قراءة الدستور الأسترالي تضع القارئ في قلب تجربة ديمقراطية من نوع خاص. تشعر أن الديمقراطية وتطبيقها علي أرض الواقع ممكنان، وهو أمر لن يكون لافتاً إلا لقارئ عربي اعتاد أن يكون الدستور في وادٍ وتطبيقه في وادٍ آخر. والسؤال هل يمكن أن نحلم في مصر بدستور يضع الضوابط المالية والنزاهة في أفراده وأعضائه في موقع سابق للمواد المحددة للتكوين القانوني للبرلمان؟ يؤسس هذا الدستور،الذي جري سريانه في يناير 1901، لديمقراطية مختلفة، مع العلم أنّ البرلمان رفض استفتائين لتحويل القارة إلي جمهورية، وظلت القارة تحتكم لبرلمان يستند إلي سلطة التاج البريطاني. رغم رفض التحوّل إلي جمهورية فإنّ ديمقراطية أستراليا كاملة. في مواد الدستور يُعدّ الحاكم،( وهو منصب يعادل رئيسي مجلسي الشيوح والنواب الأستراليين)، ممثلاً لصاحبة التاج البريطاني، لكنه- مع ذلك- لا ينال سلطاته إلا من الدستور مما يعني أن تمثيله للتاج لا يعد سوي إجراء شكلي لا يعني الكثير..يتضح ذلك من المادة الأولي التي تؤكد علي أن سلطات الحاكم ترجع إلي المادة الثانية من الجزء الأول المعنون ب"الحاكم العام". طوال تاريخ أستراليا كانت هناك محاولات للخروج من ظل التاج، حتي أن الملكة "إليزبيث" الثانية كررت أكثر من مرة في حديثها للبرلمان الأسترالي أن علاقتها بالقارة يحددها الشعب فقط.. ربما لهذا كان هناك اهتمام بالغ بفكرة الاستقلال في هذا الدستور، حيث يشترط ألا ينال راتباً عن عمله بالخدمة العامة أحد من أعضاء البرلمان، إلا الحاكم العام، وراتبه محدد في الدستور بالمادة الثالثة وهو مبلغ لا يتجاوز عشرة آلاف جنيه سنوياً.(يبدو هذا المبلغ هزيلاً جداً، لكنه ما يحدده الدستور الأقدم في العالم، وتحوي هذه المادة شرطاً استثنائيا يتلخص في سطر واحد هو:"إلي أن يقرر البرلمان خلاف ذلك"). كذلك يشترط في عضو البرلمان ألا يكون قد تلقي راتباً من دولة الكومنولث، وهي الصيغة القانونية التي تربط القارة الأسترالية بالتاج البريطاني، أو تلقي أجراً عن أي عمل خدمي للتاج الملكي. كما تحدد المادة الرابعة ذلك بشكل قاطع: " لا يحق لأي شخص من هذا القبيل أن يحصل علي أي راتب من الكومنولث فيما يتعلق بأي منصب آخر أثناء إدارته لحكومة الكومنولث". وأنت تقرأ ما يتردد حول الحلم الأسترالي بالديمقراطية تجد أن الحكومة، ستكون أفضل، إذا كانت مشكّلة من البرلمان، وأن آليات المحاسبة ستكون يسيرة، وكذلك ستجد أن منح السلطات الموسّعة لرأس الدولة يعد ظلماً للشعب، وللشخص المنتخب لهذا المنصب، لأن تكليف البرلمان باختيار الوزراء يفتح الباب أكثر للمراجعة والحوار والنظر فيما يخص مصلحة البلاد. هكذا يمكننا الاكتفاء بالبرلمان وحده عن الكثير من السلطات..كل هذه الأفكار الجديدة علينا تدفعنا للتفكير خارج الهامش الضيق المتاح الآن المتمثل في تعديل بعض مواد الدستور المصري فقط..ربما يمكننا أن نفكر بشكل مختلف في مستقبل البلاد إذا كان البرلمان أكثر فاعلية. في ظل الحديث عن فساد المسئولين السابقين المصريين، وزراء رجال الأعمال مثلا، نجد في المادة 66 من دستور أستراليا تحديداً لرواتب الوزراء، وفيها ينص علي أن " يُدفع للملكة من صندوق الإيرادات الموحد للكومنولث، من أجل رواتب وزراء الدولة، مبلغ سنوي لا يتجاوز إثني عشر ألف جنيه في السنة، إلي أن يقرر البرلمان خلاف ذلك". حتي لا نكون متحمسين لفكرة الدولة البرلمانية دون مراجعة فلابد من الإشارة إلي الشكل الذي تتمثل فيه السلطة فيه، أولا تنقسم القارة إلي عدة ولايات، لكل ولاية مجلس حاكم، وحاكم منتخب، وكذلك قانونها الخاص، وهذا الحاكم هو الذي يحدد عدد النواب الذين يمثلونه في مجلسي الشيوخ والنواب. كما يتصتع الحاكم الوالي وحده بحق الإعلان عن فراغ منصب خاص بنواب ولايته.