز النزعة الوجدانية، التي تقارن دائما بين ماهو موجود، وما هو متخيل، والرغبة في العودة الي الماضي وفترات الطفولة واجواء القرية، والاستغراق في الطبيعة ومروجها الخضراء. وقد ادي ذلك إلي ظهور عدة قضايا في كتابة القصة القصيرة. منها ماهو اجتماعي، مثل الدعوة إلي الإصلاح، ومنها ماهو وطني، نحو البحث عن الهوية الوطنية، ومحاربة الغزو الأجنبي بكل أشكاله ولو كان عبر إعادة كتابة التاريخ العماني الذي شهد العديد من محاولات الاستعمار والسيطرة، ومنها قضايا وجدانية، نحو العودة إلي مرحلة الطفولة والقرية، وتجسيد الفشل في الحياة والحب، ومنها ماهو إنساني وقومي. ومن العناصر الفنية للقصة الوجدانية، سيطرة اللغة الوجدانية ومظاهرها ومفرداتها، وبروز اللغة الشعرية فيما بعد، ومحاولة كتاب القصة إضفاء الطابع الرومانسي والوجداني علي الشخصيات وعلي طبيعة المكان والزمان، فأصبحت القصة تعبر عن توجه وجداني وعن هموم الإنسان العماني وشخصيته وأحزانه ومشكلاته المعاصرة.
كما حاول كتاب القصة تطوير أساليبهم القصصية فأصبحت القصة مؤشرا علي تطور الأدب والنثر في عمان، واستخدم كتاب القصة مجمل الأساليب في كتابة القصة وتطورها من مرحلة القصة التقريرية، إلي القصة الحديثة، كما أنهم اعتمدوا علي فنيات القصة الحديثة وتقنياتها مثل المناجاة الداخلية والاسترجاع وتقنية الحلم، والتصوير السينمائي. وحتي لو وصفت محاولاتهم هذه بعملية حرق المراحل إلا أنها لم تكن نقيصة بقدر ما هي علامة علي تطلع الكاتب العماني وقدرته علي اللحاق بالمراحل المتقدمة لكتابة القصة القصيرة في العالم العربي.
وبالنسبة لأساليب السرد فلقد ركز الكتاب علي ضمير الغائب وهو ما يختص بالراوي أو الناظم الخارجي ثم ضمير المتكلم، ثم ضمير المخاطب وأحيانا جمعوا بين الضمائر المتعددة.
ولقد ركز الكتاب العمانيون علي مختلف الشخصيات التي ينوء بها المجتمع العماني ولم تكن شخصياتهم شخصيات ورقية ومرسومة فقط علي الورق، بقدر ما كانت شخصياتهم مستقاة من روح وواقع المجتمع العماني، وقد ركز الكتاب علي مجموعة من الشخصيات الجاهزة والموجودة داخل المجتمع نحو الشخصية المأزومة والشخصية المتسلطة والمثقفة وغيرها، كما أنهم لم يبدوا أي اهتمام برسم الشخصيات من الداخل قدر اهتمامهم برسمها من الخارج.
وبالنسبة للزمان والمكان فلقد حاول كتاب القصة التنويع في استخدام الزمان والمكان، ولم يكن استخدام الكتاب لعنصري الزمان والمكان استخدما حرفيا ومحددا وانما حاولوا التوسع في استخدام رؤية الزمان والمكان وما تعنيه من مفاهيم ومعان مختلفة، وما يحمله المكان والزمان من مدلولات نفسية وزمنية ومكانية، ولم يقتصر استخدامهم علي المكان الضيق والمحدد، وإنما انطلقوا إلي الأمكنة المفتوحة والواسعة، ولم يتناولوا المكان بوصفه مكانا جغرافيا فقط ولكنه بوصفه حاملا لدلالات تاريخية واجتماعية ونفسية.
المثقفون العمانيون في ضيافة أخبار الأدب
زار الوفد العماني الثقافي جريدة "أخبار الأدب"، من فنانين تشكيليين ومثقفين ونقاد وشعراء وروائيين وكتاب قصة صباح الأربعاء الماضي، قبل الافتتاح الرسمي للأيام الثقافية العُمانية في القاهرة والإسكندرية بدار الأوبرا، الذي سيبدأ صباح اليوم الأحد، وبمشاركة واسعة من الكتاب والأدباء العمانيين.
أعضاء الوفد العماني الذي يزورون مصر بترتيب من "الجمعية العمانية للكتاب والأدباء" جلسوا مع أسرة تحرير الجريدة ودار حوار مطول حول المشهد الثقافي العماني، وفي البداية قال رئيس التحرير مجدي العفيفي: "السياسة كانت تطغي في الأغلب علي زيارات العمانيين، ولكن يبدو أن الثقافة ستكون البطل تلك المرة. لقد لاحظت أن الوفد يضم مختلف الأجيال، وهذا شيء جيد"، ثم وجّه سؤالاً إلي أعضاء الوفد: "أنا مهموم بالجيل الجديد الذي يبرز حالياً في عمان، جيل الحداثة والمدوّنات.. وأريد أن تخبرونا عنه"، فتحدث الروائي محمود الرحبي قائلاً: "حدث حراك بالفعل في الحياة الثقافية العمانية خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبرزت أسماء جديدة استطاعت إثبات حضورها وتألقها، وبالتوازي نشطت حركة النشر لاستيعاب ما يطرأ علي الساحة"، وعاد العفيفي ليقول إن "هناك 20 مجموعة قصصية صدرت في عام 2006.. عام الثقافة في مسقط، ومن الواضح بالنسبة لي أن القصة والشعر أكثر تداولاً في عمان"، وعقّب الرحبي: "نعم.. ولكن بعض الشباب بدأوا في الاتجاه إلي الرواية".
الوفد العماني سيكون حاضراً صباح اليوم بدار الأوبرا المصرية الجديدة، حيث يجري حفل الافتتاح الرسمي للأيام الثقافية العمانية، التي تنظمها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، بالتعاون مع سفارة السلطنة في مصر، تحت رعاية وزير الإعلام اختيار مسقط عاصمة للثقافة العربية صلاح عبدالمقصود، وبحضور السفير خليفة بن علي بن عيسي الحارثي، وتأتي إقامة هذه الأيام من منطلق التبادل الثقافي و التعاون الفكري والحضاري الذي يُعبّر عن مدي عمق أواصر ووشائج الصداقة بين الشعبين الشقيقين، و تأتي كذلك امتدادا لنهج الجمعية الذي استنته منذ البداية في إيصال صوت المثقف والكاتب العماني في مختلف العواصم والبلدان الثقافية في الأوطان العربية والغربية، وهي تعتبر ثاني الأيام الثقافية العمانية التي نظمتها الجمعية، إذ سبقها قبل أربعة أشهر الأيام الثقافية العمانية التونسية ولاقت نجاحاً وكتبت عنه بعض الصحف والمجلات المتخصصة.
المعرض الفوتغرافي الذي يبرز الحياة العمانية بتقاسيم الجمال والبيئة والمناخ والإنسان، هو أحد الفعاليات المقامة في ركن المعارض بدار الأوبرا يوم الافتتاح، إذ يتم عبره عرض أكثر من 350 لوحة تجسد معالم الحياة والطبيعة العمانية
في مكتبة الاسكندرية
ثاني الأيام الثقافية العمانية سيكون حافلاً مع ندوة "عُمان الحاضر الماضي" التي تحتضنها مؤسسة الأهرام في الثانية ظهراً، غداً الإثنين، بقاعة إبراهيم نافع تقدم من خلالها خمس أوراقِ، إذ سيتحدث الكاتب والشاعر الدكتور هلال الحجري رئيس قسم اللغة العربية و آدابها بجامعة السلطان قابوس في الورقة الأولي عن رؤية العالم الآخر لعمان بجغرافيتها المتميزة من بوابة "عُمان في الأدبين العربي والإنجليزي"، في حين يتناول الدكتور سعيد العيسائي الملحق الثقافي بالقاهرة "لمحات من الأدب العماني"، فيما يتناول المستشار بمكتب وزير التراث والثقافة المسرحي الدكتور عبدالكريم جواد "المسرح في عُمان، المنجز والتطلعات"، أما القاص والإعلامي هلال البادي فسيتحدث في ورقته عن المسرح في عُمان، ويقدم الباحث في الشؤون السياسية ورئيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء الدكتور محمد العريمي ورقة بعنوان "الوسطية في النظام السياسي العماني".يدير الندوة الأديب أحمد الفلاحي، الذي سيقدم أيضاً مداخلة معمقة حول تاريخية العلاقات العمانية المصرية وجذور التعاون والمحبة وعلائق الإرث الثقافي والأدبي بين البلدين . مكتبة الإسكندرية كما سيحتضن الجلسة القصصية العمانية في السابعة من مساء بعد غد الثلاثاء بمختبر السرديات، بمشاركة نخبة من القاصين العمانيين
في اتحاد الكتاب
أما رابع الأيام فتم تخصيصه لأمسية "السرد والشعر"، التي ستقام في اتحاد كتاب مصر بالقاهرة، بمشاركة القاص يحيي بن سلام المنذري الفائز مؤخراً بجائزة الجمعية العمانية للكتاب والأدباء لأفضل إصدار قصصي للعام 2012 عن مجموعته "الطيور الزجاجية"، والقاص خليفة بن سلطان العبري صاحب المجموعة القصصية "علي الباب طارق" و"عزف علي وتر القلب" و"فنجان عند سوق مطرح" و"يوم علي تخوم الربع الخالي"، والشاعر أحمد بن هلال العبري صاحب ديوان "عباءات الفراغ"، والشاعر خميس قلم صاحب إصدار " مازال تسكنه الخيام " والشاعر إبراهيم بن أحمد الهنائي الحائز مؤخرا علي المركز الأول في الملتقي الأدبي الثامن عشر في صور 2012 . والقاص محمود الرحبي صاحب المجاميع القصصية "اللون البني" و"بركة النسيان" و"لا تمزح معي" و"ساعة زوال" "وأرجوحة فوق زمنين" ورواية "خريطة العالم"، والشاعرة الإعلامية بدرية الوهيبية، ، والباحث عن المغامرة الشاعر إبراهيم السالمي، والشاعرين حمود بن وهقة وفيصل الفارسي

وساقية الصاوي
ساقية الصاوي ستشهد احتضان فعاليات "يوم عُمان المفتوح" بالتعاون مع الملحقية الثقافية لسلطنة عمان بالقاهرة. تنطلق الأحداث في الحادية عشرة صباحاً وتمتد إلي التاسعة ليلاً، وتشهد محاضرة للقاص والإعلامي هلال البادي يتحدث فيها عن المسرح في عمان . إضافةً إلي عددٍ من القراءات الشعرية والقصصية والنقدية يقدمها نخبة من الشعراء والقاصين العمانيين ، وسيضم كذلك معرضاً للصور، ومعرضاً للكتب، ومعرضاً للتراث تقدمه الملحقية الثقافية بالقاهرة، كما ستقدم الناقدة والكاتبة المسرحية آمنة الربيع والفنانة التشكيلية بدور الريامية فناً أدائياً، يحمل عنوان "صلاة من الربع الخالي"، وهو عملٌ ينتقل بين عدةٍ أزمنةٍ ويستحضر بعضاً من الأماكن في انتقاليةٍ حركيةٍ تقنية، عبر استخدام خاصية "الفيديو آرت"، من خلاله تسعي الفنانتان إلي طرق ومعالجة بعض القضايا الاجتماعية، عبر بعض "الإسقاطات" الفنية الأدبية، فيما سسيحل الشاعران الكبيران سيف الرحبي وهلال العامري ضيفي شرفٍ للأيام الثقافية العمانية في القاهرة والإسكندرية.
صوت التاريخ بين مصر وعمان
د.محمد العريمي
عندما تستشيرُ التاريخَ، وتتتبعُ مواقعَ الخُطَيَ علي صدرِ مكوناتِ الجغرافيا، وعندما تستفزُ الماضيَ، وتحفّزُ الحاضرَ، وتستفتِي المستقبلَ، وعندما تسكنُ السفنُ فوق حُضنِ البحرِ، وتبدأ الشمسُ تنيرُ جنباتِ الدنيا، تجدُ هناك أواصرَ متينةً تربطُ بين مصرَ وعُمانَ. وإنْ أنت حاولتَ سبرَ جذورِ هذه العِلاقةِ الراسخةِ، ستجدُ أن كلَّ يومٍ يُحيلُكَ إلي اليومِ الذي قبلُهُ، حتي تغوصَ في الأبعادِ المستترةِ بعمقِ الزمنِ.
لقد كان الوجودُ والتواصلُ العُمانيان في إفريقيا؛ بكل جهاتِها، في مصرَ، وفي الشمالِ الإفريقي، ووسطِهِ وشرقِهِ، ضارباً في القِدَمِ، كان مرسوماً بكلِ المقاييسِ الثقافيةِ والفكريةِ والاجتماعيّةِ والدينيّةِ. بل كانت هذه العِلاقةُ الإفريقيةُ أكبرَ كثافةً وأكثرَ عُمقاً منها من العِلاقةِ مع آسيا. ولمّا أنْ كان القربُ الحضاريُّ متوفراً فقد ارتبطَ أهلُ عُمانَ بشرقِ إفريقيا بعِلاقاتٍ متجذِّرةٍ معَهُ، وذلك بهجراتٍ دائمةٍ؛ فرديّةٍ وجماعيّةٍ.
أدّي احتكاكُ العُمانيين مع إفريقيا، إلي قيامِ عِلاقاتٍ عميقةٍ لم تقتصرْ علي التجارةِ والمعاملاتِ الماديّةِ، بل تجاوزتْها إلي تولّدِ تفاهماتٍ ولقاءاتٍ وتقارباتٍ، كان علي رأسِها ما نقلَهُ العُمانيون من مبادئِ الإسلامِ، فأصبح الدربُ ممهداً أمام العُمانيين لإنشاءِ ممالكٍ عربيّةٍ شُهِدَ لها بالعظمةِ والازدهارِ، حتي أصبحتْ مصدرَ إشعاعٍ حضاريٍّ، أثّرَ في بقيةِ إفريقيا؛ جنوباً وغرباً وشمالاً، وصل إلي تنزانيا، ومدغشقر، وجنوبِ الصومالِ، وجُزُر القَمَرِ، ونورديفانَ، وموزمبيقَ، وبحيرةِ تنجنيقا، وفيكتوريا، والبرتَ، وكيوجا، وراوندا، وغربِ كينيا، وغربِ أوغندا وجنوبِها، ومملكةِ كارنجا، وكان قبل ذلك أيضاً تواصلاً حضارياً وثقافياً مع ليبيا وتونسَ والجزائر.
أما عُمانُ ومصرُ فقد عرفا سويةً معني الذهابِ إلي آخرِ معاني الودِ والاحترامِ والتعايشِ السياسيِّ والثقافيِّ، بل وصلا إلي حدِّ التمازجِ في الرؤيا والهدفِ والأسلوبِ والفهمِ والتناولِ والمقاربةِ والسلوكِ. فالرأيُ السياسيُ والبيتُ الشعريُ والحرفُ الأدبيُ والجملةُ الثقافيةُ المصريةُ تجدُها لدينا في الكتابِ والمنهجِ، وفي وسائلِ الإعلامِ، مقروءةً في الذهنِ العُمانيِّ، امتداداً لحباتِ اللبانِ التي رحلتْ من ظفارَ إلي معابدِ الفراعنةِ َ، وحتي نؤكدَ علي هذا الرسوخِ الحضاري فقد اعتُمدتْ شجرةُ اللبانِ شعاراً لأيامِنا الجميلةِ هذه؛ الجميلةِ بنفحاتِ المحبةِ وتوطيدِ روابطِ الأُخوةِ، والجميلةِ بما تحملُ من دفقٍ معرفيٍّ وصُوَرٍ رائعةٍ، فعلي الأرضِ العُمانيةِ نبتتْ شجرةُ اللبانِ التي قدّسها طُهرُ صوامعِ التعبّدِ بمصرَ، وارتحلَ جناها وحصادُها مع دورةِ الشمسِ التي أشرقتْ علي عظمةِ التاريخِ المصري في أهراماتِهِ الثلاثةِ بالجيزةِ، التي حملتْ أسماءَ ملوكِ الفراعنةِ الثلاثةِ: خوفو وخفرع ومنقرع، أبناءِ الأسرةِ الرابعةِ، والتي حكمتْ عندما أطلَّ العامُ 2613 قبلَ الميلادِ، أي قبلَ أن يصحوَ معظمُ أهلِ الأرضِ من غفوةِ البدائيةِ وهمجيةِ التخلفِ.
لقد جاءتْ هذه اللوحةُ لتقولَ: إنه عبرَ "البوابةِ العمانيةِ" التي شرعتْ يديها وفتحتْ قلبَها لكلٍ المتواصلين معها؛ بكلِ حبٍ وودٍ، يستمرُ التواصلُ والاتصالُ الحضاريُّ والفكريُّ والثقافيُّ والأدبيُّ. هذه "البوابةُ" التي دخلتْ في اللوحةِ يقولُ لسانُ حالِها: إننا في عُمان نبني بناءً حديثاً دون أن ننسيَ العمارةَ الإسلاميةَ، ونشيّدُ ولا ننقطعُ عن موروثِنا، وننتقلُ من ساحةٍ إلي أخري ونحن نحملُ الطيبَ والطيبةَ، والحبَ والمحبةَ للآخرِ، ونحمّلُ ركائبَنا أكياسَ اللبانِ ليملأَ عبقُها المعابدَ في بلادِ النيلِ، ويتقدّس هو بصلواتِ هذه المعابدِ. هذا اللبانُ الذي استهوي في "أوفير" (ظفار) الإسكندرَ المقدوني أثناءَ حملتِهِ إلي الشرقِ، فبَعَثَ إلي الكاهنِ الأعظمِ في أثينا بكميةٍ منُه، وأوصاهُ بالاقتصادِ في استعمالِها لأنها بخورٌ مقدّسٌ.
يتعانقُ ذلك كلُه مع فخامةِ التاريخِ الذي نفتخرُ بأنه مصريٌّ، والذي باهي العالمَ لأنه من صنعِ أبناءِ مصرَ. وظل هذا التاريخُ يأخذُ دورتَه عبرَ الزمنِ إلي يومِنا هذا؛ الذي نشهدُ فيه هذه الفعّاليةَ التي نرجو لها التوفيقَ، ونرجو أن تكونَ حلقةً جديدةً من حلقاتِ التواصلِ والتلاحمِ بين الشعبين الشقيقين العُماني والمصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.