مارلون جيمس، أول كاتب جامايكي يفوز بجائزة (المان بوكر)، عن رواية ملحمية لا يُنصح بقراءتها لضعاف القلوب. سعي جيمس إلي تجسيد صورة لجامايكا لن تجدها في أي كتاب؛ بلد تتقاسمه حروب المخدرات والسياسة القذرة، لكنه في ذات الوقت غنية ثقافيا وتاريخيا، وكانت النتيجة رواية (لمحة تاريخية عن سبع جرائم قتل)، التي تقترب من تصنيف الأساطير، فهي مليئة بعنف العصابات البشع، والشتائم، والجنس الصريح، والمخدرات، ولكنها أيضا - كما تقول لجنة تحكيم الجائزة - مُثيرة للضحك. تؤرخ الرواية لتاريخ مختلق عن محاولة اغتيال المغني الشهير بوب مارلي عام 1976، وتسرد تفاصيلها كحدث واحد وتبعاته التي تمتد لعدة عقود، إذ يري جيمس أن كل العواقب ليست نتيجة مباشرة لإطلاق النار عليه، ولكن الجميع يشارك في الحدث بشكل ما، وحتي من لم يكن مشاركا، لا يزال يعاني من آثار الحدث بعده بعشر سنوات، وحتي بعد عشرين سنة. وفي هذا الحوار، الذي نُشر علي موقع (جاوكر لعروض الكتب)، يتحدث جيمس عن الرواية، كيف كتبها، وكيف كانت فرصة لأن يثق في كونه كاتباً، قادراً علي الإبداع. كيف بدأت الكتابة؟ كتبت بطريقة غريبة نوعاً ما، فكان يُعجبني فكرة أن تكون فناناً، وأن يكون لك أعمال خارج جسدك. وبغض النظر عما يحدث لك بعد ذلك، يبقي العمل كوثيقة موجودة دائما. كنت أرغب في تقديم فن خارج جسدي يحيا وحده. وأيضا قراءة الكتب جعلتني أطمح في أن أصبح كاتبا، مثلا تحدث ماركيز عن الكتاب الذي يعطي لك الإذن بالكتابة، كان ذلك الكتاب هو رواية (المسخ) بالنسبة له، أما أنا فكانت رواية (العار) لسلمان رشدي هي التي أعطتني الإذن لأكتب. لِمَ هذه الرواية تحديداً؟ قرأت الكثير من الكتب العظيمة، لكنني حين قرأت هذا الكتاب قلت "حسنا، عليَ أن أكتب الآن". أعتقد أن هناك دائما كتابا ينبغي عليك كتابته، وكتابا آخر تتمني كتابته، وهما ليسا نفس الكتاب، فالكتاب الذي ينبغي عليَ كتابته واقعي لأنني درست الأدب الإنجليزي، ويجب أن يشتمل علي ثقافتي أيضا ويعكس أين أنا اليوم. أما الكتاب الذي أتمني كتابته فأود أن يحتوي علي نساء طائرات، وسحر، وأشياء من هذا القبيل، لكنني لا أعتقد أنه سيُسمح لي بكتابة مثل هذا الكتاب. أتذكر حين قرأت العار، أصابني الفزع، فالطريقة الوحيدة التي يمكنك بها تصوير الجنون في بلد مثل باكستان هو اللجوء إلي الخيالي والغرائبي، وكسر البنية التقليدية، وقد أعطاني هذا الإذن بكتابة كل ما أردت، أدركت ذلك ثم استدعيت الشجاعة اللازمة لكتابته، حتي الكتابة باللهجة كانت أمرا يحتاج مني للشجاعة. فالكتابة باللهجة الجامايكية من الأمور الصعبة بالنسبة لي لأنني لم أنشأ في كنفها، وهي ليست بالتأكيد اللهجة التي تستطيع التحدث بها في المدرسة أو في مجال الأعمال، فهي لهجة وقحة، وفكرة كتابة رواية كاملة، أو جزء كبير من رواية، بتلك اللهجة لم يقم بها أحد من قبل، فأنت تستخدم لغة تخرج مباشرة من فمك. استخدامك لهذه اللهجة، والجُمل التي تمتد لصفحات، من الأشياء الجميلة في الرواية. لا أسمح لطلابي بفعل نصف الأشياء التي قمت بها في هذا الكتاب، فهناك مثلا جملة تمتد لسبع صفحات وحتي عندما ينتهي الكتاب، فإنه فقط يتوقف. متي عرفت أنك علي وشك الانتهاء من الرواية؟ استغرق الأمر بضعة أسابيع لأتقبل ذلك، وأخيراً قلت لنفسي: دعنا نكتب النهاية الآن. دعنا نكتب شيئا كبيراً، وعظيماً. إذن لم تكن تعرف النهاية حين بدأت العمل؟ لا، لم أكن أعرف مع هذا الكتاب، فهو أكثر كتاب مجنون كتبته علي الإطلاق، لم يكن لدي أدني فكرة. كانت لدي أفكار عن بعض الشخصيات فقط، وبخاصة أولئك الذين سيموتون. لم أكن أعرف أشياء مثل تعرض (ألكس بيرس) للضرب في شقته بمنطقة مرتفعات واشنطن؛ لم أخطط لهذا الأمر علي الإطلاق. كيف كتبت بالرواية عن قراءة أعمال (ويبر) وبعض المقولات من كتبه؟ من الأشياء التي اكتشفت صحتها في الحياة كتابات ويبر، والحقيقة أن هناك الكثير من الجامايكيين الذين قرأوا ل (برتراند راسل) في السجون. قد يبدو الأمر ضرباً من الجنون، لكن كل تلك الأشياء التي قد تظنها مُختلقة هي في الحقيقة شديدة الواقعية، ففي مكتبة السجن العامة تجد كتاب (مشاكل الفلسفة) لراسل، بجانب السيرة الذاتية لمالكوم إكس. كنت أعرف أن الناس لن تصدق أن هذا الأمر من الأشياء الحقيقية في الكتاب، فعند نقطة ما أثناء الكتابة ولا أعرف متي بالضبط ارمي القصة إلي الشخصيات، فيصبحون كما لو أنهم حقيقيون ويذهبون في أي اتجاه يريدون، وحدث ذلك معي في روايتي الأخيرة. لكنني لاحظت شيئا لم أقوله أنا، ولا أعرف من قائله وهو فكرة أن كل كتاب يحررك لتكتب الكتاب الذي يليه. فأول رواية كتبتها (شيطان جون كرو) حررتني للكتابة عن الماضي، أما رواية (كتاب نساء الليل) فحررتني لأكتب كتاباً يعتمد تماما علي الصوت ويتميز بالعفوية الشديدة. معني هذا أن كتابك الأخير حررك لتكتب عنه في أعمالك المقبلة.. هل أخذت بالاعتبار مثلا كتابة رواية مستقبلية ذات صبغة إفريقية؟ نعم، الحقيقة أن هناك الكثير من تلك الروايات، ولكنني بالأساس روائي خيالي. أتذكر كيف أتت لي فكرة تلك الرواية المستقبلية؛ حدث ذلك حين مللت من النقاش حول إمكانية وجود قزم (هوبيت) أسود البشرة. لماذا يجب أن تكون كل قصة لائقة؟ لقد مللت من ذلك النقاش، كما أن الأساطير الإفريقية لا تقل في غناها وجنونها عن مثيلاتها الإسكندنافية وغيرها من الأساطير. لذا، فسأكتب سلسلة كتب استناداً إلي الأساطير الإفريقية، ستكون (لعبة العروش) الإفريقية. أري أنك مع كل كتاب تتعلم المزيد حول عملية الكتابة. فماذا علمتك رواية "لمحة تاريخية عن سبع جرائم قتل"؟ بدأت أتعلم الثقة في غرائزي الأولي بشكل أكبر، فهناك أجزاء من هذا الكتاب شعرت بخوف شديد أثناء كتابتها. لذا، فقد تعلمت الثقة بنفسي، وهو أمر مثير للدهشة بالنسبة لي. لا أعرف إن كان بعض الكُتاب يعانون مما عانيت منه، لكنني استغرقت سنوات وسنوات لأثق بغرائزي ككاتب، ربما يكون سبب ذلك أنني أكتب أشياء لم اقرأ مثلها من قبل. لا أقول إن تلك الكتابات لم تُكتب من قبل علي الإطلاق، ولكن من خلال هذا الكتاب تعلمت الثقة في نفسي للقيام بذلك، وكنت أكثر راحة وأنا أجازف. رواية (كتاب نساء الليل) تحتوي علي الكثير من الأشياء، وهي رواية عنيفة لكنها ليست محفوفة بالمخاطر. أما في (لمحة تاريخية عن سبع جرائم قتل)، فقد كنت أخاطر بكل شيء، بالشتائم الصريحة، وبالجنس والإباحية، كما خاطرت باللعب بالنوع الأدبي فقط لأنني شعرت برغبة في فعل ذلك، أن أكتب شيئا لأنني أريد ذلك في مقابل فكرتي عما يمثل أدبا جيدا، أو حتي فكرتي عن الفقرة الجيدة. ما الذي يخفق الآخرون في معرفته عنك؟ عادة ما يخفق الآخرون في التنبؤ بتعليمي الأكاديمي، ويفترضون أنني حصلت علي تعليمي من أمريكا أو من أي من دول العالم الأول، خاصة حينما يطالعون كتابي الأخير. ويظن البعض أيضا أن لدي تجربة شخصية مع العنف، وحين أقول لهم إنني لم أشهد تجارب عنيفة، يتساءلون عن مدي أحقيتي بالكتابة عن أحداث لم أمر بها. لكن إثارة موضوع العنف دائماً ما يحدث، وليس فقط مع الجامايكيين، لكن مع الكُتاب الملونين بشكل عام، يعتقد البعض أننا لسنا قادرين علي الإبداع، وأننا لا نزيد عن كوننا مجرد مراسلين صحفيين. لكنني في نفس الوقت أستطيع تفهُم لماذا يسألني الناس كثيرا عن مسألة العنف، فأنا أكتب عنه الكثير. لا أحد يحب أن يتعرض للعنف، فلماذا نعتقد أننا سنقضي وقتا طيبا حين نقرأ عنه؟ كان أجدادنا وأجدادنا الأكبر، في كثير من الأحوال، أعنف مما نحن عليه الآن، كان يمكنهم التعامل مع أمور مثيرة للقلق والعنف، بينما ينظرون إلي الأدب كمكان لتجربة ذلك العنف بشكل غير مباشر. الأدب هو المكان الذي يمكنك الذهاب إليه لتجربة تلك الأشياء وفي بعض الأحيان قد تتعاطف معها. وقتها كانت فكرة الإعجاب بكتاب والانبهار به تشمل أيضا إصابتك بالصدمة، وخضوعك لنوع من التعليم، والفزع، وجرك إلي مناطق لم تكن ترغب في الذهاب إليها. لكننا الآن ننظر إلي الأدب كمكان للهروب من كل ذلك. أنا لا أسعي لتحويل العنف إلي مواد إباحية، ولكن، في الوقت نفسه، أعتقد أنه يجب عليك أن تنزعج؛ فإذا شعرت بالتعاطف مع قصة حول الرق، أو إذا حركتك قصة حول العنف المنزلي، فأنت تقرأ القصة الخاطئة. ليس من المفترض أن تتعاطف مع تلك القصص، وإنما أن تُصاب بالرعب، وتأخذ بزمام المبادرة فتفعل شيئا حيال ذلك.